يسمى ب "الفالنتاين"، ويسمى أيضا بعيد الحب وكذلك بعيد العشاق، ومعروف أكثر عندنا بسان فالنتان... اليوم الأحمر حسب تعبير أحدهم لطغيان هذا اللون على هذا اليوم، هو إذن 14 فيفري من كل عام الذي كان إلى وقت قريب يوما كسائر الأيام، لكن منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي أصبح لهذا التاريخ شأنا آخر في الجزائر. وقبيل حلول هذا اليوم بساعات، نزلت "الأمة العربية" وجابت بعض شوارع وأحياء العاصمة لترصد أجواء الاحتفالات ب "الفالنتاينز داي" * محلات حمراء بالأحياء الراقية وحركة عادية بالأحياء الشعبية بدأنا جولتنا من أرقى أحياء العاصمة "حيدرة"، محلات تزينت واجهاتها باللون الأحمر، قلوب مهشمة وأسهم خارجة منها، دببة حمراء وبيضاء، صغيرة وكبيرة الحجم، ورود حمراء طبيعية واصطناعية داخل علب مرصعة بأحجار وشرائط حمراء أيضا، كؤوس بيضاء رسمت عليها قلوب حمراء ووضعت بداخلها دببة صغيرة بيضاء تحمل على صدرها قلبا أحمر، كتب عليه بالإنجليزية كلمة "حب". أشكال مزينة تشبه تلك التي نراها في الأفلام، والتي يزين بها المسيحيون شجرة الميلاد، بطاقات موسيقية للمعايدة على كل الأشكال والألوان، وحتى إله الحب في الأساطير اليونانية "كيوبيد" حاضر هو أيضا، إذ يباع بهذه المناسبة وهو تلك الدمية المصنوعة على شكل طفل له جناح ومعه قوس يسدد منه سهما. كل هذه الأشياء وأشياء أخرى، زينت معظم المحلات التجارية، والأدهى أنها تباع بمبالغ باهظة، ومع ذلك فالإقبال عليها كبير، خاصة من طرف الفتيات. وأثناء تواجدنا بأحد المتاجر، صادفتنا فتاة اشترت دبا أحمر كبيرا، سألناها عن ثمنه، فأجابت باللغة الفرنسية وبكل بساطة "3000 دج"، "لمن ستهديه؟"، "لصديقي"، "ألا تظنين أنه باهظ الثمن؟"، "لا أظن، المبلغ جد معقول وأنا متأكدة أن صديقي سيحضر لي يوم السبت هدية أجمل وأغلى من هذا الدب...". تركنا هذه المراهقة وتوجهنا إلى محل آخر، لفت انتباهنا تجمع مجموعة من الفتيات على مدخله، اقتربنا لنعرف السبب، فأدركنا أن الأمر يكمن في شرائط حريرية حمراء لتزيين الشعر، تهافتت عليها الفتيات للتزيين في يوم 14 فيفري. سألنا عن ثمنها، فقيل لنا "300 دج للشريط الواحد". من حيدرة.. إلى المرادية.. إلى الأبيار، نفس الأجواء تقريبا. وفي أحد المحلات بالشارع الرئيسي بالأبيار، اكتظ عن آخره بالزبائن، إن لم نقل الزبونات.. فتيات في مقتبل العمر ونساء تجاوزن العقد الرابع أيضا، يخترن بين كل ما هو معروض بمناسبة عيد الحب لاقتنائه. أهم ما شد انتباهنا، هو ارتفاع الأسعار. سألنا التاجر، فأجابنا بأن: "14 فيفري هو الفرصة الوحيدة خلال العام التي يباع فيها هذا النوع من السلع. وبالرغم من أن الأسعار مرتفعة، إلا أننا ندرك أنها ستباع، لأنها تلقى إقبالا كبيرا في هذه المناسبة". وإليكم أهم ما سجلنا من أسعار بعض السلع المعروضة لعيد الحب: - كأس أبيض صغير مزين بقلوب حمراء: 250 دج - دب أبيض صغير يحمل كلمة "حب": 350دج - دب أحمر كبير: 3000 دج - قلب أحمر صغير: 100 دج - قلبان باللون الأحمر: 200 دج - دبان صغيران باللون الأبيض: 500 دج تركنا هذه الأحياء، وتحوّلنا إلى الضفة الشرقية بالعاصمة، محلات شارع بلوزداد عادية ولا أثر لعيد الحب أو اللون الأحمر عليها. وسط الحراش حركة جد عادية وهدوء يخيم على الأجواء، لا دببة ولا قلوب حمراء، دخلنا أحد المتاجر وسألنا عن المناسبة، فأجابنا صاحبه ضاحكا "هذه الأمور لا توجد هنا"، وراح يدّلني على مكان بيعها ظانا أني أبحث عنها من أجل اقتنائها، إذ قال بالحرف الواحد: "روحي يا أختي لديدوش ولا لحيدرة، تلقاي واش تحبّي". * عيد الحب بين أسطورة القديس فالنتان والذئبة ليسيوس ما كان لنا أن نتوقف اليوم للحديث عن هذا العيد الدخيل على مجتمعنا، لولا تأثر الكثير من شبابنا وشاباتنا به، والأكيد أنهم يجهلون حقيقته بأنه عيد ديني له ارتباط وثيق بعقيدة النصارى وبوثنية الرومان، حتى أن النصارى متخبطون في نسبته وبدايته، أهو من إرثهم أو من إرث الرومان؟ ذاك لاختلاف الأساطير في بدايته وحقيقته ومرجعه، ف 14 فيفري من كل عام ابتدع كعيد للحب لعدد من الأساطير، أهمها: الأسطورة الأولى تقول إن الإمبراطور الروماني "كلوديوس" وجد صعوبة في تجنيد رجال روما للحرب. ولما بحث عن السبب، تبيّن له أن عدم رغبتهم في ذلك، هو رفض الرجال المتزوجين ترك أهلهم وذويهم والخروج للحرب، فما كان على الإمبراطور سوى منع الزواج، لكن القس "فالنتان" خالف أمر "كلوديوس" وكان يزوّج الناس سرا في الكنيسة. وعندما أدرك الإمبراطور أمره، اعتقله وقتله في 14 فيفري. تتلخص هذه الأسطورة في أن الإمبراطور الروماني "كلوديوس" كان وثنيا وكان "فالنتان" من دعاة النصرانية، وحاول الإمبراطور إخراجه منها ليكون على الدين الوثني الروماني، لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيل ذلك في 14 فيفري ليلة العيد الوثني الروماني "لوبركيليا". ولما دخل الرومان في النصرانية، أبقوا على عيدهم الوثني وربطوه بيوم إعدام "فالنتان" إحياءً لذكراه، لأنه مات في سبيل الثبات على النصرانية. الأسطورة الأخرى تقول إن الرومان كانوا يعتقدون أن "رومليوس" مؤسس مدينة روما أرضعته في طفولته الذئبة "ليسيوس"، فأمدته بالقوة ورجاحة العقل، ولهذا جعلوا هذا التاريخ عيدا يحتفلون به وحدّدوا مكان الاحتفال به؛ وهو "معبد الحب"، وسموه بهذا الاسم لأن الذئبة "ليسيوس" أحبت هذا الطفل ورحمته. * بوش، بن لادن، عرفات وشارون في باقة ورد حمراء للفالنتاين يلقى عيد الحب رواجا كبيرا في دول المشرق العربي، شأنها شأن الدول الأوروبية، إن لم نقل أكثر منها، وعلى وجه الخصوص في كل من مصر، سوريا، الأردن ولبنان، إذ له مكانة خاصة في هذه الدول، حيث تتزين المحلات والمطاعم والفنادق وتضاء باللون الأحمر وتزين السيارات ونوافذ البيوت والأشجار ويتبادل الناس التهاني والهدايا ويرتدون الملابس الحمراء في هذا اليوم، كما تقدم الفنادق والقاعات الكبيرة برامج فنية خاصة، إذ تبرمج كبار المطربين والفنانين لإحياء حفلات بالمناسبة وتخصص وسائل الإعلام حيزا كبيرا من برامجها للفلانتاين، بتقديم أغاني عاطفية وفتح المباشر وخطوط الهاتف لتقديم تهاني المشاهدين. ومن أغرب حوادث سان فالنتان، ما حصل العام الماضي.. الحادثة الأولى في لبنان، أين عرضت بأحد المطاعم الفاخرة تمثيلية صغيرة لشخصية إله الحب "كيوبيد"، وهو شبه عار ويحمل قوسه وسهمه، قام هو وممثلات أخريات معه باختيار مستر ومسز فالنتاين من بين الحضور وقدموا لهما الهدايا. أما الحادثة الثانية، جرت في أحد أرقى محلات بيع الزهور بالأردن، الذي صمم صاحبه باقة ورد حمراء، طلبها شخص مجهول واشترط تجميلها بصور الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وخصمه بن لادن، وكذلك صورة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إلى جانب اليهودي أرئيل شارون. * حملة فالنتانية على الجزائر والعالم الإسلامي إذن، وعلى غرار دول إسلامية عديدة، لم تسلم الجزائر من الحملة الفالنتانية. وبالرغم من أنها لم تبلغ بعد ما بلغته في المشرق في مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة، إلا