أكد، رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس الخميس، أن مؤتمر الصومام شكل منعطفا هاما في إدارة ثورة التحرير، ونتائجه التوافقية كانت ذات أبعاد مستقبلية مصيرية. وأوضح، رئيس الجمهورية، في كلمة قرأها نيابة عنه وزير الدولة، ممثله الشخصي السيد عبد العزيز بلخادم، خلال إشرافه بالجزائر العاصمة على الإحتفالات المخلدة للذكرى ال 54 لليوم الوطني للمجاهد، أنه ''بقطع النظر عن الجوانب البطولية والتنظيمية التي ميزت عقد مؤتمر الصومام، من تخطيط محكم وإدارة فعالة واقتراحات في مستوى التحديات''، فإن هذا المؤتمر ''إستطاع أن يضع لبنات ومرتكزات في الجوانب التنظيمية والاجرائية وضبط العلائق بين الأطر في الداخل والخارج، بين السياسي والعسكري والتكفل بجماهير الشعب''. ''وحتى يثبت قادة الثورة، للداني والقاصي، أن المسيرة التي بدأها الشعب الجزائري، هي نهج متأصل، وفعل مدروس منبثق عن رؤية واضحة وأفكار متصالحة مع حركة التاريخ، ومنسجمة مع آمال وطموحات الشعوب المستضعفة''، ذكر، رئيس الجمهورية، أنه ''جاء بعد 20 أوت ,1955 يوم 20 أوت ,1956 لينعقد فيه مؤتمر الصومام، ويكون فتحا جديدا للمسيرة نفسها، فأسس لآليات جديدة في صيرورة التحرير، مضيفا بعدا إضافيا بالفكر والتنظير، ليتعمق رصيد المراحل السابقة في المواجهة مع العدو، ليتبلور مستقبل الثورة في ظل وعي متأصل وتطور منطقي توازنت فيه الأحداث وتكاملت بين الفعل والقول، وبين النظرية والتطبيق''. وأكد أن هذا الأمر ''لا يجب أن يغفله الباحثون والدارسون والمؤرخون للثورة ولمكانتها في علم التاريخ الحديث''، مشيرا الى أنه ''مهما تحدث البعض عن اختلافات في وجهات النظر حول هذا الموضوع، يبقى مؤتمر الصومام، بنتائجه المعروفة، محل توافق لما نجم عنه من نتائج ذات أبعاد مستقبلية مصيرية''. وأوضح أن ''هذا العيد الذي نحتفي بمآثره اليوم، ونفخر بإنجازاته العسكرية والسياسية في حينها، وفيما تلاها الى اليوم، هو عيد مزدوج تكاملت فيه البنية الفوقية بالبنية التحتية، ليؤسس للمراحل اللاحقة التي اضطلعت فيها مؤسسات عتيدة انبثقت عن مؤتمر الصومام كالمجلس الوطني للثورة، فلجنة التنسيق والتنفيذ، ثم الحكومة المؤقتة لتقود العمل الثوري المسلح والدبلوماسي والاجتماعي والثقافي والرياضي، والمفاوضات العسيرة مع المحتل التي افضت الى الغاية المنشودة باسترجاع الاستقلال والسيادة''. وأشار، رئيس الجمهورية، الى أنه ''لم يبق، بعد 20 أغسطس، مجال للتشكيك بمسيرة الثورة'' التي ''قطعت حبال الوصل بمن راهنوا على الحلول السهلة ممن انطلت عليهم مناورات المحتل وحيله، فصدقوا وعوده بالاصلاحات التي أصر على التنكر لها واهمالها مدى عقود من الهيمنة والتسلط''. لقد قبرت، انتفاضة العشرين أغسطس يقول رئيس الدولة ''كل الأوهام لدى المحتلين، ساسة وعسكريين ومستوطنين، بما انطوت عليه من تصميم على الذهاب قدما بالعمل المسلح الى أن يتحقق النصر، وحسمت موقف المترددين ممن خانهم الوعي بلحظة التقاطع الفاصلة بين عهدين وبين مسارين، بين زمن الاحتلال والطغيان والآفل نجمه، وزمن التحرر المنبلج من رحم الثورة على الذات، وعلى الآخر البازغة شمسه'' . واستطرد، الرئيس بوتفليقة، في كلمته قائلا: ''إذا كان أول نوفمبر 1954 قد شكل ميلاد الفكرة والمشروع التحرري الذي سارت قاطرته تجر عربات التاريخ نحو أفق النور، فإن 20 أوت 1955 كان تأكيدا لصحة هذا القرار وحسن الاختيار وخطوة متقدمة على طريق لا تقهقر فيه ولا عودة