ممثل الادعاء العام في قضية الخليفة التي تجري محاكمة المتورطين فيها بالمحكمة الجنائية بمجلس قضاء البليدة، هو وكيل الجمهورية على مستوى محكمة الشراڤة، مطلع جدا على الملف، خاصة فيما يتعلق بمحاضر سماع المتهمين من طرف قاضي التحقيق بنفس المحكمة، ويبدو كأنه يحفظ تصريحاته وشهاداتهم عن ظهر قلب. عكس القاضية التي تثور أحيانا عند محاولة المتهمين التهرب من الأجوبة، أو لا تقنعها الأجوبة، ولا تخفي غضبها خاصة عندما يتعلق الأمر "بخرق القانون" كما قالت، و"عندما يكون ذلك من طرف قاض بالمحكمة العليا اعترف بجهله القانون مما حال دون اتخاذ إجراءات ضد بنك الخليفة بصفته عضوا في اللجنة المصرفية"، إلا أن ممثل الادعاء العام يحقق التوازن في المحكمة الجنائية، يلتزم الهدوء عند استجواب المتهمين خاصة، يلحّ كل مرة على سؤالهم حول صحتهم، ويحرص على ألا يكونوا مرهقين، ويعرض عليهم تناول الماء، يفضل مخاطبتهم بأسمائهم مع "سي"، يستهل دائما أسئلته بعبارة أصبحت لصيقة به "ياهل ترى" و"يا راجل" لغته بسيطة جدا، يتقن الحديث باللغتين العربية والفرنسية، لكنه يفضل طرح أسئلته ب "الدارجة" وينتظر كذلك أجوبة باللغة الشعبية، مما أضفى على تدخلاته نوعا من الطرافة، وحقق بفضل ذلك متابعة الحضور له من أعضاء هيئة الدفاع والصحفيين وعائلات المتهمين أيضا.. يطرح سؤاله بارتياح وبالتنسيق مع رئيسة المحكمة الجنائية، ترافق استجوابه دائما ابتسامة دأب على فعل ذلك، وهو يتوجه بنظراته إلى الحضور خاصة إلى مقاعد أعضاء هيئة الدفع، والصحفيين الذين كثيرا ما أضحكتهم طريقة أسئلته لطرافتها، ولاحظنا أن بعض المتهمين يفعلون ذلك، وتبدو أسئلته لطيفة، ينعدم فيها التجريح أو الإساءة أو تحميل المسؤولية، لكنها مفخخة دائما، لأنه ينجح بدبلوماسيته في انتزاع الاعتراف من المتهم والجواب من الشاهد بالقول "هذا ما أردت التوصل إليه"، ويترك المتهم في حرج بعد ذلك، هي مهمته كممثل للنيابة العامة، لكنه لا يتحامل، لا يرفع صوته ولا يثور.. بهدوء مثير وحيوية غير معهودة وسعة صدر تمكن وكيل الجمهورية من إضفاء نكهة على جلسات محاكمة ما اصطلح عليها فضيحة القرن، وسبق أن أثنى أعضاء هيئة الدفاع على تشكيلة المحكمة الجنائية، التي استطاعت بعد مرور 20 يوما من الحفاظ على توازنها وحسن سيرها رغم بعض الملاحظات ولحظات التشاحن وتلاسن. فتح ملف الوكالات ومواجهة المتهمين.. يبقى السؤال مفتوحا حول وجهة الأموال: - ودائع الجزائريين خرجت من الحسابات و.. "تبخرت" - إنكار مومن ومستفيدين يثير تساؤلات حول المستفيدين الحقيقيين من "الشكارة" لم تتوصل الجلسات الأولى للأسابيع الثلاثة من محاكمة "الخليفة" إلى تحديد الوجهة الحقيقية لودائع المؤسسات العمومية والخاصة بوكالات بنك "الخليفة"، بعد أن كشفت المواجهات الأولى بين بعض المتهمين، تبرؤهم من استلام أموال بلغت في حالة واحدة أكثر من 1 مليار سنتيم، خاصة في ظل غياب إثبات أو دليل لخروج هذه الأموال دون وصولات، ويكشف فتح ملف أول وكالة على مستوى المحكمة أن آلاف الملايير من الودائع خرجت من أكياس وسلمت لأشخاص ينكرون اليوم استلامها، ليبقى السؤال مطروحا: أين ذهبت مدخرات الجزائرين؟ وما زاد القضية تعقيدا هو التصريح الحديث للرئيس المدير العام لمجموعة "الخليفة" الذي رمى بالمسؤولية على إطارات البنك واتهمهم بالغدر والخيانة، وأكثر من ذلك قال إن البنك لم يكن مفلسا، وأنه لا يملك أموالا اليوم.. فمن هو المسؤول الحقيقي عن الثغرة المالية بالصندوق المركزي وفروع بنك الخليفة؟ تعليمة مومن "تسقط" بفتح ملف وكالات خليفة بنك أجمع جميع المتهمين الموقوفين الذين توافدوا على هيئة المحكمة الجنائية لمجلس قضاء البليدة، منذ انطلاق محاكمة المتورطين في قضية "الخليفة" منذ أكثر من 20 يوما، على أنهم كانوا يسحبون الأموال من الوكالات البنكية التابعة لبنك الخليفة أو الصندوق المركزي، "بناء على تعليمة الرئيس المدير العام لمجموعة الخليفة مومن رفيق خليفة"، وهي العبارة التي ظل يكررها الجميع، مؤكدين أنهم "موظفون ينفذون الأوامر، ولا يمكن بأي حال معارضة الرئيس المدير العام"، وتمكن هؤلاء من إقناع بعض المتتبعين للجلسات بأنهم "العبد المأمور"، خاصة وأن التعليمات تتمثل أحيانا في اتصالات هاتفية، وغالبا عبارة عن قصاصات ورقية مدون عليها قيمة المبلغ، وموقعة، وأحيانا يقول هؤلاء إنها تحمل ختم خليفة مومن. وركز دفاع المتهمين المتابعين بعدة تهم أهمها السرقة الموصوفة، النصب والاحتيال وتكوين جمعية أشرار، عملهم على "إسقاط" هذه التهم، خاصة ما تعلق بخيانة الأمانة، مستندين إلى عدم قيام المسؤول الأول عن المجموعة بإيداع شكوى أو متابعة أحد هؤلاء قضائيا أو فصله بسبب قيامه بتحويل المبالغ المالية. وكانت هيئة المحكمة الجنائية، قد استجوبت أمين الخزينة الرئيسية، الذي صرح أن عدة إطارات في مجموعة "الخليفة كانوا يترددون على الصندوق المركزي لبنك الخليفة لسحب مبالغ مالية تقدر بالملايير، تجمع في أكياس، وتخرج دون وصولات بأمر من الرئيس المدير العام"، وكانت رئيسة المحكمة الجنائية تتساءل كل مرة عند مثول أحد المتهمين أمامها، عن سبب تكليفه بمهمة "ناقل السيولة" رغم أن منصبه في الخليفة لا يؤهله لذلك في ظل وجود 900 عون أمن تابعين لمديرية الأمن والحماية بمجمع "الخليفة"، حسب رئيسة المحكمة الجنائية، حيث كان يتردد على الصندوق المركزي، حسب شهادة أمينه، مساعدو خليفة مومن، (ش. عبد الحفيظ) مدير الأمن والحماية، (ڤ.جمال) مدير ديوان خليفة، وآخرون كانوا يحضرون ك "موفدين" من الرئيس المدير العام، وكانت رئيسة المحكمة تسأل بإلحاح: أين تذهب الأكياس أو "الشكارة" التي تتجاوز حمولتها أحيانا مليار سنتيم ومبالغ أخرى بالأورو والدولار، وتواجه إجابة واحدة "كنا نأخذها إلى الرئيس المدير العام"، إلى مكتبه أو منزله، وسألت القاضية، في إحدى الجلسات، المتهم الموقوف (د. عبد الوهان) المكلف من طرف مدير الأمن والوقاية (ش. عبد الحفيظ) لنقل السيولة من الخزينة الرئيسية، إن شاهد خليفة مومن في مكتبه عند إيصاله المبلغ، ليجيب بالنفي، وعلم فقط أنه هناك، وسألت مدير وكالة الحراش، إن التقى مومن عند قدومه إلى مقر الوكالة رفقة (ش. عبد الحفيظ) على متن سيارته لأخذ مبلغ 2 مليار سنتيم من الوكالة بعد الاتصال هاتفيا به، لكنه أجابها بالنفي، وفي هذا السياق دائما، سبق للقاضية سؤال بعض المتهمين عن كيفية اتصال مومن خليفة بهم لتجهيز المبالغ المالية لموفديه، فأجابوا أن ذلك يتم هاتفيا، وأغلب هؤلاء لم يلتقوا خليفة شخصيا، لتثير سؤالا حول مدى إمكانيتهم التأكد أن المتصل هو فعلا خليفة مومن رفيق؟... لكن القاضية ابراهيمي، انتقلت إلى مرحلة ثانية من استجواب المتهمين في إطار الصندوق المركزي، ثم الوكالات، حيث بدأت تركز على ممتلكاتهم العقارية من فيلات وسيارات وحسابات بنكية، وعقارات، وامتيازات أخرى مثل الاستفادة من قروض دون ضمانات أو ملفات، تمكن بعضهم من تسديدها