أن سان فالنتان يسجل عندنا حضورا في كل عام أزيد من العام الذي سبق. وعلى مدار 11 سنة الماضية، أصبح لهذا اليوم مكانا بيننا، ولعل أهم ما ساهم ودعم انتشاره هو وسائل الإعلام والانفتاح على الفضائيات الأجنبية، وربما أكثر العربية. وبالرغم من دعوة رجال الدين والأئمة إلى تحريم هذا الاحتفال واتخاذه عيدا، لأنه لا عيد للمسلمين سوى عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم الجمعة، إلا أننا اكتشفنا من خلال قيامنا بهذا الربورتاج، أن معظم من سألناهم عن سان فالنتان وقالوا إنهم يرفضون الاعتراف به، إلا أنهم قالوا بأنهم حرصون على متابعة وقائعه، سواء في الجزائر أو على الفضائيات، الأمر الذي جعلنا نتساءل: هل هذا الحرص هو أول طريق للاقتناع ومن ثم الاعتناق؟ أم أن مجتمعنا يعاني من أزمة حب و14 فيفري هو فرصة لإطلاق المكنونات والمحبوسات؟ أم هو ضياع للهوية وسيرة الخانع، كما يقال في ركب حظائر العالم المادي؟! وقد حاولنا التقرّب من بعض المهتمين بهذا العيد الجديد، لنلمس سبب تعلّقهم به، فاكتشفنا أن بعضهم يعتبرونه أهم يوم في العام كله، ولا يمكن أن يفرطوا فيه إطلاقا. قال لنا "كريم"، وهو شاب يصنع الحلويات في مخبزة: "منذ أن تعرفت على خطيبتي، ونحن نحتفل بهذا اليوم المميز.. إني أوفر المال طول العام لأقدم لها هدية لائقة بها.. في السنة الماضية، أهديتها طاقما ذهبيا parure كلّفني أربعين ألف دينارا (أربعة ملايين سنتيم). صحيح أنه ليس فاخرا، ولكني أردت أن أثبت لها مدى حبي لها، وهذا ما يسعدها كثيرا.. لو كنت غنيا لأهديتها ما هو أغلى...". أما رضا، فهو طالب جامعي، وصديقته هي زميلة له في الدراسة منذ ثلاث سنوات، يقول إنه احتفل معها العام الماضي بهذا اليوم المميز، لأنه يعتبر نفسه شابا محظوظا وجد أخيرا فتاة أحلاه، ومن حقه أن يحتفل بهذا الحظ حتى يكون حبا خالدا أبديا.. أما عن الهدية، فهو يريد أن تكون بسيطة وليس المهم هو ثمنها، ولكن ما تحمله من رمز". أما صديقته، فهي مثله تعتبر الاحتفال بهذا اليوم مهما لتجديد المشاعر وتأكيدها، حتى لو كانت الهدية مجرد وردة جميلة، ألا يقال إن "حجرة من يد الحبيب تفاحة". ومع هذا، فإن هناك من يشوّهون هذا اليوم الجميل وينزعون عنه ما يلفه من مشاعر نبيلة، ليتحوّل إلى وسيلة لاستغلال عواطف الآخرين واستنزافها، وهذا ما حصل لمنيرة، وهي طالبة في كلية الحقوق، تقول إنها تعرفت على شاب منذ سنوات الثانوية، وفي كل 14 فبراير كانت تنفق كل ما توفره لتشتري له هدايا ثمينة مثل أحذية رياضية ذات الماركات العالمية وثياب فاخرة وسلاسل ذهبية، وكان أحيانا يتشاجر معها، وعندما يقترب عيد الحب يصالحها حتى يتحصل على هداياها. أما هو، فلا يهديها شيئا معتبرا، إنه مجرد طالب جامعي فقير! وعندما بدأت تشكو من لامبالاته بها، تركها وبحث عن ضحية أخرى ليستغلها باسم الحب! وبين السعداء بهذا اليوم، والأشقياء به، هناك أولئك الذين لا يعطون أية أهمية لهذا اليوم، فالحب بالنسبة إليهم لا يمكن أن نحصره في يوم واحد في السنة، وكأن الأيام الباقية هي أيام للكره والصراع والبحث عن الآخر. فالسعادة بالنسبة إليهم تتجدد مع كل يوم، والرجل يثبت لزوجته أو خطيبته صدق مشاعره خلال العام كله، ونفس الشيء بالنسبة للمرأة، ولا يمكن أن نلخص حياتنا كلها في يوم واحد. ومع هذا، فإن الرابع عشر من شهر فبراير قد دخل حياة الناس من بابه الواسع، وهناك الملايين من العشاق عبر العالم الذين يحتفلون به، ويعتبرونه محطة مهمة في حياتهم العاطفية.