نجحت الجزائر في الحفاظ على التوازنات المالية لها رغم الأزمة المالية العالمية بفعل السياسة الواقعية التي انتهجتها مؤمنة نفسها من الأخطار والطوارئ. وللمرة الثالثة على التوالي تتمكن الجزائر من الاستمرار في التوازنات المالية، باعتراف من الصندوق والبنك العالميين، مؤكدا على نجاعة التدابير المتخذة التي عززت استقرار البلد وجعلته واجهة آمنة للاستثمار والأعمال. وينظر إلى صحة الجزائر المالية أيضا التي كانت محل اهتمام ومتابعة المحللين والخبراء، من زاوية الدين العمومي الخارجي الذي يوجد في مستوى مريح لا يحمل أي انشغال، فقد استقر الدين العمومي، حسب تقرير المجلس الاقتصادي الاجتماعي »كناس« في حدود ال 486 مليون دولار، مع نهاية العام الماضي. وعرف الدين العمومي الخارجي انخفاضا مستمرا منذ قرار الجزائر التسديد المسبق لمديونيتها بناء على عقود أمضتها مع الدول صاحبة الاستحقاق بعدما أعطى ناديا باريس ولندن الضوء الأخضر وردا بالايجاب على طلب التسديد عبر رزنامة زمنية محددة، أنهت الكابوس المفزع وحررت البلاد من تبعيته وضغوطها وتأثيره على استقلالية القرار والسيادة. وجاء هذا الأمر ضمن الخيار الذي اتبعه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بالتخلص من المديونية الخارجية للجزائر التي تجاوزت الخطوط الحمراء وطغت بثقلها على السياسة الوطنية ومشاريع الإنماء والبناء. ورأى الرئيس بوتفليقة الذي تسلم السلطة في ظروف صعبة أن التخلص من المديونية التي كانت في حدود ال 35 مليار دولار أمرا استعجاليا لا يقبل الانتظار والاستخفاف به، وهو منطلق التحرر الأبدي من الضغط الخارجي وإملاءاته وحصاراته ومساعيه لرهن المستقبل والسيادة. ونجح الرئيس في مرافعته لتسديد المديونية في مختلف المنابر والمواقع، منها منتدى ''كرانس مونتانا'' الذي كسر الحصار المفروض على الجزائر، وشرع بعدها في مفاوضات مع الدول صاحبة الدين الجزائري، انتهت باتفاق يضبط مرحلة زمنية لدفع الدين المسبق وتحويل بعضه إلى استثمارات في مشاريع منتجة للثروة والقيمة المضافة والعمل. وفي فترة محددة تخلصت الجزائر من المديونية الثقيلة باستغلال الأموال الفائضة التي جلبتها من الإيرادات النفطية التي عرفت حالة من الانتعاش لمرحلة طويلة. واستحسن الخبراء هذا الخيار الجزائري الذي اعتمدها الرئيس بوتفليقة، كاشفا عن رؤية سديدة وموقف في غاية الأهمية، أبعد البلاد من التبعية المفرطة للخارج وتهديداتها القارة على السياسة الوطنية. وعلى هذا الدرب يواصل الرئيس بوتفليقة في خيار التخلص النهائي من المديونية الخارجية التي تراجعت إلى حدود دنيوية ولم تتجاوز عتبة ال 5 ملايير دولار بعد تسديدها المسبق، وقدرت المديونية عام 2008 ب 623 مليون دولار، لكنها انخفضت العام الماضي إلى الأسفل ب 137 مليون دولار مستقرة في حدود ال 486 مليون دولار. ويتوقع أن تعرف مزيدا من التراجع السنة الجارية بالنظر إلى التدابير المعتمدة للتخلص منها نهائيا في آجال محددة تراهن عليها الجزائر وتعتبرها أولى الأوليات، لأنها تدرج ضمن إجراءات تعزيز السيادة الوطنية وتأمين القرار السياسي من كل الأخطار