في ظرف قياسي. ملايير خرجت، و"المستفيدون" ينكرون تسلمها وكان مدير وكالة الحراش التي سجلت بها ثغرة مالية تتجاوز 44 مليار سنتيم، قد صرح أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الشراڤة، ثم أمام هيئة المحكمة الجنائية، أنه كان يمنح مبالغ مالية ل "موفدين" من طرف الرئيس المدير العام خليفة مومن، بالقول إنه "كان يسلم مبالغ بالملايير لعدد من المسؤولين ببنك الخليفة، وخليفة آيروايز" وصرح مثلا أنه منح (ش. عبد الحفيظ) مبلغ 2.5 مليار سنتيم، وهو ما أكده هذا الأخير، مشيرا كل مرة أنه كان يقوم بذلك اعتقادا منه أن الأموال موجهة للإيدع بالصندوق المركزي، وهو ما نفاه أمين الصندوق الذي واجهه بالتأكيد على تسلمه كتابات دون المبالغ المالية، لكن المثير في استجواب مدير وكالة الحراش، وإنكار اثنين من المتهمين المتابعين، أحدهما وافته المنية، وهو المدعو (الطاهر.م) الذي صرح أمام قاضي التحقيق، أنه لم يتسلم أبدا مبلغ 2.5 مليار سنتيم من مدير وكالة الحراش الذي ادعى أيضا أنه سلم مبلغا بنفس القيمة إلى (ز.جمال) مدير المالية بخليفة آيروايز، لكن هذا الأخير، وخلال مواجهة أول أمس بينهما، أنكر هذه القضية من أساسها، وأدرجها ضمن الاتهام الباطل، خاصة وأن مدير وكالة الحراش لا يملك أي دليل أو إثبات، وكان كل مرة يستند، مثل أمين الصندوق، إلى الأوامر الكتابية الصادرة عن خليفة مومن، لكن القاضية "أسقطت" هذا التبرير، عندما كشفت أن مومن لم يكن يملك توقيعا واحدا وثابتا، وأن كاتبته الخاصة نجية عيواز لم تتعرف على بعض الإمضاءات المدونة على الكتابات، وتعتبر حسب القاضية، الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه تحديد توقع مومن خليفة، مما يشير إلى تزوير في الأوامر الكتابية التي كان يستند إليها المتهمون لتبرير خروج الأموال دون تبريرات، لتلجأ رئيسة المحكمة رفقة ممثل الادعاء العام إلى دعوة المتهمين لعدم الحديث عن "تعليمة الرئيس المدير العام". تصريح خليفة يحوله من متهم إلى ضحية وتتزامن هذه الملاحظات مع تصريح حديث للمتهم الرئيسي، خليفة رفيق مومن، في مقابلة صحفية، أشار فيها إلى أنه كان ضحية "غدر" و"خيانة" من طرف إطارات وموظفين في بنك الخليفة، بل شدد على أن البنك لم يكن مفلسا وترك به الملايير، مومن لم يحدد هؤلاء الذين غدروا به، لكن حدد وظيفتهم في بنك الخليفة، أي ضمنيا المسؤولين عن الأموال، ورأت مصادر من محيط المتهمين في ذلك اتهاما لهم، بل إثباتا للتهم الموجهة إليهم، إضافة إلى التزوير، وأنه ما كان أجدر به "إطلاق النار على سيارة إسعاف". لكن برأي مراقبين ومتتبعين لجلسات المحاكمة، فإن فتح وكالات البليدة، المذابح، وهران، قد تكشف عن مزيد من التفاصيل، لكن المستفيدين المجهولين الذين أثارهم منصف بادسي، مصفي بنك الخليفة، يبقى عائقا أمام الكشف عن مسار الأموال المودعة في بنك الخليفة بوكالاته الفرعية، من مدخرات المؤسسات العمومية والخاصة، وهو الذي اعترف باستحالة استرجاع هذه الأمول من هذا الباب، خاصة إذا علمنا مثلا أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لوحده، أودع 10 آلاف مليار سنتيم بوكالة الحراش فقط، وفي نفس الوكالة، أودع الصندوق الوطني لغير الأجراء 1200 مليار سنتيم، وبلغت الثغرة المالية بأكثر من 44 مليار سنتيم و136 أورو و300 دولار، وعملية التفتيش اللاحقة كشفت عن ثغرة بأكثر من 14 مليون دج. محكمة البليدة: نائلة. ب: [email protected]