دخل لبنان مرحلة جديدة من الصراع السياسي بين المعارضة والحكومة، وهي مرحلة وُصفت بأنها الأخطر منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، المعارضة التي لوحت قبل أيام بأن يوم الثلاثاء " أمس" هو إضراب عام وسيكون بداية لمرحلة جديدة من الصراع مع الحكومة طالما أنها مستمرة في تفردها بالقرار من المحكمة الدولية إلى باريس (3)، وهي تشمل- أي المعارضة- بشكل أساسي حزب الله وحركة أمل والتيار العوني إضافة إلى الحزب الشيوعي وتيار المردة. لا نبالغ إذا قلنا بأن المسألة أخذت بعدا خيراً خصوصا عندما انتقل الصراع السياسي من القيادات في الفريقين إلى الشارع وسط تجييش إعلامي، وهو أمر حذرت منه جهات عدة، عندما دعت المعارضة إلى غلق كل الطرقات الرئيسية بالكامل في شتى المناطق تمهيدا لشل الحركة تماما، مما دعا الشارع في فريق السلطة إلى التحرك لمنع ذلك، فقد اندلعت اشتباكات عنيفة بالحجارة في مناطق عدة، ففي كورنيش المزرعة ذات الغالبية السُّنية وقعت اشتباكات بين مناصري المعارضة وموالين للسلطة، هذا في الظاهر لكنني عندما وقفت في عين المكان وأقولها بصراحة وجدت الشغب بين مناصري الحريري وهم جلهم سنة ومناصري حزب الله وهم كلهم شيعة متأثرين بخطاب السيد حسن نصر الله، وقد اتضح الخلاف أكثر وهو أمر خطير عندما سمعت الشتائم والسب التي طالت حتى رموز تاريخية، فقد صنعت كتلة سنية مقابل تكتل شيعي في هذا الصراع كما يقول الكاتب عقاب صقر، الاشتباكات تواصلت في المزرعة وهي الأكبر في لبنان لساعات في محاولة لغلق الطريق الرابط بين بيروتالغربية والشرقية، سقط خلالها عشرات الجرحى وسط تحركات للجيش اللبناني الذي ظل لفترة في حيرة من أمره كان أمام خيارين أحلاهما مر، فمن جهة لو تدخل لفتح الطريق سيتهم بأنه يميل للفريق الحاكم ومن جهة أخرى سيُحمل المسؤولية إذا لم يفعل شيئا.. ولم يتمكن في بادئ الأمر لتهدئة الأمور إلا بعد اتصالات حثيثة قامت بها قيادة الجيش لكلا الجانبين، والأمر نفسه بمنطقة الدورة شرق بيروت حيث دارت اشتباكات عنيفة بالحجارة بين المعارضة وموالين للحكومة مع العلم بأن هذه المنطقة مسيحية تمثل القاعدة الشعبية للقوات اللبنانية والتيار العوني، حيث كانت فيه محاولة لقطع الطريق الرئيسي إلا أن الجيش اللبناني تحرك بعد ساعات وذلك للتخفيف من حدة التوتر واستعمل حينها الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين وتلقى بعدها أمر بفتح الطريق. وكذلك الأمر في مناطق أخرى أهمها جبيل وشتورة وحلبا التي سقط فيها جرحى أحدهم في حالة خطيرة.. أما الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية الساحقة فالطرق مقطوعة تماما والمحلات مغلقة والحركة تكاد تكون معدومة عدا بعض الحافلات المتوقفة في محطة الرحاب لمنع أي حافلة غريبة عن المنطقة من العمل كما أكد أحد السائقين للشروق اليومي. ولم يسلم الصحفيون المحليون من الاعتداءات والشتائم نتيجة لتغطيتها للأحداث وذلك بتصنيف كل وسيلة إعلام وتعاطيها مع الأزمة كل لفريقه الخاص، كما يتهم كل فريق للآخر. أما عن الوسط السياسي فهو واجهة الشارع فالكل يبرر لحساب فريقه الخاص، فميشال عون يقول بأن