تشكّل المؤسّسة الإنتاجية الخاصة جزءا مهمّا من النسيج الصناعي والخدماتي، ووفّرت لها الدولة العديد من التسهيلات والدعم وفرص التأهيل، لترفع من وتيرة نشاطها وتحسّن من تنافسية منتوجها، لكن مع كل ذلك مازالت تواجه تحديات في ظل الإمكانيات المتوفرة على جميع الأصعدة، لكنها تتطلّع بجدية لتشقّ مسارا دينامكيا نحو الاستثمار وتوسيع أدائها، الذي لا يجب أن ينحصر على مستوى ضيق ولا يستهدف أسواقا صغيرة أو محلية، لأن الراهن التنموي كبير ويمكن بلوغه، إذا تم تجنيد الجميع في فضاء يتقاسم فيه المنتج والمستثمر مسؤولية استحداث الثروة وامتصاص البطالة في شفافية، ومن خلال تطبيق القانون بصرامة حتى يتم توجيه الأنظار للاهتمام بالعمل وتطوير قدرات الكفاءات. ولتسليط الضوء على كيفية تحضير المؤسسة الخاصة لاستغلال امكانياتها من أجل تجاوز أزمة أسعار النفط، تحدّثت “الشعب الاقتصادي” مع بوعلام مراكش رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، الذي شخّص السّلبيات ووقف على الايجابيات. دعا بوعلام مراكش رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل إلى تجنّد الجميع أي المؤسسات الاقتصادية وكذا الجزائريين حتى وإن كانوا عمال بسطاء من أجل مواجهة تحدي التبعية النفطية، وتجميع جهود الفاعلين في بوتقة خلق الثروة وتوفير إنتاج ذا جودة وتنافسية عالية. ويتحدث بالكثير من الصراحة عن واقع المؤسسة الإنتاجية الوطنية الخاصة، ويتطرق إلى التحولات التي تواجهها والحظوظ القائمة للنجاح من خلال اقتحام الأسواق، وحتى تتقاسم مع نظيرتها العمومية مسؤولية المشاركة في إرساء القطيعة مع إيرادات النفط، ولو بنسبة معقولة تحرر الاقتصاد الجزائري من الاعتماد الكلي للمحروقات. ولا يفوّت الفرصة حيث يقف على التعديلات التي وصفها بالمهمة التي جاء بها مشروع تعديل وثيقة الدستور في شقيها المتعلقين بالمساواة بين المؤسسة الخاصة والعمومية، وكذا تحسين مناخ الأعمال. يمكن القول أنّ المتعاملين الاقتصاديّين ومنظمات أرباب العمل مازالوا ينسقون مع الحكومة، لبحث فرص توسيع النسيج الاقتصادي وتقوية قدرات الآلة الإنتاجية التي يمتلكها الخواص، بل ويتطلّعون أمام كل ذلك إلى بناء شراكات مع المؤسسة العمومية التي تملك بدورها خبرة معتبرة. ومن الإجراءات التي يسعى مشروع تعديل الدستور إلى تكريسها، عدم التفرقة بين المؤسسة العمومية والخاصة والمساواة بينهما في الحقوق والواجبات، إلى جانب الاستمرار في بذل الجهود لتحسين مناخ العمل الذي يعوّل عليه في استقطاب الاستثمارات الحقيقية وجذب المستثمرين، من أجل تنويع الاقتصاد واستحداث الثروة البديلة. وفي هذا الصّدد اعتبر مراكش أنّ المادتين رقم 37 و51 المقترحتين في مشروع الدستور جد إيجابية، وسوف تكون لها قوة في حل عدة مشاكل وإزالة العراقيل البيروقراطية، وآثارها من المنتظر أن تنعكس على صعيد تحسين تعامل الإدارة مع المتعاملين الاقتصاديين والمستثمريين واصحاب المؤسسات. ولم يخف أنه يعارض الرأي الذي يرى أن الدستور جاء مفصل وبصفحات عديدة، مستحسنا كثرة المواد حتى وإن تمّت إضافة 50 ورقة، لأن ذلك من شأنه التكفل بجميع الجزئيات والتفاصيل على اعتبار أن لكل بلد مشاكله. والتحدي الذي يواجهه المتعاملون الاقتصاديون بالجزائر، ذكر مراكش البيروقراطية، مواصلا تأكيده في هذا السياق على أنه من الجيد أن يسجّل الحرص على إرساء دستور استثنائي، ينجح في التكفل بجميع القضايا والانشغالات. والحرص يضيف قائلا، يجب أن يتجسد على صعيد تجسيد القوانين التنظيمية من أجل كسر شوكة البيروقراطية الحاضرة بقوة، والتي تهدّد مسار التنمية القائم والذي انطلق من خلال قوة القانون الذي لايجب أن تعلو عليه أي سلطة. النمو لا يتحقّق إلاّ على المديين المتوسّط والبعيد ووصل مراكش إلى قناعة ضرورة تجنّد جميع القوى من مؤسسات وفاعلين ومواطنين في معركة استحداث نسيج مؤسّساتي مكثّف وقوي، يكون بديلا لقطاع النفط من خلال خلق القيمة المضافة، غير أنه بدا مستاء من خلال حديثه، حيث تساءل عن أسباب بطئ عملية الخروج من دائرة الاعتماد على إيرادات الذهب الأسود، قائلا: “بدأ الحديث منذ أزيد من ثلاثة عقود عن النية في ضرورة انتهاج السبل التي تحرر الاقتصاد الوطني من تبعيته النفطية، لكن لم تتّخذ قرارات صارمة تفعل الإرادة وتجسد الرؤية، لأنه لو قمنا بذلك منذ عقدين فقط، لما تأثّرنا اليوم بالصّدمة الخارجية التي تسبّب فيها انهيار أسواق المحروقات بفعل تخمة العرض..”