عدد عميد جامعة الخرطوم الدكتور حسن حاج علي أحمد، أمس، أربع تحديات قال أنها تجابه السودان في الفترة المقبلة، موضحا أن أوضاع السودان حاليا معقدة وتدخل فيها عوامل كثيرة كما توجد قضايا شائكة باتت تحدد مستقبله، مشيرا إلى أن قضية الوحدة والانفصال، قضية دارفور، إنتخابات أفريل 2010 وقرار محكمة العدل الدولية تعد من أبرز التحديات الرئيسية التي تجابه البلاد. في ندوة فكرية بعنوان ''السودان وتحديات المستقبل'' نظمها مركز ''الشعب'' للدراسات الإستراتيجية وحضرها سياسيون ودبلوماسيون على غرار السفير السوداني بالجزائر إلى جانب أساتذة جامعيين وإعلاميين، حاضر الدكتور حسن حاج علي أحمد حول أبرز التحديات التي تواجه السودان، هذا البلد العربي الإفريقي الذي بات يواجه تحديات مصيرية على محاور عديدة أهمها هويته وانتمائه، ووحدة ترابه الوطني، وتماسك نسيجه الاجتماعي، واستقلال إرادته السياسية وقراره الاقتصادي، وثقافته العربية الإسلامية في ظل تكالب إقليمي ودولي يرمي إلى إلغاء الرابط العرب الإفريقي وتشتيته لتأمين مصالحه في منطقة الساحل الكبير، فالمستفيد الأكبر من كل ما يجري في السودان والبلدان المحيطة به هما فرنسا وأمريكا إلى جانب دول آسيوية على غرار الهند والصين التي تعمل كل ما في وسعها للإبقاء على مواردهم الاقتصادية سليمة. الوحدة والانفصال.. ومشكل اقتسام الثروة لعل أول تحدي يواجه السودان، يقول الدكتور علي أحمد، في بداية محاضرته قضية الوحدة والانفصال، فكما يعلم الجميع هناك مشكلة الجنوب التي ظلت تلازم السودان منذ استقلالها أي منذ سنة 1956 حتى عام 2005 وهذه المشكلة توقفت لمدة عشر سنوات تقريبا عام 1972 بالتوصل إلى اتفاقية اديسا بابا بين الحكومة السودانية وحركة التمرد الجنوبية في ذلك الوقت واستمر هذا السلام لمدة عشر سنوات إلى غاية 1983 حينما عاود التمرد زيارته الثانية للمنطقة ليتم الوصول بعدها إلى اتفاق السلام في عام 2005 بين الحكومة السودانية وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان. وأوضح الدكتور علي أحمد في هذا السياق أن فكرة الاتفاقية الأساسية في 2005 قامت على تشكيل نظامين في دولة واحدة بمعنى أن يقام نظام في الجنوب وآخر في الشمال لكن ضمن دولة واحدة. وأردف قائلا: ولأن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تقود التمرد ترى أنه هناك مشكلة في الهوية فهي تطرح فكرة جديدة هي السودان الجديد لأنها ترى أن السودان منذ استقلاله وحتى الآن يحكم من قبل الأقلية العربية الموجودة على شريط النيل وهمشت القبائل الإفريقية المتواجدة في جنوب السودان وغربه لذا حملت الاتفاقية عنصرين أساسين العنصر الأول هو السلطة والثروة أي اقتسام جديد للسلطة بين حصص حصة للشمال وحصة للجنوب وأن يتم تقسيم الثروة ونقصد هنا النفط بنسبة متساوية 50 بالمائة للشمال و50 بالمائة للجنوب وان يكون هناك استفتاء لتقرير المصير في الجنوب في السنة القادمة أي جانفي 2011 يختار فيه الجنوبيون بين الوحدة أو تكوين دولة مستقلة. وحسب خريطة السودان التي تحدد الشمال والجنوب سيتكون الشمال من 16 ولاية و10 في الجنوب مع وجود حكومة في جنوب السودان وحكومة قومية يشارك حسب اتفاقية السلام الجنوبيون بنسبة 28 بالمائة في المقاعد الوزارية. ولكن التحدي الذي سيواجه السودان، يضيف الأستاذ المحاضر، ماذا سيكون مستقبل البلاد؟ هل تبقى البلاد واحدة كما كانت أو تنقسم إلى بلدين؟ وبالتالي نواجه دولة جديدة موجودة في جنوب السودان فإذا ما اختار الجنوبيون الانفصال وهذا في تقديري المتوقع هنالك قضايا تحتاج إلى حل منذ الآن هي قضايا ما بعد الاستفتاء وهي القضايا المتعلقة بالنفط والمياه وقضية ترسيم الحدود وقضايا الترتيبات الأمنية والهوية الجنسية وقضية ما يسمى بالمناطق الثلاث. فمشكل اقتسام الثروة أو النفط بات يثير القلق ويبعث على مشاكل لا حصر لها، فمناطق استخراج النفط أو استكشاف النفط معظمها متواجدة في الجنوب كما أن خط أنابيب النفط تمتد من الجنوب إلى البحر الأحمر، القضية شائكة، يقول الدكتور علي أحمد، الذي أضاف متسائلا هل سيتوصل الطرفان إلى تقسيم الآبار أولا ثم تقسيم ترتيب التصدير أم كيف سيتم التعامل مع هذه القضية مع العلم أنه بوشرت محادثات بين الطرفين لتسوية هذا الأمر وتم وضع أسوأ الاحتمالات. أما فيما يتعلق بالتريبات الأمنية فهناك الآن بناء على اتفاقية السلام جيش مشترك يسمى الوحدات المشتركة وهي قوات تساوي بين الحركة الشعبية المتمردة والجيش السوداني ويفترض أن تقوم هذه القوات بتأمين مناطق إنتاج النفط وتقوم بنزع أسلحة المليشيات الموجودة في جنوب السودان لكن هناك قلق في جنوب السودان فهو يعاني من وجود فصائل أو قبائل داخله ليست متجانسة ولها مليشيات خاصة ويتوقع بعد الاستفتاء أن ينتج عنف وقد بدأ فعلا وبالتالي بدأ التفكير في إمكانية وقف هذا العنف قبل أن يمتد إلى الشمال. وبخصوص قضية الهجرة والجنسية فأوضح ذات المتحدث أنه يوجد الآن في شمال السودان نصف مليون من الجنوبيين سيكون مصيرهم مجهولا إذا ما قرروا الانفصال كما أن تقسيم ممتلكاتهم سيشكل إشكالا قانونيا، وبالموازاة مع ذلك يوجد شماليون في الجنوب ونفس القضية ستطرح بشأنهم، وهناك قضية أخرى هي حركة الرعاة ففي السودان توجد قبائل رعوية تنتقل في المنطقة الجنوبيةالغربية للسودان بحثا عن مرعى كل سنة وحاليا يجري التفكير في الترتيبات التي يمكن أن تتخذ في حق رعاة الشمال وكيف سيتم التعامل معهم. أما قضية ما يطلق عليه بالمناطق الثلاثة ومنها منطقة ابيي هذه الأخيرة التي تكون مسار خلاف بين الشمال والجنوب لان هذه المنطقة في اعتقاد الجنوبيين أنها حولت عندما قام الاستعمار البريطاني في 1905 في الشمال بنقل المشيخة من قبيلة من جنوب السودان إلى قبيلة من الشمال ولكن هذه القضية ستعرف حل إذ قرر تنظيم استفتاء في المنطقة في العام القادم ليحدد هل تبقى تابعة للشمال أم تحول إلى الجنوب وهي الآن تقطنها قبيلتان عربية وافريقية وكل طرف يدعي ملكية هذه المنطقة. دارفور.. قضية صراع على الموارد يستمر الدكتور علي أحمد في سرد أهم التحديات التي تجابه السودان في المرحلة المقبلة، ليؤكد أن ثاني تحدي يواجه هذا البلد هو قضية دارفور، القضية التي شغلت الرأي العام المحلي والدولي وأسالت بشأنه الكثير من الحبر حتى أنه بسبب هذه القضية تم توجيه تهم واهية للرئيس السوداني عمر حسن البشير تتهمه بارتكاب جرائم حرب في المنطقة. وتعود بدايات الصراع الأولى في المنطقة - حسب الأستاذ المحاضر - إلى 60 سنة حينما كان الصراع قائما على الموارد بين المزارعين والرعاة والمزارعين من القبائل الإفريقية والرعاة من القبائل العربية ليأخذ الصراع منحى آخر في 2003 عندما تشكلت حركتان متمردتان في دارفور