عبد الناصر تحوّل مسلسل الخليفة بحلقاته "المكسيكية" إلى عمل هتشكوكي ضخم شارك في إخراجه وكتابة السيناريو له والتمثيل المئات من الوجوه المعروفة التي لعبت فيما سبق من تاريخها "الفني" دور الخروف الوديع الذي حاول دائما إصلاح ما أفسده الدهر في السياسة والثقافة والأعمال والمال والرياضة.. وإذا كان التلفزيون هو الغائب الأكبر دون كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة. فإن ما "تقيأ" به ملف الخليفة يصلح لئن يكون عملا أدبيا أو فنيا رهيبا ممنوع مشاهدته على من تقل أعمارهم عن ثمانية عشرة عاما، لأن اللقطات بقدر ما ترعب المتفرجين بقدر ما تحبط عزيمتهم وتدفعهم عنوة إلى اليأس والقنوط... وإذا كان الأمريكيون خلال أحداث 11 سبتمبر قد فضلوا عدم الخوض في الأعمال السنمائية لتصوير فاجعتهم مادامت الصور الحقيقية التي صنعها "الإرهاب" الطائر أغنتهم عن البحث عن صور أخرى مفبركة، فإن المشاهد الحقيقية لمحاكمة القرن في الجزائر تغني أيضا عن أي كتابة أو حكي لو تمّ فقط نقلها بالصورة كما يحدث في محاكمات خارج الوطن. . المتهمون الذين فعلوا كل شيء، والشهود "الذين شافوا كل حاجة" رسموا لوحة من كل الأطياف، رجال لا نشاهدهم إلا في المواعيد الانتخابية لدعوة الناس لتزكيتهم، مراهنين على "صحائفهم البيض" في رحلة لطلب مزيد من الأمجاد والمناصب، ورياضيون لا نشاهدهم إلا في مواعيد تكريمهم وتعليق النياشين على صدورهم ورجال مال وأعمال لا يظهرون إلا عبر الطريق المؤدي من فيلاتهم إلى البنوك. كل هؤلاء إتضح أنهم كانوا ضمن إمبراطورية الورق التي قادها خليفة وخرج من عجينتها وتركهم فيها أمام العالم، الكل إليهم يتفرج من القاضية إلى المحامين إلى النائب العام والمحلفين وطائفة من المتابعين.. الفارق الشاسع ما بين فيلم الخليفة والأفلام التي تعودنا مشاهدتها أن سيناريو فيلم الخليفة خليط من الخوف والضحك والدموع وأن البطل الرئيسي في فيلم الخليفة لا يظهر إطلاقا، فلا يتزوج من البطلة ولا يموت.. والفارق المدهش أن الأفلام التي نعرفها لها نهاية سعيدة أو حزينة، بينما لا يبدو لفيلم الخليفة نهاية، مادامت بدايته فيها كلام، أما الفارق الأخطر هو أن الممثلين في فيلم الخليفة أكثر عددا من المشاهدين.