قدم لسان حال مجلة الجيش الوطني الشعبي في عددها لهذا الشهر قراءة جديدة لواقع الظاهرة الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، بالتأكيد صراحة على أن الخطر الذي يتهدد دول المنطقة ليس العمل الإرهابي ذاته وإنما عناصر أخرى مرتبطة بالجريمة المنظمة والمخدرات. وفضلت مجلة الجيش في ملفها لهذا العدد تسليط الضوء على ملف الوضع الأمني بمنطقة الساحل الإفريقي بتركيزها على الرهانات والتحديات التي تواجهها المنطقة. إذ أكدت على ''استحالة مقارنة النشاط الإرهابي في هذه المنطقة بما حدث ويحدث في مناطق أخرى من العالم أو مقارنته حتى بما كان يحدث بالجزائر في تسعينيات القرن الماضي''، في إشارة إلى سنوات ميلاد الإرهاب والمرحلة التي عرفت فيها الظاهرة أوجها بالجزائر. وأبرز الملف الذي حمل عنوان ''الساحل الإفريقي في عين الإعصار''، معطى جديدا في غاية الأهمية يتعلق بمقارنة الشمال بالجنوب، مشيرا إلى أن الحقائق والواقع يؤكدان أن ''النشاط الإرهابي في المناطق الجنوبية حيث الحدود المترامية الأطراف والمساحات الشاسعة وانكشافها وصعوبة تنقل الإرهابيين أصعب بكثير من النشاط الإرهابي في منطقة الشمال حيث المناطق العمرانية والسلاسل الجبلية''. وحمل الملف تصحيحا عميقا للمفاهيم الغربية حول ظاهرة الإرهاب في منطقة الساحل من خلال تسليطه الضوء ''على أن حصر الخطر في الإرهاب وتضخيمه لاسيما من القوى الأجنبية'' وهو ما اعتبرته المجلة ''تغطية لحقيقة المخاطر التي من شأنها أن تهدد فعلا أمن الساحل واستقرار دوله''. كما تحدث الملف عن حلول منسجمة مع نظرة مؤسسة الجيش الوطني في الجزائر لعلاج الظاهرة الإرهابية من خلال القول ''إن الخطر الذي ينبغي البحث عنه ليس في الإرهاب ذاته، وإنما في عناصر أخرى أهمها تلك المظاهر المرتبطة به، أو تلك التي لها علاقة مباشرة بالإرهاب''. وفي هذه الجزئية يريد الباحث أن يؤكد على طابع التحول الجذري الذي وقع على مر السنين في مرفولوجيا وسوسيولوجيا الظاهرة الإرهابية نحو مظاهر أخرى مرتبطة بالإرهاب أو لها علاقة مباشرة به، ما يعني انتفاء الجدوى من عملية محاولة تقزيم الخطر في الإرهاب''. وفي هذا المقام تعود المجلة الجيش إلى الحديث عن الجسور التي امتدت من الإرهاب إلى مظاهرة إجرامية أخرى على ''غرار الجريمة المنظمة، المخدرات، تجارة السلاح، الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، وهذه كلها مخاطر ومظاهر عابرة للحدود''. وخلصت قراءة الملف إلى التأكيد على أن كل هذه الجرائم ليست دون مستوى خطر الإرهاب ومن ثم سيكون تحكّما الحديث عن خطر الإرهاب في منطقة الساحل دون المظاهر اللصيقة والمرتبطة به. ولم يغفل الملف الحديث عن تحالف كل هذه المخاطر الذي سيكون موجها بالأساس ضد الدول الوطنية خاصة مع توافر ''بيئة التمرد'' هنا وهناك واتساع رقعة ''الانتقام من حكومات بعض دول الساحل''، مما يهدد استقرار المنطقة برمتها. من جهة ثانية، حملت افتتاحية مجلة ''الجيش'' وجهة رأي المؤسسة العسكرية الجزائرية في مسألة تدخل القوى الكبرى في المنطقة، حيث تحدثت عن ''مظاهر إضعاف الحكومات المركزية وتضخيم بؤر التوتر والاحتقانات الدائمة والاحتجاجات الحدودية''، وهو ما اعتبرته توابل لنظام عالمي جديد يريد أن يبسط سيطرته وهو ما أدركته الدول الإفريقية عامة ودول الساحل خاصة برفضها الانجرار وراء وصفات سحرية خارجية.