حرق العجلات المطاطية في الطرقات وقطعها هو نتاج لتعنت الفريق الحاكم وأن هذا اليوم هو بداية لانتفاضة شعبية داخلية بحتة ولا علاقة لها بالخارج بعدما باتت جميع المبادرات في خبر كان وأن الطرق السلمية أصبحت غير مجدية كما يقول عون، فيما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حس نصر الله أن لبنان على مفترق طرق، وان الحل في أن يتنازل الفريق الحاكم عن كبريائه وتسلطه عن بقية اللبنانيين. وقال أن ما يؤمن الاستقرار هو القرار السياسي، والذي يحمي لبنان هو التوافق السياسي. وأكد أن لا عودة إلى التحالف الرباعي. أما وزيرة الشؤون الاجتماعية نايلة معوض فوصفت تحرك المعارضة بأنه "انقلاب يقوده حزت الله مستعملا في ذلك كل وسائل الترهيب لغلق الطرقات الرئيسية وهو بذلك ينفذ خطة سورية إيرانية.." فيما يؤكد الوزير فتفت بأن المعارضة ستفشل في انقلابها. أما رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فقد شد الرحال إلى باريس على الساعة الواحدة صباحا تمهيدا لانعقاد مؤتمر باريس (3) محل الخلاف حيث تعتبره الحكومة بأنه لإنقاذ لبنان اقتصاديا، تراه المعارضة بأنه مهزلة اقتصادية ويرفع من قيمة الدين العام. ضحايا من الفريقين نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر أمنية لبنانية قولها أن 15 شخصا على الأقل أصيبوا بجروح جراء إطلاق نار فيما جرح آخرون كثيرون بسبب التراشق بالحجارة خلال مواجهات بين الفريقين. وأرجعت ذات المصادر سبب المواجهات إلى قطع الطرق ومنع المواطنين من الوصول إلى آماكن عملهم.. وقالت وكالة أنباء رويترز أن عدد الجرحى في المجمل ناهز الستين.. وبحسب المصادر الإخبارية، فقد شملت الإصابات أنصار كلا الفريقين، حيث ذكرت الشرطة اللبنانية أن أربعة من أنصار التيار الوطني الحر بزعامة النائب ميشال عون وخامس من تيار المردة بزعامة النائب السابق سليمان فرنجية أصيبوا بإطلاق نار وقع في مدينة جبيل الساحلية شمال لبنان. وأشارت مصادر الشرطة إلى اعتقال الفاعل. كما أكدت مصادر أخرى إصابة أربعة من أنصار الحكومة في مصادمات وقعت في بلدة حلبا شمال لبنان.. تراشق إعلامي بين المعارضة والفريق الحاكم: نصر الله: أين ستنفقون أموال مؤتمر باريس ؟ اتهم الآمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله الفريق الحاكم بالاستئثار بالحكم والسعي إلى دفع البلاد نحو الحرب الأهلية. وقال في تصريحات صحفية أن الفريق ذاك مازال يعمل ويحلم بان تكون هناك حرب سنية شيعية وأنهم يسعون للفتنة السنية الشيعية فهم أصحاب المشاريع والتقسيم والدويلات كما جدد نصر الله اتهامه لخصومه بالتواطؤ خلال العدوان الإسرائيلي الأخير" من اجل إحداث تغيير ديموغرافي في هذا البلد ". من جهة أخرى انتقد الآمين العام لحزب الله مؤتمر باريس 3 الذي سيعقد غدا الخميس وقال أن هدفه هو" دعم حكومة فؤاد السنيورة الفاقدة للشرعية بمواجهة حزب الله وما انفقه من ماله ما بعد الحرب"، وأوضح نصر الله في ذات المناسبة أن ما قدمه حزب الله من أموال أدى إلى رفع الانقاض وأدى لعدم السماح ببقاء أكثر من مئة ألف لبناني مشردين في الشوارع وساهم في ترميم البيوت المدمرة في حين