للمرة الثالثة على التوالي، يفتح مركز ''الشعب'' للدراسات الاستراتيجية ملف ''الساحل الإفريقي'' للنقاش، وهذا بين التحديات والأخطار والإرهاب التي تهدد فعلا كل هذا الشريط من أقصاه إلى أقصاه، سواء بالأطماع العسكرية الخارجية أو بالتغلغل المتزايد للتحالف الثنائي بين الجريمة المنظمة والإرهاب في الساحل الإفريقي. و''الظاهرة الإرهابية'' في الساحل الإفريقي، هي وليدة التراكمات والتداعيات الناجمة عن تفجيرات 11 سبتمبر وما تولد عن ذلك من ظهور تنظيمات، تموقعت في المناطق التي كانت تأوي عناصرها بحكم الملاحقة العسكرية التي تعرضت لها عند غزو أفغانستان من طرف الولاياتالمتحدة، وانتهجت استراتيجية ما يعرف بالخلايا النائمة في كل مكان تعتقد بأنه لائق بها مستقبلا. وما يجري في الساحل الإفريقي، هو امتداد طبيعي لمفهوم الظاهرة الإرهابية في العالم، لكن نظرا لتضاريس المنطقة الوعرة، فإن الجماعات التي تنتقل بين نقاط نشاطها تتفادى الدخول في أي مواجة مسلحة مع أي طرف، لأنها ترى بأن مهمتها تكمن في اعتماد أسلوب الإختطافات وتلقى مقابل ذلك فدية لتمويل وإطالة عمر الإرهاب في جهات عديدة من العالم، بما فيها إفريقيا. لذلك، فمن الصعوبة بمكان، معرفة ما يجري بالضبط في كل هذا الشريط، إنطلاقا من التداخل المسجل بين أصحاب الجريمة المنظمة والإرهاب، وهؤلاء هم عبارة عن عصابات لتهريب الأسلحة والأموال والمخدرات وكل الممنوعات التي يعاقب عليها القانون عقابا شديدا، ولن يتسامح معها في حالة ثبوت محاولة إدخالها إلى أي بلد آمن يحارب هذه الآفات المشينة. و''الإرهاب في الساحل الإفريقي'' لا يقارن بما هو موجود في مواقع أخرى من هذا العالم، كل ما في الأمر، أنه في ''قواعده الخلفية'' لا يريد إزعاج الحكومات الإفريقية بالشكل الذي يتم في جهات ثانية، حفاظا على هذا المكسب في الإنتشار والتواجد وكلما شعر بأنه في حاجة ماسة لأموال يتحرك باتجاه السياح الأجانب باختطافهم والمطالبة ''فدية'' لإطلاق سراحهم والإفراج عنهم، ومثل هذا الإبتزاز ترفضه المجموعة الدولية بناء على المساعي التي بذلتها الجزائر على المستوى العالمي، لإقناع الجميع بأن الرضوخ لمطالب هؤلاء، ما هو إلا تمويل مباشر لمواصلة هذه التنظيمات التصعيد في أعمالها. و''الساحل الإفريقي''، هو فضاء استراتيجي وحيوي بالنسبة لكل البلدان التي ''تطل'' عليه، ولا يمكن النظر إليه على أنه وكر أو قاعدة خلفية للإرهاب، هذا غير صحيح. كل ما في الأمر أن الفراغ الذي تعيشه كل هذه المنطقة، هو الذي جعل الإرهاب والجريمة يحلان محل البعد التنموي وإعمار الساحل، وقد حذرت الجزائر مرارا وتكرارا من هذا الخطر المحدق بالشعوب التي تعيش في كل هذا الفضاء، إن لم يراع الجانب المتعلق بالعنصر البشري، أي إقامة مشاريع تنموية، يمكن بواسطتها إمتصاص البطالة وضمان استقرار السكان، وهذا هو الشغل الشاغل بالنسبة للجزائريين الذين يفضلون أن يلتفت الجميع إلى مفهوم التنمية في الساحل الإفريقي، لأنه البديل الفعال والأجدر الذي يسمح بتجاوز كل ''المصاعب'' في هذا الجزء الحساس من القارة الإفريقية. لذلك، فإن النظرة السديدة، والرؤية الدقيقة، هي تلك التي ترى بأن التنمية المستديمة، الحل الأمثل والواقعي والصحيح الذي يقضي على كل مظاهر الإرهاب في الساحل الإفريقي.