الأولى الحركة الشعبية لتحرير السودان والثانية حركة العدل والمساواة وبدأت هاتان الحركتان في شن العمليات العسكرية في 2003 لتتصاعد بعدها الأمور مع القوات التابعة للحكومة السودانية وتلك التابعة للحركتان المتمردتان ومما زاد في تفاقم الوضع هو زيادة العامل الدولي الذي تدخل لتخرج قضية دارفور من نطاقها المحلي إلى الإقليمي والدولي بعد أن باتت تتدخل فيها شبكات إقليمية ودولية لديها مصالح في هذه المنطقة، فدارفور منطقة في الساحل الإفريقي الكبير ومن هذه المنطقة تدفقت القبائل العربية إلى منطقة غرب إفريقيا لتشهد تلاحما بين العرب والأفارقة وساهم في تكوين إمبراطوريات إفريقية عظيمة ومازاد في تقوية هذا النظام السائد عوامل التجارة والثقافة وطريق الحج ونتج عن ذلك سمات ثقافية خاصة تمثلت في الدين الإسلامي إضافة إلى التزاوج والانصهار الاجتماعي، ومن هنا بدأت محاولات زعزعة استقرار السودان والعمل على فك هذا الارتباط بالإشارة إلى الصراع بين العروبة والإفريقية في دارفور وجنوب السودان وإلى وقف التواصل الحضاري. ويرى الدكتور المحاضر أن التدخل الأجنبي عقب اندلاع صراع في دارفور في التشاد ليس بغرض حماية اللاجئين وإنما حماية النظام التشادي وإفريقيا الوسطى فالاتحاد الأوربي وفرنسا بالذات تتهم السودان بأنها تريد الإطاحة بنظام التشاد لذا هناك مصالح فرنسية وأمريكية في هذه المنطقة لا بد من حمايتها، كما أن هذه المنطقة معروفة بغناها بالموارد مثل النفط لذا ترى فيها الدول الآسيوية والأوروبية تنافس بتزايد الموارد. وبخصوص مستقبل الوضع في دارفور فأبرز المحاضر أنه تم تصحيح العلاقة مع التشاد وهذا أسهم إسهاما كبيرا في الوصول إلى اتفاق إطار مع حركة العدل والمساواة سيتم من خلاله التوصل إلى حل نهائي قبل 15 مارس .2010 الانتخابات التعددية.. تحدي هل سيكون في أفريل القادم من أبرز المحطات والتحديات التي ينتظر أن تعرف إذا كان الرهان فيها سيتحقق أم لا في السودان هو تنظيم انتخابات تعددية في هذا البلد الذي أنهكته الصراعات والحروب، فلأول مرة منذ استقلال البلد سيتم تنظيم انتخابات تعددية في المنطقة شهر أفريل الداخل. إنتخابات رئاسية يتنافس فيها أكثر من 10 مترشحين أهم المنافسين فيها الرئيس الحالي للبلاد عمر البشير، كما ستكون البلاد في نفس الشهر على موعد آخر مع انتخابات المجلس الوطني والمجالس الشعبية الولائية. ولكن التحدي الأكبر حسب الدكتور المحاضر هل ستؤدي هذه الانتخابات إلى استقرار المنطقة أم تصاحبها اضطرابات مثلما حدث في بعض الدول على غرار إيران، وزمبابوي وكينيا. أما التحدي الرابع في نظر عميد جامعة الخرطوم محكمة العدل الدولية، التي أصدرت تهمة ارتكاب جرائم حرب في حق الرئيس عمر حسن البشير وهو القرار الذي انقسمت بشأنه الآراء الداخلية والخارجية هذه الأخيرة التي قسمها إلى ثلاث اتجاهات الاتجاه الذي يرجح السلام ولا يقبل رأي المحكمة ومجموعة تؤيد قرار المحكمة، وقرار السياسيين في الدول العربية وفي هذا السياق أشاد بموقف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي ساند الرئيس السوداني عمر البشير لأنه رأى في القرار كيل بمكيالين وأنه استهداف للدول الصغيرة. أما في داخل السودان فأكد ذات المتحدث أن السودانيون وقفوا منذ البداية مع رئيسهم ورفضوا القرار لأنهم رأوا فيه استهدافا للسودان قبل شخص الرئيس.