مهما كانت العواقب''. وقد أدرك المحتل مثلما أضاف ''خطورة أحداث هذا اليوم، وما ينجر عنه من تداعيات على وجوده، فاتسمت ردة فعله بعنف خلا من كل تحضر وانسانية، ومن كل ما يمت بصلة الى البشرية، كان القتل الجماعي هو خيار المحتلين، والحرق والتدمير، فبلغ منهم الخبل مبلغ الجنون، فما فرقوا، في ابادتهم للجزائريين، بين مقاتل رابض في موقعه، وامرأة قابعة في بيتها، وطفل يلهو في فناء الدار''. وأشار الى أن هذا اليوم ''قد حرك، كل ما في أعماق المحتلين من حقد وضغينة، ومن غريزة موغلة في الانتقام والاجرام، فجمعوا آلاف الأبرياء وقتلوهم صبرا، وألقوا بهم جماعات في حفر أخرجت تربها الجرافات لتهيله، من جديد، على جثامينهم غلا وقهرا''، مشيرا الى أنهم ''ظنوا، بذلك، أنهم قد أخمدوا صولة الجهاد، وأطفأوا شعلة الكفاح لدى الجماهير، فما كان من هذه، إلا أن سفهت أحلامهم، وقلبت توقعاتهم، فازدادت تصميما وعزما على الكفاح حتى النصر، ورفعت التحدي بما هو أقوى من التحدي''. للإنتفاضة .. بعدها العالمي ولم يكن للإنتفاضة بعدها الوطني فحسب يضيف الرئيس بوتفليقة ''بل كان لها بعدها العالمي بأن سجلت قضية الجزائر، أول مرة، في جدول الأممالمتحدة، وكان لها بعدها الإقليمي إذ استهدفت، كذلك، مؤازرة كفاح الشعب المغربي الشقيق ضد نفس المحتل الذي أبعد الى المنفى، آنذاك، الملك المغفور له بإذنه تعالى، المرحوم محمد الخامس، طيب الله ثراه وأكرم مثواه''. وأكد، الرئيس بوتفليقة، في نفس السياق، أن ''هذه الذكرى الرابعة والخمسون ليوم 20 أوت، الذي اتخذه المجاهدون عيدا لهم بكل ما حمل من المعاني، وبما احتوى من التضحيات، يعد، بحق، ترسيخا لإرادة شعب ثار على الظلم''، معتبرا أن في هذا اليوم ''امتدت شعلة الانتفاضة لتذكي البركان المتحرك في كل ربوع الجزائر، وكان فصل الخطاب، فيما بين الأقدام والأحجام من الارتياب في عزمه على مواصلة النضال من أجل تحرير البلاد''. وأوضح أنه ''بإمكان أجيالنا، بعد أن نعمت بفضائل الاستقلال والسيادة وملكت أدوات الفهم والتحليل وأتقنت المناهج الحديثة في البحث والدراسة، أن لا تتعجل في الحكم على الثورة قبل أن تدرسها بعمق وموضوعية وعلمية في سياقها التاريخي واطارها العام''، مضيفا أن ''الواجب، اليوم، يحتم علينا ان نتجاوز توصيف الأحداث وتصفيفها في التاريخ كما لو كانت حالات باهتة بلا أبعاد أو أحداث لا تستند الى علل وأسباب''. واغتنم، رئيس الجمهورية، هذه المناسبة، للتطرق إلى جهود الدولة المبذولة في العديد من القطاعات والمجالات، سيما تلك المتعلقة بضمان الأمن والإستقرار في البلاد. وأبرز، على وجه الخصوص ''الخيارات الاستراتيجية التي زكاها الشعب عبر الاقتراع العام أو عبر التمثيل البرلماني، باعتبارها قناعات مشتركة تشكل وحدة الموقف الشعبي''. وجدد، عزم الدولة، على الذهاب بهذه الخيارات الإستراتيجية ''الى مداها الاخير''، مؤكدا على ضرورة ''الاستمرار في الابقاء على إجراءات المصالحة الوطنية كإحدى مرتكزات بناء السلم والاستقرار في البلاد من أجل توفير شروط التنمية''. كما شدد، أيضا، على أهمية ''إعطاء الفرص الى الذين غرر بهم ممن ضلت بهم السبل وتفرقت بين شريعة ديننا الحنيف، وبين العناصر المرتزقة المأجورة التي تحترف الجريمة المنظمة والقتل العشوائي والتدمير الشامل للمجتمع الجزائري لأغراض مشبوهة ودنيئة''. وأشار الى أن الدولة قد أتاحت لهذه ''الفئة الضالة فرصا سانحة للعودة الى جادة الصواب وإلى أحضان الشعب، والاستفادة