لم يتحرك إلى الآن فؤاد السنيورة، على حد قوله .. كما تساءل نصر الله عن وجهة الأموال العربية والدولية التي تم دفعها للبنان ما بعد حرب مشيراً إلى أن حزب الله مستعد لتقديم الوثائق التي تظهر أين ذهبت تلك الأموال. وسأل الرجل الأول في حزب الله فؤاد السنيورة: هل يستطيع أن يقدم الإثبات أين ينفق المال الذي سيأتي عن مؤتمر باريس 3 وقال أن تلك الأموال ستعطى للبنوك وهي لهم... ومن جهته، وصف العماد ميشال عون، زعيم التيار الوطني الحر الحكومة اللبنانية بانتا "مجرمة"، قائلا أن "أنصارها يرتكبون جرائم" بحق المعارضين، في إشارة إلى إصابة خمسة أشخاص من المعارضة بجروح بإطلاق رصاص عليهم في منطقتي جبيل والكورة " شمال ". وتطالب المعارضة التي تشم كل من حزب الله وحركة أمل وتيار ميشال عون، بالإضافة إلى تيار "المردة" بزعامة النائب السابق سليمان فرنجية. تطالب هذه القوى بحكومة وحدة وطنية وبانتخابات مبكرة ، وتعتبر أن صم الأذان عن هذين الخيارين يعني خيارا ثالثا يتمثل في توالي التصعيد.. وبدأت المعارضة اعتصاما مفتوحا في الأول من ديسمبر المنصرم . واشنطن تعتزم تقديم مساعدات "كبيرة" للسنيورة ينطلق غدا الخميس مؤتمر باريس 3 بمشاركة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي ينتظر وصوله العاصمة الفرنسية صباح اليوم الأربعاء. ويضم المؤتمر أربعين دولة ومنظمة دولية لتقديم الدعم المالي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي عرضه السنيورة. وقبل انعقاد هذا المؤتمر كشف مسؤولون أمريكيون أن بلادهم تعتزم تقديم مساهمة "كبيرة" من المعونات إلى لبنان. ومن المقرر أن تدلي وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس ببيان في المؤتمر الذي يتوقع أيضا أن يقدم فيه مانحون مثل فرنسا والسعودية معونات قد تصل إلى مليارات الدولارات من أجل لبنان. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية شون ماكورماك حينما سئل عن مقدار المعونة التي ستقدمها واشنطن من أجل إنقاذ مالية البلاد المثقلة بالديون ومساعدتها على التعافي من أثار الحرب بين إسرائيل وحزب الله "ستكون كبيرة". وقال مسؤول رفيع في حكومة الرئيس جورج بوش طلب ألا ينشر اسمه "الولاياتالمتحدة سيكون لها موقف قيادي كبير. ونحن نتوقع من المجتمع الدولي انه سيكون كريما للغاية." وأي معونات جديدة ستكون إضافة إلى نحو 900 مليون دولار تعهد بها المانحون في أوت الماضي من اجل الاعمار بعد الحرب في لبنان وكذلك 1.5 مليار دولار أودعتها السعودية والكويت في مصرف لبنان المركزي للمحافظة على استقرار الليرة اللبنانية. ولم يعلن رئيس الوزراء اللبناني عن أي هدف لما سيسفر عنه الاجتماع. ويتوقع خبراء ماليون أن تصل المديونية اللبنانية إلى أكثر من 50 مليار دولار، هي تراكم ديون إعادة الاعمار التي انطلقت في بداية تسعينات القرن الماضي والتي شملت ترميم ما خلفته الحرب الأهلية التي بدأت عام 1990 والاجتياحات الإسرائيلية. فتفت: ما يحدث إرهاب ومحاولة انقلاب في أول رد فعل حكومي على تحرك المعارضة، قال وزير الشباب والرياضة أحمد فتفت أن "ما يحصل هو محاولة انقلابية مفتوحة" مؤكدا أن "الحكومة