مع إستمرار الإضرابات التي تشل قطاع التربية منذ النصف الثاني للشهر الماضي ،تزيد المخاوف إزاء التحصيل العلمي لملايين التلاميذ وبروز شبح السنة البيضاء الذي بات يهدد مصير أجيال الجزائر الصاعدة ، على اعتبار أن التلاميذ باتوا الضحايا الفعليين للتململ الحاصل في القطاع. / الشعب /وقفت عند معاناة التلاميذ إزاء هذه الإضرابات المتواصلة،حيث مكننا التجول في المؤسسات التربوية عبر العاصمة من ملاحظة أن الأساتذة لم يلتحقوا بالأقسام حيث كانت العديد من المؤسسات مشلولة عن العمل ،ففي ثانوية محمد إسياخم ببلدية الشراقة اضطر التلاميذ للعودة إلى منازلهم بعد أن علموا بإضراب أساتذتهم ،نفس الشيء أيضا لوحظ في متوسطتي الشراقة2 و3 حيث عاد التلاميذ إلى منازلهم في حين كان بعض الأساتذة يتحدثون جماعات جماعات غير مبالين بوجود التلاميذ. وعبر في هذا الشأن جميع التلاميذ الذين تحدثوا ل /الشعب /عن استيائهم من الوضعية الحالية خاصة القرار الذي أعلنته وزارة التربية الوطنية نهاية الأسبوع الماضي القاضي بتعويض الأساتذة المضربين بآخرين جدد في حال إستمرار الإضراب حيث قال التلاميذ في هذا الصدد إن هذا القرار لن يحل الأمر بل سيصعبه أكثر عليهم وخاصة التلاميذ المقبلين على امتحانات القسم النهائي كالباكالوريا وشهادة التعليم الأساسي مبرزين تخوفهم هذا باحتمال عدم تمكن الأساتذة المستخلفين من تحضريهم بالشكل اللازم للامتحانات ،ملقين اللوم على الأساتذة والوزارة الوصية على حد سواء معتبر ينهم مهملين في حقهم الدراسي مع هذا الكم الهائل من الإضرابات. ويلتقي أولياء تلاميذ الذين تحدثوا مع /الشعب /كون الإضرابات المستمرة للأساتذة ستؤثر رأسا على التلاميذ اعتبارا لما تنطوي عليه الحركة الاحتجاجية حسبهم من محاذير القلق والانقطاع و اللاإستقرار،حيث أكد في هذا الشأن السيد /محمد،ج / أب التلميذ كمال وهو في الطور الثانوي قسم نهائي أن اكبر متضرر مما يحدث هم التلاميذ الذين أضاعوا مواصلة دروسهم مضيفا لا يمكن لنظام التعويض الذي يعتمد على اختزال العطل وتكديس المعلومات أن يكون كافيا أو بديلا عن السير العادي. وأكد بالمقابل على ضرورة تحسين الظروف المعيشية للمربين حتى يتفرغوا لأداء واجبهم الرسالي ، حيث يقر في هذا السياق أن الإضرابات وتبعا لما تتسبب فيه من إنقطاعات متكررة في السير العادي للدراسة تؤثر سلبا على معنويات ونفسيات التلاميذ . من جهته السيد خضري خبير في علم النفس و أب التلميذ منير في الطور المتوسط وحنان في القسم النهائي من الطور الثانوي مقبلة على شهادة الباكالوريا أكد على أهمية عاملي الدورية والاستقرار كصمام أمان للتحصيل الدراسي الناجح، معددا في هذا السياق مضاعفات القلق النفسي الذي ينجر عن شعور التلاميذ بتأخرهم وعدم استطاعتهم مواكبة برامجهم الدراسية والانتهاء من تلقيها وهو ما يظهر جليا في تراجع التحصيل لدى الكثير من هؤلاء واتجاههم نحو منزلق الرسوب والترسب وغيرهما ،ويهيب في السياق ذاته بجمهور الأساتذة لتغليب مصلحة التلاميذ محذرا من عواقب المماطلة والهروب إلى الأمام. من جانبها تشير السيدة فاطمة أم التلميذ ة إيمان والتلميذين كريم وحسان ،أن امتداد الإضراب وتداعياته سينعكس سلبا على مستوى التحصيل العلمي للتلاميذ ،مبرزة النتائج السيئة على التلاميذ طالما أنهم يمثلون الجيل الصاعد الذي لا ينبغي تضييعه، ما يجعل الحركة الاحتجاجية حسبها سلبية على أفق المنظومة التربوية ومستقبل الأمة الذي لا ينبغي التلاعب به . كما تلفت ذات المتحدثة الانتباه إلى ما قد