من اجراءات الوئام المدني والمصالحة الوطنية''، مؤكدا انها (الدولة) ''ما تزال على عهدها من منطلق قناعات الشعب الدينية ومسؤولياته التاريخية وخياراته الإستراتيجية''. وأكد، أيضا، أن الدولة ''تملك الإرادة الصلبة والقوة الكافية للتصدي، وبحزم، لكافة الذين خرجوا عن صفوف الأمة ورفضوا اليد التي امتدت اليهم بالصفح الجميل، وأنكروا عليها حقها في الحياة والعيش بأمان، والتزموا جانب المعصية ورابطوا في بؤر الجريمة''. وإذ اعتبر أن هذا السلوك ما هو ''إلا نهج آيل الى الخسران والفشل الذريع''، أكد الرئيس بوتفليقة أن ما يدل على ذلك هو ''ما اتسم به الارهاب، اليوم، من عمليات دموية جبانة ومعزولة، تؤكد فقدانه للمبادرة وانحساره، يوما بعد يوم، أمام ضربات قوات الجيش الوطني وأجهزة الأمن على اختلافها، واستنكار الأمة قاطبة لأفعاله الشائنة وفي مقدمتها الدعاة والفقهاء وعلماء الدين'' . ونوّه، بجهود ''كل الذين يقفون في وجه هؤلاء الأوغاد المارقين''، مؤكدا أن ''الجزائر، شعب وقيادة، تثق، كل الثقة، في قدرة مؤسساتها وكفاءة نسائها ورجالها، ونزهاتهم في العمل بما تمليه عليهم ضمائرهم الخيرة، وبما تستوجبه قوانين البلاد وأخلاق شعبهم''. واعتبر، الرئيس بوتفليقة، من جهة أخرى، أن ''الإرهاب الأعمى الذي يقتل، باسم الاسلام، معتمدا التكفير منهجا، والتدمير أسلوبا، والترويع والتقتيل هواية، هو بلا أخلاق، منعدم الانسانية، جاحد لأفضال أمته، متنكر لتضحيات حرائر الجزائر ورجالها''. كما أكد أن ''الذين يعتدون على المال العام ويخونون الأمانة، والذين يحرضون القصر عل الفساد، والذين يغشون ويغالطون الشباب بوعود عرقوبية كاذبة وبجنات موعودة خلف البحار، فيحشرونهم في قوارب الموت، هؤلاء وغيرهم، فاقدو الأخلاق، عديمو الضمير''. الجزائر تملك الكثير من مقومات النهوض وأكد، الرئيس بوتفليقة، أن الجزائر ''رغم كافة المحن التي كابدتها منذ عهد الاحتلال وما ترتب عنها، وما ترسب من الهفوات والأخطاء، وما تراكم من الذهنيات البالية، تملك الكثير من مقومات النهوض والإلتحاق بركب التقدم الموعود، وهي تسير، بحمد الله، على طريق الهدى والنجاح''. وأضاف أنه ''إذا كان المحتل، بالأمس، استهتر بكل قيم الانسانية، فمارس الإبادة الجماعية ضد السكان منذ اغتصابه أرضنا الى أن اندحر وولّى خائبا، واقترف جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وأباد الأرض والذاكرة''، فإن الثورة ''قد التزمت بالقوانين السائدة في الحروب وبنود الاتفاقيات الدولية، بما فيها اتفاقية جنيف''. وأوضح أن الجزائر ''ظلت ملتزمة هذا النهج الثابت في مواقفها وممارساتها، بما في ذلك مقاومتها للإرهاب، إيمانا منها بقدسية الحق في الحياة والحق في الكرامة وضمانا لحرية القول والاعتقاد، واحتراما لالتزاماتها القانونية المحلية والدولية في حماية الحقوق والواجبات الخاصة والعامة، مهما كانت الظروف والملابسات المحيطة بذلك''. واعتبر، رئيس الدولة أن هذا ''هو الأمر الذي وطد ثقة الجزائريات والجزائريين في أنفسهم، وأدى بهم الى الترفع عن الجدل العقيم فيما يثار، هنا وهناك، من مهاترات واتهامات، أقل ما يقال فيها، أنها لا تمهد لعلاقات طيبة''. وفي سياق حديثه عن الانجازات المحققة، ذكر، رئيس الجمهورية، أن البلاد ''قد استوفت، في السنوات الأخيرة وبنسب مئوية متقدمة، بناء قاعدة هيكلية لتنمية شاملة''، مشيرا الى ''أننا عندما نرى، بموضوعية وتجرد، ما أنجز في مجال التعليم وقواعده، وهياكله