حافظت أسعار النفط على استقرار نسبي في مستوياتها، وظلت في حدود مقبولة لكلا الطرفين، أي المنتجين والمستهلكين رغم بعض الهزات الطفيفة التي شهدتها خلال المرحلة الماضية بين صعود ونزول نسبيين، مثلما حدث خلال الأسبوع الماضي. انتعشت، أمس، أسعار النفط نسبيا للعقود الآجلة للخام الأمريكي فوق معدل 78 دولار للبرميل بعد تراجع شهدته الخميس الماضي ب 2٪ نفس المنحى عرفه هزيج النفط الخام البرنت، متأثرا بتزايد المخاوف حول الانتعاش الاقتصادي وأزمة ديون اليونان وانعكاساتها على الاقتصاديات الأوروبية في منطقة اليورو. وعلى الرغم من التذبذب المستمر في أسعار النفط، إلا أنه يبقى في حدود 70 إلى 80 دولار في المتوسط، متأثرا في كثير من الأحيان ببعض العوامل العابرة، لكن دون أن تؤدي إلى هزات شديدة على غرار ما حدث في صائفة ,2008 عندما بلغ سعر النفط أقصى مستوى له أي 147,5 برميل في اليوم ليتراجع في أقل من ستة أشهر بأكثر من 100 دولار للبرميل متأثرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية. وحول إشكالية الأسعار النفطية وتذبذبها المتواصل عقد اجتماع في العاصمة اليابانية طوكيو خلال يومي الخميس والجمعة الماضيين، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة وجمع عددا كبيرا من خبراء النفط، الذين خلصوا إلى نتيجة مفادها أن الأسعار الحالية يمكنها أن تتغير إذا حدث انتعاش اقتصادي وبالتالي عودة النمو، مما قد ينجم عنه إشكال حقيقي في مستوى التموين بالخام الذي قد يتراجع متسببا في ارتفاع الأسعار النفطية على مدى ليس ببعيد. وإن كان من الصعوبة بمكان التكهن بتطور الأسعار، طالما أن العوامل التي تؤدي الى ذلك تبقى جزءا هاما خفيا وغير مؤكدا، إلا أن المؤكد الوحيد أن جل المحللين يتفقون على أن عهدا البترول الرخيس قد ولى. وقصد الاحاطة بالمعطيات الحالية انعكاساتها المستقبلية على الأسعار، تم تكليف فريق عمل من طرف الوكالة الدولية للطاقة التي تمثل مصالح 28 دولة متطورة لبحث مسألة تحسين مستوى ''شفافية'' السوق البترولية، وكذا إيجاد أفضل السبل للحوار بين المستهلكين والمنتجين.. ومن المقرر أن ينشر تقرير فريق العمل في مارس القادم. ويأتي اهتمام الوكالة الدولية للطاقة بتطورات السوق النفطية وتداعياتها في وقت يتوقع فيه جل المحللين زيادة قد تكون كبيرة في الأسعار وذلك في حالة ما إذا تأكد تحسن مؤشرات النمو الاقتصادي العالمي مثلما ما يرجح، خاصة وأن عوامل أخرى مثل غياب الحوار والتفاوض لمحاربة ظاهرة الانبعاث الحراري قد يعقد الوضع أكثر مما هو عليه حاليا. قبل اجتماع أوبك في فيينا المقرر في ال 17 مارس القادم، تبدو أسعار النفط في مستوى يرضي دول المنظمة، التي بدأ أعضاؤها يلمحون الى امكانية الإبقاء على نفس الانتاج الحالي، مثلما أعلنه وزير الطاقة والمناجم الجزائري شكيب خليل قبل أيام بأن أوبيك سوف لن تكون في حاجة الى اعادة النظر في مستوى انتاجها الحالي، ونفس التصريح تقريبا ذهب إليه وزير النفط الكويتي الشيخ أحمد العبد الله الصباح الذي أكد أن سعر النفط الحالي مقبول وأنه لا توجد حاجة لتغيير سياسة الإمداد في اجتماعها المقبل. أما الأمين العام للأوبيك عبد الله البدري، فقد استبعد من جهته اقدام المنظمة على تعديل حصص انتاجها إذا استمر الوضع الحالي للسوق النفطية على ما هو عليه حاليا. لكن الإشكال الحقيقي الذي قد يواجه المنظمة يكمن في استمرار تراجع نسبة الإلتزام بحصص انتاج كل الأعضاء، لكن وبحسب بعض الأرقام تكون قد تراجعت الى 45 ٪ فقط حيث بلغ انتاج المنظمة في جانفي الماضي 2,29 مليون ب/ي بما فيه انتاج العراق المقدر ب 5,2 مليون ب/ي، مما يعني أن انتاج المنظمة بدون العراق بلغ 845,24 مليون ب/ي، أي تقليص ب 9,1 مليون ب/ي فقط، في حين أن المقرر خفضه حسب اتفاقيات الأعضاء خلال سنة 2008 كان من المفروض أن يصل الى 2,4 مليون ب/ي، وهو ما يفسر عدم احترام بعض الدول في أوبيك لحصص الخفض المقررة لها، ولعل المنظمة تكون قد برهنت على ''فشلها'' في احترام قراراتها في ظل تذبذب السوق النفطية التي تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.