ينجرعن عدم احترام الأساتذة والتطاول عليهم مما قد ينتج علاقة سيئة بين الطرفين مستقبلا ،مؤكدة في هذا السياق أن أولى أساسيات الرسالة التربوية تقتضي روابط جيدة وإيجابية ومستوى عالي من الاحترام والمحبة وتبادل الثقة . وتضيف السيدة كريمة أم التلميذة هدى بقسم الثانية ثانوي بثانوية منتوري ببلدية الشراقة إلى أن حركية الإضرابات ستجعل التلاميذ يصابون بمأزق اليأس والفشل ومحدودية العطاء وهو ما سيفرز ضعفا في النتائج ويؤدي بالتالي إلى تفاقم ظاهرة التسرب الدراسي وتذهب محدثتنا إلى مظاهر أكثر خطورة يتنامي فيها كره التلاميذ للمجتمع وينحرف إلى منزلق التمرد من منطلق الفكرة القائلة /لماذا لا تحلوا مشاكلكم أنتم الكبار / ،وما يتولد عن ذالك من إحباط ويأس ،خصوصا وأن احتياجات الأساتذة قد تزرع شعور لدى التلاميذ بهزل القيمة العلمية . كما ينادي الأب جمال عمال قطاع التربية إلى التهدئة والتعقل وعدم اتخاذ التلاميذ /ككباش فداء /متصورا أن مطالبة الأساتذة بحقوقهم يمكن لها أن تتم عبر حوار جد وفعال وكذا من خلال توظيف أطراف كثيرة لم تستنفذ بعد. واعتبرت السيدة خديجة وزوجها مراد أن الإضراب الذي شنه أساتذة التعليم الثانوي والتقني ب/غير المبرر رغم شرعيته النسبية مطالبين بهذا الشأن بعدم استغلال أبناء الجزائر كورقة سياسية وفي هذا الشأن يضيف محدثانا أن هناك مشكل غياب الثقة بين الطرفين مما يتطلب الاعتماد على الحوار البناء أكثر، في حين طالبا من جهة أخرى بأن لا يؤخذ مستقبل التلاميذ كورقة سياسية والتلاعب بمستقبلهم وأخذ مسارهم في مسار مجهول رغم شرعية المطالب المقترحة على حد قوله . وينتهي كل من أولياء التلاميذ الذين تحدثنا معهم إلى أن ما يحدث من تجاوزات في منظومة التربية يدفع إلى فتح ملف التعليم بكافة جوانبه ومعالجته بكيفية ترضي جميع الأطراف ويرى هؤلاء أن أي مساس بقيمة الأساتذة هو ضرب في الصميم لعمق المنظومة التربوية . وعلى ضوء ما تقدم يدعوا أولياء التلاميذ نقابات قطاع التربية إلى ضمان الحق الادني في تعليم التلاميذ خصوصا الصفوف الدراسية المقبلة على الامتحانات مثل شهادات الابتدائي ، المتوسط والبكالوريا حتى لا تضيع حظوظ المعنيين ويتم تمكينهم من استيعاب المقررات الدراسية ،بعيدا عن الأعطال وشبح السنة البيضاء . وتبقى القضية الأولى التي تشغل الرأي العام والخاص في الجزائر المتمثلة في الإضراب العام الذي أعلنه الأساتذة في المدارس الثانوية والتقنية وكذا الطورين الابتدائي والمتوسطي مما يجعل الجميع يتساءل عن نهاية هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها الأساتذة المضربين والوزارة الوصية منذ بداية هذه السنة وخاصة في الفترة الأخيرة حيث تأزمت القضية ودخلت في نفق مظلم يصر فيه كلا الطرفين على رأيه ،فوزارة التربية ترى أن ما قدمته الدولة لهذا القطاع بالأكثر من الكافي وأنها أول الوزارات التي عرفت ارتفاعا محسوسا في أجور عمالها وبين الأساتذة الذين يرون أن مطالبهم جد مشروعة وملحة لدرجة أنهم صاروا يراهنون على مستقبل أطفال وشبان الجزائر حيث أجزموا من خلال تقربنا منهم أنهم الطرف الأكثر تضررا إن لم يكونوا الوحيدين، ففي ظل المد والجزر الذي طال أمده يبقى مستقبلهم معلقا بين سنة قد تذهب مهب الريح وبين إنقاذ يبدو صعبا خاصة وأنهم وعلى حد تعبيرهم الطرف الأكثر ضعفا في القضية . ويجدر الذكر في الأخير أن حركة الإضراب هذه تأتي استجابة لدعوة وجهتها النقابات المستقلة للتربية للمطالبة خاصة بمراجعة نظام التعويض المتعلق بأجور الأساتذة.