لن تخضع لأي محاولة من هذا القبيل". وأضاف أن الجيش وقوات الأمن اللبنانية تلقوا تعليمات بتفادي إطلاق النار بأي شكل من الإشكال تجاه المتظاهرين واستعمال كل الوسائل السلمية والهادئة لفتح الطرق مشيرا في الوقت إلى أن هذه القوات أمرت بمعالجة الأمر ب"حسم".. ووصف رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع تحرك المعارضة بأنه "ثورة فعلية وانقلاب"، متهما القوى الأمنية بحماية من يقطعون الطرق ومنع الناس من التوجه إلى إعمالهم. وقال جعجع ،وهو احد قادة الأكثرية النيابية الموالية للحكومة والمنضوية في إطار ما يعرف بقوى 14 آذار، أن "وسائل إرهابية بكل معنى الكلمة" يتم استخدامها، متسائلا "هل المسؤولون الامنيون يدركون ما يحصل أم هم متواطئون؟". وتابع أن "الوضع مؤسف وكل شيء ممكن وارد حين لا تقوم السلطة بدورها وحين يحصل تقاعس آو تواطؤ من الأجهزة الأمنية" .. وهون رئيس الوزراء فؤاد السنيورة الذي يتواجد في فرنسا من تحدي المعارضة لحكومته ودعا المواطنين إلى تجاهل الدعوة للإضراب وعقد السنيورة مؤتمرا صحافيا، قبيل سفره، شرح فيه أهداف المؤتمر، ووضع تحرك المعارضة في خانة محاولة "تقويض الحلم "، والنتيجة، بحسب قوله، «تكبيل لبنان وتعطيله وكبح نموه وانطلاقته كي يبقى أسيراً بيد هذا الطرف أو ذاك المحور من أصحاب النفوذ الذين يريدون أن يبقى لبنان في الأسر كي يفاوضوا عليه». ومن جانبه أدلى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، بدلوه وخاطب في مؤتمر صحفي زعيم حزب الله حسن نصر الله بالقول: "نقولها للسيد حسن: تريد أن تزول إسرائيل هذا شأنك، فليس من أدبياتنا أن نزيل دولاً، أدبياتنا كما تعلمنا عليها هي إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل مع حق العودة مع القدس كعاصمة الفلسطينيين، عاصمة تلك الدولة. نحن لسنا مع زوال إسرائيل، وإذا كنت آنت تريد أن تزيلها من لبنان، أي انك تريد إزالة الصيغة اللبنانية..." مجلة سعودية: حزب الله يقدم 600 دولار شهرياً لكل معتصم كشفت مجلة "المجلة" السعودية في عددها الأخير معلومات حول أموال تدفع للمحتجين في اعتصامات بيروت التي تهدف من خلالها المعارضة اللبنانية التي يقودها حزب الله إلى إسقاط الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة. وجاء في تقرير"المجلة" أن حزب الله يدفع نحو 600 دولار لكل متظاهر لبناني شهرياً، أي أن الفرد يتقاضى نحو 20 دولار في اليوم الواحد، فيما الجنسيات العربية اللاجئة في لبنان تتقاضى نحو 300 دولار شهرياً، أي نحو 10 دولارات في اليوم الواحد، إلى جانب التسهيلات التي تمنح للعائلات التابعة لأنشطة حزب الله، واستند التقرير إلى أقوال أكدها طلاب شيعة في الجامعة الأمريكية ممن ينتمون لحركة (اليسار الديمقراطي) ويفيدون أن عروضا مالية عرضت عليهم مباشرة أو على زملاء لهم. وقد نفى معاون رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله بلال نعيم ل (المجلة) هذه الروايات المتعلقة بشأن دفع أموال للمحتجين ويؤكد أن الحزب لم يسلك يوما هذا الاتجاه، وأنها ليست إلا ادعاء ودعاية عدائية في وجه الحزب. الياس جوادي – بيروت – الشروق اليومي