خرجت القاضية فتيحة ابراهيمي في الدقائق الأخيرة من عمر محاكمة الخليفة، التي دامت شهرين كاملين، عن واجب التحفظ ونزعت رداء القاضية لتلبس رداء المرأة "الرقيقة" عندما راحت تكشف بعض حميمياتها مع أعضاء هيئة المحكمة الذين لم تتعرف عليهم سوى 15 يوما قبل المحاكمة، وكشفت أنها كانت خائفة من دخول القاعة في أول يوم، في الوقت الذي انفجرت القاعة بكاء وتصفيقا عندما توجهت للمتهمين وقالت لهم "أنتم عائلتي.. وسأرحمكم بما أستطيع، لأنني أم". القاضية ابراهيمي: كنت خائفة في اليوم الأول والنائب العام علمني السباحة كانت الأمور تسير برتابة قاتلة في الفترة المسائية من يوم الخميس، حين كان دفاع المتهمين يلقي آخر كلماته، لكن الوضع انقلب رأسا على عقب عندما أخذت رئيسة المحكمة الكلمة، وبينما كان الجميع ينتظر أن تقرر القاضية ابراهيمي رفع الجلسة واستئنافها اليوم السبت، فاجأتهم بالحديث عن بعض خصوصيات هذه المحاكمة، فقالت إنها كانت خائفة من دخول قاعة الجلسات في اليوم الأول من المحاكمة لولا أن النائب العام رشيد عبداللي شجعها وقال لها "أدخلي ولا تخافي.. سأساعدك"، وأضافت القاضية أن فضل النائب العام كان كبيرا عليها، لأنه هو من " علمها السباحة في ملف الخليفة وكشف لها خبايا هذه القضية"، حسبها، قبل أن تلتفت إلى القضاة الاحتياطيين لتشكرهم وتمنح لهم فرصة العودة إلى ذويهم بعد شهرين من "الاحتجاز" معها، ولم تنس القاضية ابراهيمي أن تكشف للجميع مأساة أحد المحلفين في هيئة المحكمة الذي فقد أخاه في الأسبوع الأول من المحاكمة، لكنه رغم هذا المصاب، إلا أنه صبر وقالت إنه كان يبكي بين الحين والآخر دون أن يتفطن له أحد، في حين سجلت أن القاضيين المستشارين اللذين عملا معها، "كانا بمثابة جناحيها وأنها لم تكن سوى صوتهما طيلة جلسات المحاكمة"، واعترفت أن المهمة لم تكن سهلة، وهنا أجهشت القاضية ابراهيمي بالبكاء وقالت "صحيح أنا قاضية.. لكنني امرأة ضعيفة.. ضعيفة..". وطبعا كانت هذه الكلمات بمثابة صب الزيت على النار، فقد نهض جميع الحاضرين للتصفيق ولم تتمالك النساء الحاضرات، وحتى الرجال، من المحامين وأهالي المتهمين والمتهمين أنفسهم وبعض الصحفيين، فراحوا يبكون لبكاء القاضية بعدما اكتشفوا أن رئيسة المحكمة لم تكن صماء عندما كان دفاع المتهمين يطالبها ب "مخافة الله في هؤلاء المتهمين". النائب العام يستهجن العنف اللفظي الصادر من المحامين وبعيدا عن أجواء التأثر ومشاعر التراحم التي يعرف بها الجزائريون في وقت النوازل، كانت الجلسة الأخيرة من محاكمة الخليفة فرصة للأطراف المتقاضية لتوضيح بعض اللبس الذي ساد يوميات المحاكمة، وكان النائب العام رشيد عبد اللي أحدهم عندما أخذ الكلمة موضحا أن حق الرد يكفل له المرافعة لأيام أخرى تعقيبا على ما جاء في مرافعات المحامين من عنف لفظي وتجريح في حقه، وسجل عبد اللي أنه رغم ذلك قرر عدم إفساد هذا اليوم المشهود، مفضلا توضيح دوافع التماسه