يتحرك المشهد الثقافي في مصر نحو الغليان، وبين الحين والآخر، تظهر قضية منع كتاب، أو تكفير باحث، أو تهويده، مما يؤكد أن سلطة الرقيب لا تهدأ، وعينه لا تنام... وطبعا ما يحدث في مصر ليس معزولا عن ما يحدث في بقية الأقطار العربية، مع فوارق، ربما ترتبط بطبيعة النظام السياسي لكل قطر، والمحيط الخارجي الذي يسبح فيه. وليس بعيدا عن ما يحدث في مصر، ذلك الزلزال الذي أحدثته الروايات النسوية التي صدرت عن روائيات سعوديات وأطلق عليها البعض »روايات الفراولة«، والتي عملت على حلحلة الكثير من القيم المحافظة في المجتمع السعودي، وأدانتها الكثير من الأوساط في السعودية بدعوى "يجوز للسعوديين ما لا يجوز لغيرهم". الموضوع يحتاج فعلا إلى وقفة تأمل، ونحن في الجزائر عشنا فترة من الفترات، كان فيها المبدعون يتنقلون متخفين خشية التصفية الجسدية... هل تغيّرت الأمور بعد كل هذه السنوات، وهل يعيش المبدع الجزائري اليوم تحت رحمة وصاية ما وهل يعترف المبدع والمثقف بسلطة الرقيب، هذه الأسئلة وغيرها فضلنا أن نحملها بقلقها لبعض المبدعين الجزائريين... ينطلق الدكتور أمين الزاوي في الإجابة على التساؤلات التي طرحناها عليه فيقول: »أعتقد أن هامش الحرية في الجزائر لا يوجد له مثيل في العالم العربي، حتى الآن لا توجد رواية منعت، ولا ديوان شعر... يبدو أن فضاء الكتاب والتوزيع منفتح أكثر مما يوجد في العالم العربي، والدول المجاورة«. ويؤكد الزاوي »هناك أمران: أولا، التجربة الديمقراطية في الجزائر سارت بشكل كبير فيما يخص حرية التعبير. ثانيا، ليست هناك قراءة للنصوص ولا أجهزة رقابة واضحة المعالم والمؤسسات مثلما هو في تونس أو سوريا«. لكن هل انعدام رقابة على الإبداع مسألة صحية هنا يجيب الزاوي »أعتقد أنه يجب احترام الأشياء المقدسة وهي مسألة موجودة داخل الكاتب، لكن يجب ألا نخلط بين نص أدبي، ونص فقهي، والرقابة يجب أن تفرق بين قراءة نص للخيال، وآخر للسياسة والفقه«. ويضيف الزاوي »أنا أضم صوتي للمصريين في كون المؤسسة الدينية هناك ليست مؤهلة لمراقبة النصوص، ولها الحق فقط في مراقبة النصوص الدينية، وما حدث لنوال السعداوي ولكتاب آخرين هو بسبب أن الرقيب العربي إما أن يخون أو يهود أو يكفر فيما يتصل بالآداب وهي أبعد من ذلك«. أما رشيد بوجدرة فيرى بأنه لا توجد رقابة على الإبداع في الجزائر ويؤكد أن »روايات الشباب تخترق الطابوهات بدون أي رقابة، حتى رواية مستغانمي الأولى احتفلت السلطة بها«. غير أن بوجدرة يلاحظ »ممكن يكون هناك أشياء نجهلها، فأحيانا ما يمارس الناشر دور الرقيب«. ويضيف معلقا على سؤال حول عدم وجود رقابة في الجزائر »لست أدري لماذا عدم وجود الرقابة، ربما يعود ذلك إلى أن السلطة انسحبت من المجال، وممكن أن الأمر يعود إلى أن الكتاب والصحافيين رفضوا ذلك، وعلى كل حال هناك نوع من الدمقرطة في الجزائر على عكس ما يحدث في مصر والسعودية«. وتذهب الكاتبة زهور ونيسي في إجابتها حول هذا الموضوع إلى أن »نوال السعداوي مرجومة، هي صديقة، أقدر فيها شجاعتها، لكن بين الشجاعة والاعتداء على المقدسات خط رفيع، وكون مصر تريد إلباس السعداوي جبة سياسية حتى يقال إن نوال ضد الإسلام. وهذه التفاعلات ظاهرة صحية... بالنسبة لنا هناك حرية للتعبير، لا تنسى أن بوجدرة ألف روايات لو نشرها في مصر، لرجم كما رجمت السعداوي لكنه كان ذكيا، ولم يتناول المقدسات بالإساءة«. ميلود بن عمار:[email protected]