رجح عميد جامعة الخرطوم بالسودان الدكتور حسن حاج علي أحمد أن يسفر استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان بعد أقل من سنة وتحديدا في جانفي 2009 انفصال هذه المنطقة، ومن هذا المنطلق وفي تحليل استشرافي، أوضح بأن الاشكالية المطروحة ليست في الاستفتاء بقدر القضايا الهامة المتعلقة بالنفط والمياه وترسيم الحدود والترتيبات الأمنية، وخلص إلى القول بأن السودان وان كان يمر بمرحلة عصيبة، إلا أنه من رحم هذه المشاكل يولد سودان مختلف . تمحورت الاشكاليات المثارة خلال النقاش الذي تبع أشغال الندوة الفكرية التي احتضنتها الشعب أمس حول »السودان وتحديات المستقبل« حول عدة مسائل هامة وفي مقدمتها الاسباب الحقيقية وراء فشل اتفاقيات السلام في المنطقة ومدى مساهمة الدول المحادية للسودان شرقا في اذكاء نار الفتنة وموقف كل من مصر وجامعة الدول العربية، والأهم من ذلك السؤال الجوهري لماذا تركت الدولة السودانية الأمور تتفاقم وتتجاوزها . وفي معرض رده على السؤال المتحور حول فشل اتفاقيات السلام، أعاد منشط الندوة سبب فشل اتفاقية اديس ابابا الموقعة في سنة 1972 إلى قرار رئيس الجمهورية آنذاك القاضي بتعديل الاتفاقية دونما، الرجوع إلى سكان الجنوب وكانت هناك قبائل تنتمي إلى المنطقة الاستوائية الواقعة بالجنوب الغربي وقبيلة »الدينكا« كانت المهيمنة وعلى هذا الأساس رفضت القبائل استبدال هيمنة بأخرى فرضح الرئيس لمطلب التقسيم نزولا عند رغبتهم وقسمت المنطقة إلى 3 أقسام وعلى عكس المتوقع فإن التمرد لم يتوقف وإنما عاد بقوة . وبرأي عميد كلية الخرطوم فإن بوادر الانشقاق والتمرد كانت موجودة والاتفاقيات لم تكن لتحل المشكل لأنه وبكل بساطة الجنوب يؤمن بهويته الخاصة والاتفاقيات كانت بذلك مجرد مسكنات وقتية لأن سكان الجنوب لم يؤمنوا بها ولم يؤيدوها والروح الانفصالية لا طالما كانت موجودة لديهم الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى التقسيم وتقرير المصير سواء تأخرت الدولة في التعامل مع الوضع واحتوائه فإنها نتيجة حتمية . ولم يخف الدكتور حسن حاج علي أحمد بأن الدول الواقعة شرق السودان ساهمت في تأزم الوضع حيث لعبت دورا سلبيا تدهور الأوضاع في دارفور لاسيما من قبل ارتيريا التي كانت تقدم دعما للمنشقين غير أنها تراجعت بعد توقيع اتفاقية مع السودان وكذلك الشأن بالنسبة لاثيوبيا غير أن الأمور مع هذه الأخيرة كانت أفضل بكثير . وأقر في السياق ذاته بأن مصر وجامعة الدول العربية لعبت دورا سلبيا باتخاذها موقفا سلبيا يقضي بتهميش وعدم اعارة أدنى اهتمام للسودان وعدم ادراجها في أجندتها، وحمل المسؤولية للدول العربية، التي اعاب عليها اهمال القضية الفلسطينية والصومال والسودان وفسح المجال أمام الغرب لبسط هيمنته . وبالنسبة لمصر فإنها وبعد أن اتخذت موقفا سلبيا مكتفية بالتفرج طوال فترة التسعينيات وقبل ذلك رفضت التدخل عندما تعرضت السودان إلى عدوان ثلاثي من قبل كل ارتيريا وأوغندا واثيوبيا اعتبرته شأن داخلي لأن العلاقات كانت متوترة مع السودان تراجعت عن موقفها السلبي الذي يأتي على حساب مصالحها في المنطقة لاسيما وأن الأمور تتجه إلى الانفصال وبالتالي مصير اتفاقية مياه النيل الموقعة سنة 1979 بات غامضا ولأنها غاية في الأهمية للأمن المصري فإنها تحركت مؤخرا وبات لديها مشاريع في جنوب السودان للتقليل من التأثيرات السلبية في حال اقرار استفتاء الانفصال . وعلى غرار مصر، تحركت جامعة الدول العربية متأخرة ببرمجة مشاريع اعمار في دارفور وأشرفت على تنظيم ملتقى حول الاستثمار العربي في جنوب السودان في شهر فيفري، حفاظا على مصالحها، لكن لم تلعب يوما الدور المنوط بها وتركت السودان وحده في مواجهة مصيره أمام دول غربيةلا يهمها شيء إلا مصلحتها، لكن الأمر أضاف يقول لا يقتصر على السودان فقط ففلسطين والصومال ضحية جامعة الدول العربية كذلك . وبالمقابل يعول في السودان كثيرا على الجزائر في المرحلة المقبلة أي ما بعد الاستفتاء لاقامة علاقة تكامل بين شمال البلاد وجنوبه مهما كانت نتيجة تقرير المصير الوحدة أو الانفصال وبحكم خبرتها في مجال النفط فإنه عامل ايجابي، واستبعد في السياق ذاته أن يضم دارفور إلى جنوب السودان في حال الانفصال وهي الفرضية الأقوى . للاشارة فإن الدكتور حسن حاج علي أحمد خلص الى القول بأن تفاقم المشاكل لا يقتصر على السودان فقط وإنما واقع أغلب دول العالم الثالث التي خرجت من الاستعمار حديثا وتعاني من مشكل الهوية والاقتصاد، لكنه تفاءل بمستقبل السودان لأنه وان كان يمر بمرحلة عصيبة إلا أنه من رحم هذه المشاكل يولد سودان مختلف وجديد .