لأحكام ثقيلة في حق المتهمين، بالقول إنه "طوال مرافعته لم أتطرق إلا لما جاء في الملف القضائي ولما ورد في الاستجوابات أمام المحكمة"، قبل أن يضيف أنه قام بواجبه المهني الذي أدى اليمين عليه وأنه كان يتحدث باسم المجتمع الجزائري، في حين دعا المحامين وجميع الحاضرين إلى التمعن في الجهود المبذولة لضمان شفافية المحاكمة، حيث قال إن النيابة العامة هي التي أمرت بإحضار الوزراء والمسؤولين والإطارات السامية في الدولة لسماعهم، متسائلا "هل توجد شفافية أكثر من هذه.. من فضلكم لا تثبطوا العدالة في مسعاها لإظهار الحقيقة". وأمام هذا الرد "القاسي" وجد المحامون أنفسهم مجبرين على أخذ الكلمة مجددا، فناب عنهم الأستاذ مقران آيت العربي الذي أوضح أن المحامين لم يستهدفوا النائب العام في شخصه وإنما هاجموا النيابة العامة كهيئة في سياق الدفاع عن موكليهم، كما أخذ الكلمة محامي مصفي بنك الخليفة، الأستاذ مزيان، لإماطة اللثام عن بعض الملاحظات التي أوردها دفاع المتهمين منها مثلا ما ارتبط بتعيين المصفي من طرف بنك الجزائر وليس القضاء، وهنا أوضح المحامي أن تعيينه تم بموجب المادتين 156 و157 من قانون النقد والقرض الجاري العمل به. المتهمون عائلتي.. وسأرحمكم لأنني أم وبدورهم تناول المتهمون ال104 الكلمات الأخيرة ويبدو أنهم تأثروا فعلا بما قالته القاضية فتيحة ابراهيمي "خارج النص" بأنه "لم تعرف في حياتها بحكم المهنة سوى المتهمين الذين أصبحوا عائلتها" قبل أن تبعث لهم بأمل كبير قائلة لهم "سأرحمكم بما أستطيع، لأنني أم"، ولهذا، فقد أشاد المتهمون بموضوعية القاضية ونزاهتها في الوقت الذي اتفقوا في غالبيتهم على تحميل المسؤولية لعبد المومن خليفة، وكانت عبارات "حسبي الله في مون خليفة" و"أنا ضحية عبد المومن خليفة" هي القاسم المشترك في آخر كلمات المتهمين، أما العبارة التي كانت حاضرة في كل تدخلات المتهمين، فهي "سيدتي الرئيسة.. أنا بريء"، ولم يتمالك بعض المتهمين أنفسهم وهو يقفون أمام القاضية، كحالة أحد الشيوخ الذي انفجر باكيا على حاله عندما وجد نفسه يواجه عقوبة السجن في آخر حياته.. وكانت لإطارات الدولة أيضا، عبارتهم المفضلة، حيث أجمعوا على ترديد ما يلي "سيدتي الرئيسة.. أنا خدمت بلدي كذا سنة بصفتي إطارا.. أنا لم أخن بلدي وهذا ليس جزائي". 12 ألف سؤال للمداولات في مدة 10 أيام! النطق بالأحكام النهائية في قضية الخليفة يوم 21 مارس الجاري حددت رئيسة المحكمة القاضية فتيحة ابراهيمي تاريخ الواحد والعشرين من الشهر الجاري، موعدا للنطق بالأحكام النهائية في قضية بنك الخليفة التي بدأت في الثامن من شهر جانفي الماضي، بمحكمة الجنايات بالبليدة مشترطة حضور كل المتهمين يوم المحاكمة قبل النطق بالحكم، في حين صححت الرقم الذي أوردته "الشروق اليومي" بشأن عدد الأسئلة الجاهزة للمداولات والبالغ 12 ألف سؤال وليس 1200 سؤال، وقالت القاضية ابراهيمي إن المتهم يوسف آكلي مثلا لديه