كشف وزير المالية، مراد مدلسي أمس، أن الرئيس المدير العام للخليفة بنك رفيق عبد المؤمن خليفة، المتهم الرئيسي في فضيحة بنك الخليفة التي تشهد محكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة وقائع محاكمتها حاول استغلاله كقناة للوساطة بينه وبين محافظ بنك الجزائر للحصول على الشهادة التي تمكنه من شراء مؤسسة مصرفية بألمانيا، وهي الشهادة التي اشترطتها السلطات الألمانية على الخليفة بقصد الترخيص له بفتح بنك بأراضيها. وقال وزير المالية مراد مدلسي، لدى امتثاله أمس أمام محكمة الجنايات للإدلاء بشهادته في محاكمة القرن أن اللقاء الذي جمعه برفيق عبد المؤمن خليفة بمكتبه بوزارة المالية لم تتجاوز مدته العشرين دقيقة، أكد بأنها كانت مدة زمنية كافية ليدرك أن موضوع اللقاء الذي طلب الرئيس المدير العام لبنك الخليفة الموعد لأجله يتجاوز إطار صلاحياته كوزير للمالية، مشيرا إلى أن اللقاء تمحور أساسا حول طلب عبد المؤمن شهادة مكتوبة يصدرها البنك المركزي تكون كفيلة لأن تكون وثيقة رسمية تثبت للسلطات الألمانية بأن رفيق عبد المؤمن خليفة يحوز اعتماد بنك خاص بالجزائر ويمارس نشاطه بصفة عادية، هذا الطلب الذي أكد الوزير أنه لم يلق القبول وقال صراحة لضيفه بأنها تخرج عن إطار صلاحياته. مراد مدلسي، وإن أكد لهيئة المحكمة بأن استقباله لرفيق عبد المؤمن خليفة أواخر سنة 2001، ما كان ليكون لو أن التقرير الذي أرسله نائب محافظ بنك الجزائر السابق تسلمه قبل هذا التاريخ، اعترف لمحكمة الجنايات بأنه اتصل بمحافظ بنك الجزائر محمد لكساسي هاتفيا لإبلاغه بطلب الرئيس المدير العام لبنك الخليفة الذي أراد أن يتجاوز البنك المركزي هذه المرة ويركب وساطة الوزير للحصول على الشهادة التي تمكنه من اعتماد بنك خاص له بألمانيا، هذه المكالمة تلقى إثرها وزير المالية مراد مدلسي، ردّا عبر مراسلة مكتوبة تقول بأن تجاوزات بنك الخليفة وعدد من الإجراءات التقنية تحول دون تمكينه من طلبه. هذا التصريح شكل نقطة تلاقي بين شهادتي وزير المالية ومحافظ بنك الجزائر التي أدلى بها نهاية الأسبوع المنقضي. مراد مدلسي، الذي جاء محمّلا بمجموعة من الوثائق منها تصريحاته التي حضرها للشهادة التي ضمنها في وثيقة مكتوبة، قال بأن عدم اتخاذه أي إجراء ردعي وعقابي في حق بنك الخليفة إثر اطلاعه على تقرير نائب محافظ بنك الجزائر كان مردّه العيوب الشكلية التي جاء عليها التقرير والتي جعلته بعيدا، لأن يعتد به قانونيا، بالإضافة إلى التقرير التكميلي والذي جاء منافيا للتقرير الأول، مشيرا بأن مضمون هذا التقرير أجاز تحويل أموال بنك الخليفة التي كانت تموّل الخليفة للطيران دون الحصول على ترخيص مسبق، غير أنه قال صراحة بأنه درس مضمونه ودخل في حالة من الترقّب لاتخاذ إجراءات مستقبلا، مؤكدا بأن التقرير كان سطحيا وغامضا، الأمر الذي أسهم في عدم التعجيل باتخاذ الإجراءات. مراد مدلسي، الذي كان أول شاهد في الفترة الصباحية من جلسة المحاكمة أمس قال بأن القانون الداخلي الذي يحكم بنك الجزائر لا يسمح بحكم إستقلاليته كهيئة عن أية وصاية التدخل في صلاحياته وهو المخوّل بتسيير العلاقات المالية مع البنوك الخاصة وكذا ممارسة مهام الرقابة عليها. القاضية ألزمته بتقديم شهادته شفويا مدلسي يبرئ ذمته من ضياع الأموال العمومية في بنك الخليفة استند مراد مدلسي، في شهادته التي