كل القصص والأساطير والأديان تقدس علاقة الأم بوليدها فلذة كبدها، تحمله عن كره وتضعه عن كره، لكنها ترعاه وتحتفظ به عن حب، إلا أن ما حدث نهاية السنة الفارطة كان أمرا مرعبا يندى له الجبين، لأن المجرم في هذه الحادثة أمّ ذات 23 ربيعا، والضحية رضيعها حديث الولادة الذي دخل عالم "البزنس" في سن مبكرة وكان سلعة أبرمت حولها صفقة مقابل ثمن بخس. القضية فُجرت مطلع شهر ديسمبر الماضي لدى مصلحة التوليد بالمستشفى الجامعي لوهران أين اكتشف الموظف بمصلحة تسجيل الولادات تلاعبا عن طريق محاولة انتحال هوية الغير، حيث اتجهت الأم الحامل إلى العيادة قصد الوضع كباقي النساء الحاملات، لكن الدفتر العائلي الذي قدمته على أساس أنه يخص عائلتها كان غير هو وكانت هي بعينها الحماقة، فصاحبة الدفتر المقدم امرأة في الأربعينيات، ما معناه أن الأم الحقيقية حاولت تسجيل وليدها باسم امرأة أخرى كابن شرعي لها، وقامت بعدها مصلحة التوليد بالاتصال بمصالح الأمن للتحقيق في هذه القضية المشكوك فيها. وتم استدعاء الأمّ بغرض سماع أقوالها حول عملية التزوير والتلاعب التي قامت بها، فما كان جوابها إلا أن أجهشت بالبكاء واعترفت بأنها كانت تبغي التنازل عن صغيرها لصالح امرأة أخرى بسبب خلافات نشبت بينها وبين زوجها رفضت الإدلاء بها، ما جعل مصالح الأمن تشك بشرعية العلاقة التي تربطها بوالد الطفل، حيث اتجهت كل الاحتمالات حول أنها حاولت التخلص من ابنها باعتباره غير شرعي لتداري الفضيحة والعار كدأب أخريات كثيرات في حالات مشابهة، لكن التحقيقات أثبتت أن عقد الزواج شرعي وعملية وضع الحمل كانت في حضور الأب ووالدة الأم. وكان حلّ اللغز بيد المرأة الثانية التي حصلت على الرضيع، إذ تبين أنها غير قادرة على الإنجاب "عاقر" واعترفت أنها ابتاعته من أمه بعد اتفاق وتراض بين العائلتين مقابل مبلغ من المال لم تبح بمقداره، وكانت إحدى الجارات وسيطا بينهما، ليحال الجميع على العدالة بتهمة انتحال هوية الغير والتصريح الكاذب والمتاجرة برضيع حديث الولادة.. كل مؤشرات القضية كانت تشير إلى أن الوالدين الشرعيين كانا لا يؤمنان بالآية الكريمة ".. نحن نرزقهم وإيّاكم" وأن الفقر المدقع الذي كان يغلب على حياتهما تحول إلى كفر بروابط الأمومة والأبوة في سبيل صفقة مفلسة، بينما اضطرت المرأة الثانية بعد مقاربتها لسن اليأس وقضائها لأكثر من 20 سنة من دون إنجاب إلى الحصول على طفل من دون أن تعاني آلام الحمل أو يجيئها المخاض، بل مقابل جرّات قلم على صك ممضى مستغلة لحظات الضعف والحاجة. صالح فلاق شبرة