وحده 411 سؤال في المداولة، وقد اندهش جميع الحاضرين من هذا الرقم الكبير جدا، مما يوحي أن الأمر لن يكون سهلا على لجنة المداولات التي تتكون من القاضية ابراهيمي واثنين من المحلفين واثنين من المستشارين فقط. وقد ثار جدل بين القاضية وهيئة الدفاع بشأن تحديد تاريخ النطق بالأحكام النهائية، فقد اقترحت القاضية تاريخ التاسع عشر من مارس، لكن المحامين احتجوا على ذلك، فزادت يوما، غير أن هذا لم يحسم الأمور، فلجأت في النهاية إلى تحديد تاريخ الواحد والعشرين من مارس كموعد أخير، ومع ذلك استدركت رئيسة المحكمة بالقول إنه من الممكن ألا تنتهي المحكمة من قراءة نتائج المداولة في هذا اليوم ولهذا قد يتم إعطاء موعد آخر للنطق بالأحكام، وبررت كلامها بالرغبة في "إتقان العمل"، خصوصا وأن دفاع المتهمين ألح عليها بأخذ كل الوقت في المداولة، بل طالب أغلب المحامين من القاضية بالإجابة ب "لا" على كل الأسئلة المطروحة للمداولة. وبرأي دفاع المتهمين، فإنه من الصعب جدا على لجنة المداولات أن تفصل في هذا الكم الهائل من الأسئلة في مدة 10 أيام فقط. وكانت لحظة مهمة عندما طلبت القاضية ابراهيمي من الجميع الاستماع بانتباه لمضمون المادة 307 من قانون الإجراءات الجزائية التي تتحدث عن نزاهة القاضي وعن ضرورة التقيد بإملاءات الضمير، وليس شيئا آخر عندما يحين موعد تقدير الأحكام، كما كانت لحظة حاسمة جدا عندما توجهت رئيسة المحكمة إلى الحرس في قاعة الجلسات طالبة منهم "أخذ المتهمين إلى مكان آمن وعدم السماح لهم بلقاء أي كان إلى غاية يوم النطق بالأحكام"، وهنا نهض أهالي المتهمين لتوديع ذويهم بالدموع والدعاء لهم. علي عون: "أعطوني البراءة لأتفرغ لعملي وخدمة الجزائر" استغل علي عون المدير العام لمجمع صيدال فرصة إعطائه الكلمة في محكمة الجنايات بالبليدة ليطلب من هيئة المحكمة البراءة، وقال عون "سيدتي الرئيسة أظن أنه من خلال المرافعة تبين لكم أن كل التهم لا علاقة لها بالحقيقة"، مضيفا "وإذا كان هناك من قال إن عائلته تنتظر فيه، فأنا أقول إن هناك 4500 عائلة تنتظرني". وختم عون كلامه بالتأكيد على شيء وهو أنه بريء ويريد فقط من المحكمة "تركه يتفرغ لعمله ولخدمة الجزائر". وهنا اهتزت قاعة الجلسات بالتصفيق في ما عاد عون إلى مكانه. "الشروق اليومي" تنقل آخر كلام المتهمين قبل النطق بالأحكام حضرت "الشروق اليومي" تفاصيل واحدة من اللحظات الحاسمة في محاكمة الخليفة والمتمثلة في سماع آخر أقوال المتهمين ال104، ونظرا لطول القائمة، فإننا نورد في ما يلي بعض أقوال هؤلاء: * ليندة بن ويس: أنا بريءة ولا علاقة لي بالتهم الموجهة، وما أردته فقط هو شراء فيلا لوالدتي. * سميرة بن سودة: أنا متأثرة بما يجري لي.. نويت فقط خدمة بلدي. *جون برنار فيالان: قد لا تعلمون..