، لكن النظرة التفاؤولية بدت واضحة لدى رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل عندما أكّد أن للجزائر جميع الإمكانيات البشرية والمالية والطبيعية، لتقفز بسرعة من المرحلة الراهنة إلى فضاء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والقدرات المتاحة كافية لكي تواجه الجزائر تراجع أسعار البترول بنجاح ودون تأثر، لذا ينبغي التعجيل بشكل تلقائي لاستغلال كل ما تزخر به البلاد، وتوظيف ما يتوفر من ثروات خام لم تستغل بل الكثير منها ظل مهمشا لوقت طويل. وعاد مراكش على صعيد آخر ليثمّن المواقف والقرارات المتّخذة على طاولة نقاش وحوار الحكومة مع شركائها الاقتصاديين. ويعتقد أنّها سوف تجسّد على شكل تدريجي، ولا يجب على حد تقديره الحلم بتحقيق القفزة التنموية على المدى القريب، لأنّ الرّهان لا يمكن تجسيده على الأقل إلا على المدى المتوسط ثم البعيد، حيث يمكن انتظار تحقيق نتائج معتبرة. وحان الوقت حسبه لتجسيد نظام جديد يقحم الآلة الإنتاجية الخاصة والعمومية في قلب استحداث الثروة، فلا تفرقة ولا مزايا تنفرد بها المؤسسة العمومية على نظيرتها الخاصة، وهذا ما يجري تجسيده على أرض الواقع. ومن خلال الخوض في تجربته قال: “بما أنّني ابن القطاع العمومي الذي تمرّست فيها وسيّرت دواليبه، لديّ دراية واطلاع كبير بالمشاكل التي تعاني منها المؤسسة، وفي ظل تسجيل حوالي 200 ألف مؤسسة وطنية خاصة ناشطة في مجال الإنتاج، ينبغي الاستمرار في تثمين في ظل تهاوي أسعار النفط التكفل الاجتماعي بالفئات الهشّة”. تجسيد الإصلاحات بات ضروريا وبخصوص المشاكل الراهنة التي تعيق تسريع وتيرة انتعاش النمو وتطور عجلة الاقتصاد الوطني، تطرّق بوعلام مراكش رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل إلى المشاكل الجوهرية التي تواجه المؤسسة الإنتاجية الخاصة، واعتبر أنّ المشكل الذي يشتكي منه بالدرجة الاولى لا يكمن في التمويل بل في تطبيق القوانين، مواصلا المرافعة على مقترحاته التي ينتظر فيها التعجيل بتجسيد الإصلاحات التي تم الالتزام بها، كونها تشمل إصلاح وضعية وأداء المنظومة المالية من بنوك ومؤسسات مصرفية، لأنّه يرى أن المتعامل لا يطلب الأموال بقدر ما ينتظر أن تنخرط البنوك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتساهم بذلك ودون شك في بناء اقتصاد قوي. وفيما يتعلق بواقع المؤسسة والتحديات التي تواجهها في الوقت الراهن لكي ينتعش أدائها، أشار مراكش إلى إطلاق العديد من الإجراءات والتوصل إلى حلول ناجعة قوة تطبيقها على أرض الواقع قادر على بلوغ مراتب متقدمة في النمو وتحقيق تنافسية الآلة الإنتاجية. واغتنم المسؤول الأول في الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل الفرصة، ليتناول عمل لجنة تضم مختلف القطاعات الوزارية وممثلين عن الشركاء الاقتصاديين، أصدرت 94 قرارا بعد سلسلة من جلسات العمل ودراسة وتشريع واقع المؤسسة الاقتصادية، من أجل حل المشاكل التي تواجهها والعراقيل التي تعيق انتعاش نشاطها، وقال مراكش: “نتطلّع لتطبيقها حتى تحقّق المؤسسة النمو، وتلعب الدور المنتظر منها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي”. والجدير بالذكر، فإنّ الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل لديها 15 اتحادية وطنية، تضم قطاعات النسيج والبناء والأشغال العمومية، وتتواجد بما لا يقل عن 46 ولاية.