وأطره في جميع مراحله، نتأكد أننا في وضع نحسد عليه'' . وبعد أن أكد أن هذا القطاع ''سيحظى، دائما، باهتمام متزايد من الدولة''، أوضح الرئيس بوتفليقة، أن ''مسألة النوعية والجدوى والمردودية تبقى مهمة الجميع، بما فيها الأسر والمؤطرين والإدارة، لكي نوائم بين الكم والنوع، وبين الجهود والنتائج''. كما ذكر، أيضا، بالامكانيات المالية المعتبرة التي تدعم بها قطاع البحث العلمي الأكاديمي بالخصوص، معربا عن أمله في ''أن تغطي احتياجات البحث العلمي الجاد بمكافأة الباحثين والمؤطرين وتجهيز وتحيين وسائل وأدوات البحث في المخابر والورشات، وتثمين براءات الإبداع والاختراع، ومد جسور الثقة بين العلماء ومحيطهم الاجتماعي والصناعي من أجل استثمار نتائج البحوث في تنمية اقتصاديات البلاد''. وبالنسبة لقطاع المواصلات، أوضح، أنه ''تدعم، هو الآخر، بشبكات الطرق العصرية، ووسائل النقل الحديثة، وربط مناطق البلاد الشاسعة ببعضها البعض، وبكل ما استوجبته حاجة المواطنين لذلك من أمن وترفيه ورعاية''. وفي مجال السكن، أكد، رئيس الجمهورية، أن هذا القطاع ''يعرف حلولا ممرحلة من أجل القضاء على البيوت القصديرية، ورفع الغبن عن المواطنين، وخلق شروط اجتماعية ونفسية وخلقية للمتساكنين، من شأنها أن تقطع دابر اليأس والحرمان، كأسباب مباشرة لاستشراء العنف وتفشي الجريمة والانحراف''. من جانب آخر، جدد، الرئيس بوتفليقة، عزم الدولة على التصدي ''لكل الاختلالات، مهما كان مصدرها وطبيعتها، حفاظا على المال العام، وعلى مصداقية مؤسسات الدولة''. وقال، بهذا الخصوص: ''إننا مصممون على الوفاء بالوعود التي قطعناها على أنفسنا بمواصلة مسيرة التنمية الشاملة، بأبعادها الاجرائية والمادية، وبأبعادها القانونية والفكرية والثقافية والرياضية، وكذلك التصدي لكل الاختلالات، مهما كان مصدرها وطبيعتها، حفاظا على المال العام، وعلى مصداقية مؤسسات الدولة، وعلى حسن إدارة وتنفيذ المشاريع الانمائية الوطنية أو في إطار الشراكة مع المتعاملين الأجانب''. وأضاف، في نفس السياق ''إن واجب الدولة أن تحمي مؤسساتها ومواطنيها''، مشيرا الى أن ذلك لا يشكل ''حرجا في تدخلها من خلال الأطر ذات الاختصاص لحماية اقتصادها واتقاء الهزات المدمرة المفضية الى الافلاس، وذلك بالضرب على أيدي المضاربين والاحتكاريين في إطار عدالة منصفة تخضع لسلطة القانون ونزاهة القاضي''. وأوضح، رئيس الجمهورية، في هذا الصدد، أن ''دعم الدولة لقطاعات منتجة كالفلاحة وغيرها، جاء كإجراء تشجيعي لتفعيل التنمية، لا سيما من خارج المحروقات والبحث عن مصادر بديلة للاستثمار والتصدير''. وفي سياق متصل، دعا، رئيس الجمهورية، الشعب الجزائري، إلى استقبال شهر رمضان المبارك ب ''التراحم والتكافل، ونجدة المحتاجين ورعاية المعوزين، واتخاذ الصيام جنة بترويض النفس على الصبر وقهر الغرائز بالتقوى''، مشددا على ضرورة ''الابتعاد عن البغضاء والشنآن، والعفو عند المقدرة والاختصام، والاعتصام بحبل الايمان، والتمسك بعرى التقى والعمل المبارك، والكف عن المضاربة والاحتكار وإلهاب السوق باستغلال رغبات المحتاجين''. كما دعا، الى الاستعداد، ''في أجواء من التعاضد والتوادد'' إلى دخول اجتماعي ''يعود فيه الدارسون إلى مقاعد الدراسة، والعاملات والعاملين الى مواقع العمل، بنفس الروح المتوتب، والإرادة الخلاقة التي يقويها شهر رمضان المعظم، في نفس كل مؤمن يكبر شعائر الله، فيلهمه، سبحانه وتعالى، الهناء والسعادة في الدارين''.