أنا جزائري نزيه وبريء. *رشيد مجيبة: لقد تأثرت أنا وكل عائلتي بما وقع.. لأنني لم أكن أتصور أن الإخلاص يوصلني إلى هذا المكان.. وأقول لكم سيدتي القاضية لقد كنتم في المستوى عندما احترمتمونا هنا، فلكم كل التقدير وهذا ليس كلامي وإنما كلام الجميع. *صافي تلي: أنا بريء.. كنت أعمل في وكالة التنمية وتلقينا هبة من الخليفة بعد احتراق معدات الوكالة.. والله لا أعرف كيف هو لون بطاقة طالاسو. *خير الدين الوليد: لدي الثقة في عدالة بلادي. *عمر رحال: أقول التهم كلها باطلة وغير مؤسسة، لأنها ليست من أخلاقي ومبادئي وأنا بريء. *يوسف آكلي: لقد توقفت حياة أولادي يوم 28/3/2003 عندما حبسوني.. وأنا في الخليفة لم أقم سوى بتنفيذ الأوامر. * محمد شبلي: أنا بريء. *أحمد شعشوع: أنا كنت ضابط شرطة قضائية لمدة 27..أنا خدمت بلدي وأنا اليوم "متهوم"، لكنني بريء. * نور الدين دحماني: أنا بريء *عبد الوهاب دلال: كنت طيلة حياتي نزيها. * بدر الدين شعشوع: أنا بريء تماما من التهم. * حمو نقاش: أنا بريء، حسبي الله في عبد المؤمن خليفة. *عبد الحفيظ شعشوع: أنا بريء.. لقد تعرضت لمحاولة اغتيال عندما كنا في فترة الإرهاب، فلا يمكنني اليوم أن أخدع بلدي. *الهادي عقون: أنا بريء. * رضا عبد الوهاب: أنا بريء. *محند أرزقي أمغار: أنا بريء. * محمد الرشيد بوسهوة: أنا بريء. * سليم العربي: أنا بريء. * محمد غولي: أنا بريء. * مولود توجان: أنا جزائري نزيه.. ووجودي هنا صدفة، ومع ذلك أتحمل الحكم الذي تصدرونه في حقي، لأنكم نزهاء. * مسعود داري: أنا بريء. * عمار مير: لم أرتكب أية جريمة..أنا بريء. * أحمد مير: أريد البراءة التامة. * الطاهر مقدم: أرفض كل التهم الموجهة لي ..أنا بريء. * مراد إيسير إيدير: أنا بريء ولا علاقة لي بالملف. * بلعيد كشاد: أنا إنسان نزيه.. وبريء. * حسين سوالمي: سيدتي القاضية، أنا مقيم في باريس ولكن لما استدعاني الدرك لبيت الدعوة..أنا بريء، لأنني عملت بصدق.. إنني لم أر أولادي منذ عامين. * حكيم قرس: لقد سبق أن أضربت عن الطعام.. لقد أنجحت وكالة وهران ولم أقم سوى بتطبيق الأوامر. * عدة فوداد: أنا هنا لأنني أبحث عن مالي الذي أخذوه مني ظلما..إنها أموالي الحلال. * جمال زروق: أنا بريء. * علي إغيل مزيان: أمضيت حياتي كلها رياضيا وكان لي شرف خدمة بلادي وكنت فقط أبحث عن سبونسور لفريقي، واليوم أجد نفسي متهما بعضوية جمعية أشرار ( يبكي ).. أنا لم آخذ في حياتي سنتيما واحدا ولم أخن أحدا.. أنا لست وحشا.. أنا بريء. * أحمد إيسير: لدي فيكم الثقة. * كريم بوقادوم: أنا بريء ولست لصا ولا خائنا. * فيصل زروق: أنا بريء. * جمال عزيز: كنت أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر.. لأقول أنا بريء. * جمال قليمي: عندما اتصل مومن خليفة بوالدي عمار ليكون معه في البنك لم أكن أتصور أنني سأدخل عائلتي ووالدي في هذا الكابوس، ولو كنت أعلم لما فعلت.. هناك شيء آخر أريد فهمه: لماذا حبسوني بعدما استفدت من الإفراج.. هذا ظلم..أنا نزيه وأؤكد أن لا علاقة لي بتزوير وثائق تأسيس البنك. جمعها: رمضان بلعمري