الاحتجاجات في منطقة الريف بالمغرب وضعت استقرار البلاد في خطر، وعوض الإستجابة لمطالب المحتجين المشروعة، ردّت المملكة باعتقال نشطاء الحراك الشعبي وكذلك الصحفيين. كما أرسلت جحافل من قوات الامن والقنابل المسيلة للدموع إلى مدينة الحسيمة لقمع المنتفضين. بدأت الاحتجاجات في أكتوبر الماضي بعد سحق بائع الأسماك محسن فكري، بينما كان يحاول استرجاع الأسماك من ضاغطة للقمامة حيث ألقت السلطات ببضاعته المصادرة. وفاته أشعلت الغضب ضد التهميش الاقتصادي والإهانة التي يعاني منها السكان في هذه المنطقة المهمشة تاريخيا. وبعد ذلك انتشرت الاحتجاجات في المغرب القروي، حيث يشعر الكثيرون بأن الزمرة النافذة الفاسدة التي تحظى بالرعاية الملكية تغتني على حساب الشعب. وفي نهاية جويلية، أصدر الملك محمد السادس العفو عن أزيد من 40 من النشطاء. لكن المئات لا يزالون رهن الاعتقال، بمن فيهم ناصر الزفزافي، قائد حراك الريف. وقالت رشيدة قدوري، وهي موظفة عمومية اعتقل زوجها في ماي الماضي: “إن أهم شيء هو إطلاق سراح زوجي، لأنه لم يقترف أي ذنب سوى أنه دافع عن حقوق مواطنيه”. ثمة فعلا ما يدعوها للقلق لأن “هيومن رايتس ووتش” وثقت حالات لممارسة التعذيب والإعترافات القسرية التي تشكل انتهكا لدستور المغرب لسنة 2011. ويجب التحقيق في هذه المزاعم، ومعاقبة المسؤولين والغاء الاحكام التي صدرت بناءًا على الاعترافات التي انتزعت تحت التعنيف. وسائل الإعلام هي الأخرى لم تسلم من حملة المملكة، حيث اعتقل حميد المهداوي، رئيس تحرير الموقع الإخباري “بديل أنفو”، في الحسيمة، في جويلية الماضي، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر وأداء غرامة. كما ذكرت “منظمة مراسلون بلا حدود” أن ستة نشطاء على وسائط التواصل ومواقع إخبارية أخرى تم اعتقالهم بدون تهمة موجهة، منذ ماي، في محاولة لإخراس التقارير الإخبارية التي من شأنها أن تغير صورة المملكة. الكثيرون في منطقة الريف يقولون إن كل ما يريدون هو أن يعترف الملك محمد السادس بشرعية مطالبهم، كضمانة لاحترام السلطات لحقوقهم الدستورية والاستثمارات الموعودة في منطقتهم التي تفتقر إلى الوظائف والجامعات والمكتبات والمستشفيات ، وانسحاب قوات الأمن، واحترام الحقوق الدستورية التي تمثل أفضل ضمانة لاستقرار المغرب على المدى البعيد. من ناحية ثانية، أعرب محللون مغاربة عن مخاوفهم من تفاقم أزمة منطقة الحسيمة، مركز حركة الاحتجاج في الريف بشمال المغرب، بعد صدور أحكام وصلت حتى السجن 20 عاما بحق ناشطين. يذكر أنّ المحكمة الابتدائية بالحسيمة أعلنت الثلاثاء الماضي الأحكام الصادرة بحق تسعة ناشطين في حركة الاحتجاج التي اندلعت في أكتوبر 2016، وأجلت المحاكمة بالنسبة إلى 23 ناشطا آخرين. وأدين بعض الناشطين بحرق مبنى للشرطة نهاية مارس 2017 في بلدة إمزورن المجاروة التي شهدت هي أيضا تظاهرات احتجاج. وأفاد المحامي وعضو لجنة الدفاع عن معتقلي الحسيمة عبد الصمد البوشتاوي أن “الأحكام قاسية”، وتشير إلى “محاكمة غير منصفة”. ولفت أيضا إلى “شعور بالغضب” لدى سكان هذه المنطقة النائية المهمّشة. وأعربت صحف محلية عن استغرابها إزاء الأحكام وخصوصا الحكم الأشد الصادر بحق ناشط عمره 18 عاما بعد محاكمته بتهم بينها بالخصوص “إضرام النار عمدا في مبنى” و«وضع متاريس في الطريق العام بغاية تعطيل المرور ومضايقته وإهانة واستخدام العنف ضد أفراد القوة العامة”. وكتبت صحيفة “المساء” أنّ “ملف حراك الريف يتجه نحو مزيد من التعقيد”، في حين عنونت صحيفة الأحداث المغربية “الغليان”. من جانبها كتبت صحيفة “أخبار اليوم” الخميس في افتتاحيتها أنّ “الأزمة في الريف مستمرة و360 شابا ما زالوا رهن الاعتقال وهم مهدّدون بأحكام ثقيلة”. فيما عبّر العديد من رواد الأنترنيت على صفحات التواصل الاجتماعي عن استنكارهم، مشيرين إلى أن القضاء المغربي كثيرا ما يصدر أحكاما “رحيمة” بحق “متحرّشين بأطفال ومغتصبين”.