نظم، أمس، مركز »الشعب« للدراسات الاستراتيجية ندوة فكرية، نشطتها الدكتورة لوريي براند من جامعة جنوب كاليفورنيا حول موضوع الجاليات المهاجرة والإنتخابات، حاولت من خلالها طرح إشكالية حق الإنتخاب عن بعد، الذي عرف توسعا هاما شمل ما لا يقل عن 115 دولة وذلك طبقا لاحصائيات عام .2007 ولاحظت الباحثة من خلال الدراسة التي قامت بها حول ذات الموضوع، ارتفاع عدد الدول المانحة لحق الانتخاب لرعاياها في الخارج وخاصة في الدول التي صنفتها في خانة الدول غير الديمقراطية وهو المحور الذي ركزت عليه في دراستها. وسجلت لوريي أنه من بين الدول التي أعطت حق الإنتخاب عن بعد لرعاياها في الخارج، توجد أنظمة كانت شمولية، من بينها البرازيل وأندونسيا والجزائر لتستدرك ضمنيا وتشير إلى أنه ليس من الواضح جدا التفريق بين دول ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية، بل توجد العديد من الدول التي تقع بين الإثنين وقد تكون بدرجات مختلفة فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية، وقدمت الباحثة مجموعة من الأفكار تقول أنها عبارة عن حوصلة لمختلف الدراسات التي أنجزت حول دواعي إعطاء الأنظمة حق الإنتخاب عن بعد لرعاياها في الخارج، أهمها أن هذا الحق من شأنه أن ينظر إليه على أنه وسيلة لبقاء الرعايا خارج البلد وممارسة حقها الإنتخابي مثلما هو الحال في كل من كندا والولايات المتحدة وبريطانيا، كما أن إعطاء هذا الحق يعد إضفاءا لشرعية الهجرة للاحئين واعتبارهم مواطنين عاديين، فضلا عن أن بعض الدول مثل إسبانيا أو أفغانستان ترى في مثل هذه العملية أنها تندرج في إطار مرحلة إنتقالية، سيما وأن المعايير الدولية للمهاجرين تتغير خاصة من حيث حقوقهم السياسية والإقتنصادية، وإلى جانب كل هذه المعايير، أضافت الباحثة ثلاثة اعتبارات أخرى، تمثل الأول في الصراع الداخلي للسلطة، والسيادة الوطنية، وأخيرا أن العملية الانتخابية تزيد من الروابط بين الرعايا ودولها الأصلية. وتعتبر الباحثة الأمريكية أن لجوء الدول غير الديمقراطية إلى إعطاء حق الانتخاب عن بعد تهدف من ورائه إلى إضفاء الشرعية على نظامها وخلق نوع من صمام الأمان له، وأيضا إيجاد مخرج لبعض النزاعات داخل النظام نفسه وتوفير المزيد من المعلومات حول المعارضة، على حد قول نفس المتدخلة التي فضلت إسقاط ما توصلت إليه على حالتي المغرب وتونس من خلال إعطاء لمحة سريعة حول خلفيات وظروف إقرار حق الإنتخاب عن بعد. تقول الدكتورة لوريي براند أن المغرب قرر سنة 1984 إعطاء حق الانتخاب عن بعد في محاولة منه لمد اليد لأحزاب المعارضة لكسب ود هذه الأخيرة عقب تأزم الأوضاع الداخلية، ولا سيما الإقتصادية منها بعد انهيار أسعار المواد الأولية وانعكاساتها المباشرة على الإقتصاد المغربي وتؤكد نفس الباحثة أن الغرض من إعطاء مثل هذا الحق لا يعني تحرير النظام السياسي بدليل عدم وجود أي نقاش حول الموضوع، إنما فرضه العرش الملكي من خلال تأسيس ودادية في الخارج دورها مراقبة الرعايا المغاربة في المهجر إلى جانب رفع عدد المقاعد الممثلة للجالية إلى خمسة. لكن مع مجيء الرجل القوي في العرش الملكي، قرر وزير الداخلية آنذك إدريس البصري إلغاء حق الإنتخاب عن بعد وكان ذلك في سنة 1993 قبل الإنتخابات البرلمانية وألغيت بذلك أداة الرقابة. أما في تونس، فقد حذا النظام حذو العرش الملكي من خلال تأسيس ودادية قالت عنها الباحثة أنها كانت ممثلة من طرف نظام الحزب الواحد الذي تغير بفعل الإنقلاب السياسي كما أسمته نفس المتحدثة، وكما يفضل التونسيون تسميته بالتغيير حيث سمح بتأسيس عهد جديد في حكم الرئيس زين العابدين بن علي أشرك فيه مواطني البلد في الداخل والخارج وكان هدفه تأسيس قاعدة شعبية لدعم النظام. وعندما تتطرق الباحثة إلى الحالة الجزائرية، فإنها تعترف بأن معرفتها محدودة للغاية، مشيرة على العموم إلى أن استعمال رعايا المغرب العربي في فرنسا بالأساس هدفه سياسي، ومن أجل دعم وتعزيز سلطة الأنظمة ولو أن الحالة الجزائرية تختلف عن الحالة المغربية، الأولى هي علاقة إنتماء للوطن والثانية يطغى عليها الطابع الإقتصادي.