إنتعشت، أسعار النفط، خلال الأيام القليلة الماضية، متأثرة بمجموعة من العوامل، أهمها تراجع المخزون الأمريكي من النفط، وقرار منظمة الأوبيك الإبقاء على مستوى إنتاجها الحالي، واستمرار ظهور بعض مؤثرات عودة النمو الإقتصادي العالمي والتوترات المستمرة على الحدود الإيرانية والعراقية على خلفية النزاع الحدودي بين الطرفين. وعلى خلاف العام الماضي، من المقرر أن تنتهي السنة الجارية على ارتفاع في أسعار النفط قد يتجاوز 77 دولارا للبرميل إذا استمر الإرتفاع المسجل قبل أيام، مما يعزز فرضية بقاء الأسعار في حدود 70 إلى 80 دولارا الملاحظة منذ بضعة أشهر، بعد تراجع قياسي سجل في نهاية السنة الماضية، حيث هبطت الأسعار إلى ما دون 40 دولارا للبرميل، لم يسجل منذ سنة ,2005 ليستمر نفس التراجع إلى بداية العام الجاري، ببلوغه مستوى 37 دولارا فقط للبرميل، رغم قرارات الخفض المتتالية في إنتاج أوبيك بحجم ناهز 2,4 مليون ب/ ي، التي لم تظهر أثاره إلا بعد مرور فترة من الزمن، كما توقع وزير الطاقة والمناجم الجزائري، شكيب خليل، عند ما صرح بأن تفاعل السوق النفطية مع قرارات الخفض لن يتحقق إلا بمرور أشهر. وهو ما حدث بالفعل، إذ ساهمت عمليات سحب جزء من المعروض النفطي في التأثير على الأسعار نحو الإرتفاع، وتم ذلك بصفة تدريجية عبر أشهر السنة التي تشرف على نهايتها. عرفت، أسعار النفط خلال السنة الجارية، منحى تصاعديا تخللته في بعض الفترات إنخفاضات كانت طفيفة على العموم، ولم تؤثر كثيرا في هذا المنحى التصاعدي الذي عرف أوج انتعاشه في شهر أكتوبر الماضي، عندما بلغت أسعار النفط حدا قياسيا هذه السنة ناهزت 82 دولارا للبرميل لتتراجع خلال شهرين فقط إلى ما دون 71 دولارا بسبب ضعف الطلب آنذاك على الخام رغم الإنتعاش الذي حدث في الإقتصاد الأمريكي خلال الربع الثالث من العام الجاري. بقاء الأسعار في حدود 70 إلى 80 دولارا سيكون في صالح الدول المستهلكة والمنتجة للنفط، وقد يساعد على تحفيز نمو الإقتصاد العالمي، مثلما أجمع على ذلك جل المحللين الذين يتوقعون استمرار ارتفاع الأسعار النفطية على نحو تدريجي، قد لن يؤثر على نمو الإقتصاد العالمي. هذا الأخير، تعمل كل من الصين والهند على جره نحو الخروج من الأزمة الراهنة بفضل الإنتعاش النسبي في اقتصادياتهما. وإذا بقيت الأسعار على حالها، فإنه لا يتوقع أن تلجأ أوبيك إلى تغيير معدل إنتاجها الحالي، بل من المحتمل جدا، وحسب تقارير إعلامية، ستحافظ المنظمة على مستويات إنتاجها خاصة في المرحلة القادمة، الأمر الذي قد يعزز توقع الإرتفاع التدريجي للأسعار في السنة القادمة، وذلك في حالة ما إذا لم يطرأ أي اختلال على التزام الدول الأعضاء في المنظمة بحصص الإنتاج، خاصة وأن البعض من هذه الدول تسعى إلى تطوير حقولها النفطية من أجل رفع قدرة الإنتاج بها، وقد تؤدي رغبة هؤلاء إلى رفع إيراداتها من العملة الصعبة عن طريق ضخ المزيد من الخام في السوق النفطية، مما قد يعوض الجهود المبذولة للتحكم في استقرار الأسعار. بداية السنة القادمة، ستكون أفضل بكثير من بداية السنة الجارية التي توشك على الإنقضاء، من حيث مستويات الأسعار التي قد تعرف نوعا من الإستقرار المقبول على غرار ما حدث خلال النصف الثاني من هذه السنة، في ظل التفاؤل ببعض البوادر والمؤثرات التي تشير إلى احتمال العودة التدريجية لنمو الإقتصاد العالمي خلال عام ,2010 رغم الهشاشة التي لا تزال تميزه بفعل الأزمة الإقتصادية الحادة التي لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.