قال الإمام علي كرم اللّه وجهه »روّحوا القلوب واطلبوا طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان. وقال أسامة بن زيد: روّحوا القلوب تعي الذكر. وقال أحد الفقهاء: إن هذه القلوب تحيي وتموت فإذا حييت فاحملوها على الناقلة وإن ماتت فاحملوها على الفريضة. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن الجانب الفكاهي من الحياة، ولكن من المفيد تقديم النماذج التالية: 1) قال البحتري الشاعر: كنا عند المتوكل ومعه عبادة المخنث، فأمر بإلقائه في الماء البارد شتاء فابتل وكاد يموت بردا، ثم أخرج وجعل في ناحية من المجلس فقال له المتوكل: يا عبادة كيف أنت؟ وما حالك؟ قال: يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة فقال له: وكيف تركت أخي الواثق؟ فقال عبادة: لم أمر بجهنم! فضحك المتوكل وأمر له بجائزة. 2) قال المتوكل: لما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قام أبوبكر رضي اللّه عنه دون مقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدرجة فلما تولى عمر بن الخطاب الخلافة نزل عن مقام أبي بكر درجة فلما تولى عثمان بن عفان الخلافة صعد إلى أعلى المنبر مكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأنكر عليه المسلمون ذلك، فقال عبادة للمتوكل: ما أجد أعظم من عثمان كونه صعد أعلى المنبر لأنه لو كان كل من تولى الخلافة نزل عن مقام من تقدمه من الخلفاء لكنت تخطب اليوم من أسفل الأرض!؟ 3) دخل على المأمون رجل عليه ثياب رثة، جلس في آواخر الناس وقعد وراء الفقهاء في مكان مجهول. ذكرت مسألة إلى أن وصلت إلى ذلك الرجل فأجاب عنها بجواب أحسن من أجوبة الفقهاء كلهم، فاستحسنه المأمون فأمر أن يرفع من ذلك المكان إلى مكان أحسن منه، فلما وصلت المسألة الثانية إليه أجاب بجواب أحسن من الأول فأمر المأمون ان يرفع إلى أعلى من تلك المنزلة، فلما وصلت المسألة الثالثة أجاب بجواب أحسن وأصوب من الجواب الأول والثاني، فأمر المأمون أن يجلس في مكان قريب منه. 4) هيأ المأمون مجلس الشراب، فلما وصل الدور إلى ذلك الرجل وقف قائما على قدميه وقال: إن أذِن أمير المؤمنين قلت كلمة واحدة فقال: قل ما تشاء. قال الرجل: كنت اليوم في هذا المجلس الشريف من مجاهيل الناس ووصنعاء الجلاس، وأن أمير المؤمنين بقدر يسير من العقل أصبحت معروفا، والآن تريد أن تفرق بيني وبين القدر اليسير من العقل، لأن العبد إذا شرب الشراب ابتعد عنه عقله واقترب منه جهله، وفقد أدبه فأعود إلى تلك الدرجة الحقيرة كما كنت ذليلا وأرجع إلى الناس حقيرا مجهولا، فلما سمع المأمون الكلام أمر له ب 100 ألف درهم، وصار بعد ذلك أرفع من الفقهاء درجة ومنزلة.