تسجل مؤشرات الاقتصاد الكلي في الجزائر أرقاما مختلفة للعائدات النفطية ستتقلص ب 50 بالمائة عن ما كانت عليه في 2008 والتضخم ارتفع إلى 4,5 بالمائة واحتياطي الصرف استقر في حدود 144 مليار دولار وتغطية الواردات سيكون صعب جدا هذه السنة في ظل الأزمة المالية العالمية وارتفاع الواردات بشكل منقطع النظير عن السنوات الماضية، وهو ما سيجعل الزيادة في الأجور أمرا صعبا خاصة في ظل ضعف الاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات. توجد المركزية النقابية في موقع ضعف قبل انعقاد قمة الثلاثية المقررة بعد شهر رمضان، فكل الظروف غير مهيأة لاتخاذ إجراءات مشجعة للجبهة الاجتماعية التي أرهقها تدني القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف الحياة والتي تطالب هذه المرة بزيادة ملموسة في الأجور للتخلص من متاعب الحياة التي أثقلت كاهل الجميع وتتسبب في العديد من الاضطرابات، وتكون محفزا للدخول إلى مرحلة الإنتاج والاكتفاء الذاتي والتصدير وخلق قيم مضافة وتجاوز علاقات الصراع في العمل والإضرابات التي جعلت سوق العمل في الجزائر غير مستقرة وعرضة للمشاكل. وسيجد عبد المجيد سيدي السعيد، الأمين العام للمركزية النقابية صعوبة كبيرة في إقناع الحكومة بزيادة معتبرة في اّلأجر القاعدي، لأن أوراق سيدي السعيد ستكون ضعيفة، فالنمو الاقتصادي خارج قطاع المحروقات ضعيف جدا ومنعدم في بعض القطاعات وبالتالي سيكتفي بما وعد به رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في حملته الانتخابية والتي ستكون وفقا للظروف العامة للاقتصاد الوطني الذي تنتظره رهانات كبيرة وأعباء أهمها البرنامج الخماسي 2009 - 2014 الذي سيكلف الدولة 150 مليار دولار استثمارات عمومية، وبالتالي فهامش المناورة ضعيف جدا وتبعات أية زيادات عشوائية ستكون عواقبه وخيمة على الخزينة العمومية والاقتصاد الوطني. وما سيزيد في الضغط على ممثل المركزية النقابية هو التهديدات بالإضراب في عديد قطاعات الوظيف العمومي في الدخول الاجتماعي الذي بدأ يلقي بظلاله، وستكون قطاعات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة الأكثر اهتماما في ظل عدم استكمال المراسيم التطبيقية لقانون الوظيف العمومي الذي أقر زيادات مؤقتة منذ الفاتح جانفي 2008 في انتظار استكمال نظام التعويضات والعلاوات. وستكون الحكومة في موقع قوة لفرض منطقها في الثلاثية المقبلة، لأن مسؤولية الحكومة كبيرة في ضبط الميزانيات وتحمل أعباء الزيادات، لأن أي زيادات عشوائية قد تنقلب سلبا على الجبهة الاجتماعية التي تتكالب عليها حمى الأسعار وفوضى الأسواق وعليه فالجبهة الاجتماعية تبحث عن برامج تصاحب الزيادة في الأجور كضبط الأسعار والتصدي للمضاربين وهو ما عجز عنه قطاع التجارة الذي يبقى من أكبر أسباب إفشال الزيادة في الأجور. وستدخل الباترونا بمعنويات منحطة جراء الأوضاع الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، فلا القروض ولا التخفيضات الجبائية سمحت للمؤسسات الاقتصادية الخاصة من النهوض والناجحة منها تغطي احتياجات منطقة معينة من الوطن، فالتصدير يبقى بعيد كل البعد عن آمال الدولة لضمان مصادر تمويل بالعملة الصعبة ومنه توفير متطلبات الزيادة في الأجور التي تعتبر عبء كبير على خزينة الدولة خاصة وأنها لا تلقى الصدى الايجابي من الطبقة الشغيلة. وعليه فالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها بلادنا لا تسمح بالمناورة كثيرا وتراجع أسعار النفط واستقرارها في حدود ال 70 دولارا يجعلنا ننتظر الحد الأدنى من المطالب.