أدلى بها أمس، أمام محكمة الجنايات على إستقلالية بنك الجزائر في تسييره لملف البنوك الخاصة والتي من ضمنها بنك الخليفة لنفض المسؤولية كلية عن وزارة المالية، غير أنه بدى متأثرا للقضية التي عايش فصولا منها من موقعه كوزير لقطاع المالية، مؤكدا بأن أموال المؤسسات العمومية التي أودعت في بنك الخليفة يتحمّل مسؤوليتها الأشخاص الذين أودعوها، مشيرا إلى أنه أصدر سلسلة من المراسلات للمؤسسات العمومية تذكرهم بالتعليمة الصادرة سنة 84 والتي تفرض على المؤسسات العمومية إيداع أموالها في الخزينة العمومية وعدم سحبها في أي حال من الأحوال لإيداعها في بنوك خاصة. وقال مراد مدلسي، خلال إدلائه بالشهادة بأن قضية الخليفة يتحمّل وزرها كل مسؤول حسب موقعه من المسؤولية، مؤكدا بأنه يستحي ويخجل وهو وزير في الجمهورية أن يقف شاهدا في قضية مثل هذه مرغت سمعة الدولة في الوحل. وأضاف في سياق تحديده للمسؤوليات التي حملتها رئيسة الجلسة لأول مرة منذ إشرافها على المحاكمة صراحة لإطارات البنك المركزي على كامل المستويات بأن أموال الهيئات والمؤسسات العمومية ما كان لها أن تضيع لو تمّ احترام التعليمة القائلة بحظر إيداع أموال هذه المؤسسات لدى غير الخزينة العمومية، وقال بأن مراسلات وزارة المالية لهذه المؤسسات لم تحترم بالرغم من أن قانون المالية لسنة 2000 جاء للقول بمنع تحويل أموال المؤسسات العمومية من الخزينة العامة لوجهة أخرى ليؤكد التعليمة الصادرة سنة 1984 ويؤكد وجوب التقيّد بها، وقال بأنه طيلة فترة تحويل هذه الأموال لبنك الخليفة، وعلى الرغم من ضخامتها، غير أنني لم أخطر من قبل الخزينة العمومية ولا من قبل البنك المركزي. مدلسي الذي وجد نفسه مجبرا عن التخلي عن "البيان المكتوب" الذي تضمن شهادته أمام رفض القاضية هذا الأسلوب الجديد في الشهادة، وملزما للإجابة عن استفسارات رئيسة الجلسة "تلقائيا وعفويا" وسيل منهمر من الأسئلة وجهتها هيئة الدفاع التي صبّت غالبيتها حول غياب الدولة في تلك الفترة، وتواطؤ هيئات أخرى عمدا أو سهوا، أعطى تفسيرا أوليا للغز المتعلق بتساهل البنك المركزي وليونة المفتشين في تعاطيهم مع بنك الخليفة ولو كان غريبا، فإن الوزير أدرج هذا التساهل في سياق محاولة السلطات عدم الوقوف في وجه مستثمر شاب "خيل إلينا أنه يمكن أن يشيد عهد الاستثمار" على حدّ تعبيره، و"لم نشأ تثبيط عزيمته"، مشبها في الوقت ذاته هذا التساهل بالإجراءات التحفيزية التي تستحدثها الحكومة للتشجيع على الاستثمار، وقال بأن التوسع الذي أخذه نشاط المجمّع، وكذا الظروف التي كانت تمرّ بها البلاد جعلت الجميع لا يتفطن. القاضية تحمل البنك المركزي المسؤولية صراحة غير أن القاضية فتيحة ابراهيمي، من جانبها لم تفوت الفرصة ورفضت أي تبرير وأنزلت على مسامع الوزير مجموعة من الملاحظات والتي تصب كلها في انتقاد غياب السلطات وفتحت قوسا كبيرا للإستفهام عن نشاط بنك لم يعتمد بصفة قانونية وشرعية، وعن الفترة اللاقانونية التي مرّت بها اللجنة المصرفية وعن عدم تعيين محلفين وعن صمت البنك المركزي على جميع مستوياته وعدم استخدام صلاحياته بالرغم ما يضمنه له القانون وعن عدم الإستعانة بالأعوان في تحرير التقارير، لينصرف الوزير على وقع هذه الملاحظات التي مازالت الإجابة عنها عالقة ونحن في اليوم ال20 من المحاكمة. البليدة: سميرة بلعمري: [email protected]