أبرقت الجزائر إلى السلطات النمساوية تطلب منها الإطلاع الكامل "أولا بأول" على محتوى الاتصالات التي جرت مع المجموعة الإرهابية التي اختطفت السائحين "بعد أن تبين أن هناك مطالب أخرى تكون قد تضمنتها اتصالات مكتوبة وشفوية أجراها الخاطفون على أكثر من مستوى نمساوي" حسب ما كشفت مصادر مسؤولة للشروق، في إشارة إلى أن الخاطفين أجروا اتصالات أولية مع سفارة النمسا في الجزائر ثم مدوا الخط لاحقا الى العاصمة فيينا مباشرة ومهما يكن الأمر فهي بالنسبة للجزائر اتصالات "جرت بين دولة عضو في الأممالمتحدة وجماعة إرهابية بنص القانون الدولي تلزم المواثيق الأممية لمكافحة الإرهاب الشفافية والتعاون المطلق بشأنها"، وهذا الكلام ينطبق سواء كان الخاطفون داخل أو خارج التراب الوطني، ولا يعرف إن كان الطلب الجزائري قد نقل إلى المبعوثين الذين أوفدتهم النمسا للتنسيق مع نظرائهم الجزائريين في التحقيق الجاري حول الاختطاف، أم انه أخذ قنوات دبلوماسية أخرى أرفع مستوى، لكن مصادرنا تقول إن الطلب الجزائري جاء "هادئا ومسؤولا"، ويعتقد أن رد الفعل الجزائري برز بعد أن بدأ يتضح أن مطالب الخاطفين المعلنة رسميا في بيانهم الأخير، حيث قالوا إنهم قدموا للطرف النمساوي قائمة بأسماء بعض أمراء القاعدة المسجونين يطالبون بإطلاق سراحهم، قد لا تكون سوى فرقعة إعلامية تخفي المطالب الحقيقية التي تدور حول فدية مالية لأجل إطلاق سراح الرهائن، وهو ما أكدته السلطات النمساوية بعد نحو 24 ساعة من صدور بيان القاعدة، وكشفت أن الحصول على فدية مالية ضمن المطالب التي تلقتها شفويا من الخاطفين في الاتصالات الأولية، وهنا لم تتردد الجزائر في القول إنها "تؤكد أنها لن توافق مطلقا على حصول الإرهابيين على أي مقابل مادي أيا كان شكله مقابل إطلاق سراح الرهائن، لأنه سيستعمل تلقائيا في إحياء النشاط الإرهابي وسفك دماء الأبرياء"، وحرص الطرف الجزائري على القول إن هذه الرسالة "موجهة لكل من يعنيه الأمر"، وهو كلام يحمل في طياته عدة دلالات في اتجاه النمسا أو أي أطراف أخرى رسمية أو غير رسمية مثل ما قيل بشأن اعتزام رجل أعمال تونسي دفع الفدية المطلوبة، ولا زالت الجزائر لم تبلع حتى اليوم غصة مريرة تركها في حلقها الغموض الذي اكتنف الفدية التي دفعت للبارا العام 2003 لإطلاق سراح السياح الألمان، وكان قدرها 5 ملايين أورو استعملت لتسليح عناصر الجماعة السلفية في الشمال، ولا يعرف البارا نفسه من أين أتت تحديدا، لكن بعض الأشخاص يتحدث عن قرائن، لم يكذبها أحد، تشير الى الجمعية الخيرية التي يرأسها نجل الزعيم الليبي، سيف الإسلام القذافي. أفكار البارا الجديدة "قد تؤهله" لدور ما ولم تستبعد بعض مصادر الشروق أن تتم الاستعانة بعبد الرزاق البارا (عمار صايفي)، أمير منطقة الصحراء السابق في الجماعة السلفية للدعوة والقتال الموجود حاليا في سجن سركاجي، في الاتصالات الجارية مع المجموعة التي اختطفت السائحين النمساويين لأجل إطلاق سراحهم، ويعتقد ان البارا هو أحد الأسماء التي يكون الخاطفون قد أدرجوها في القائمة التي طلبوا بإطلاق سراحها مقابل إخلاء سبيل السائحين، لكن ذات المصادر شددت على أن أي دور للبارا إن كان، "يجب أن ينحصر تحديدا في محاولة إقناع الخاطفين بأن مطالبهم مرفوضة شكلا ومضمونا وأنه من الضروري إطلاق سراح السائحين دون قيد أو شرط"، ولا يعرف إن كانت السلطات النمساوية هي من طلبت من نظيرتها الجزائرية الاستعانة بالبارا أو غيره من أمراء القاعدة القابعين في السجون، ولكن يبدو البارا المؤهل الأكبر لدور مماثل على أساس علاقاته الشخصية بالخاطفين الذين عمل بعضهم طويلا تحت إمرته ولا زالوا موالين له، وعلى رأسهم أمير المجموعة الخاطفة عبد الحميد أبو زيد، 43 سنة، وما من شك في أن السنوات الأربع التي قضاها البارا حتى الآن في السجن "غيرت كثيرا من أفكاره ومواقفه"، ويذهب بعض الاشخاص إلى التأكيد أنه أبدى تعاونا في أكثر من مرة مع مصالح الأمن في تفكيك بعض ألغاز القاعدة القديمة والجديدة و"أبدى استنكاره الصريح للعمليات الانتحارية التي نفذتها العام الماضي". كما أن شخص بحجم البارا، الذي يعتبر أول من سن سنة خطف السياح الأجانب، ويعتقد أنه يتصدر قائمة الذين تطالب المجموعة الخاطفة بإطلاق سراحهم، سيشكل نكسة معنوية قاصمة للخاطفين إذا كان هو نفسه من يطلب منهم إنهاء هذه اللعبة. وقدرت مصادرنا أن تدوم عملية الاختطاف "عدة أسابيع وربما شهور" لأن إثارة الاهتمام الاعلامي تحول منذ سنتين إلى أهم هدف للقاعدة، وهو ما يبدو أن الخاطفين مستعدون له ويهمهم أن يمارس عامل الوقت ضغطا إعلاميا وسياسيا متزايدا على حكومات الدول المعنية، بعد أن أخذوا الوقت اللازم لتهريب الرهينتين الى مكان يعتقدون أنه آمن وبعيد عن يد قوات الأمن، في عمق الحدود الصحراوية المشتركة بين ليبيا والجزائر وتونس. شكوك قوية .. وتجربة لعيادة الفاشلة تعود لكن شكوكا قوية لا زالت قائمة حول ما إذا كان البارا قادرا فعلا على التأثير على خيارات الخاطفين، بالرغم من أن قائدهم عبد الحميد أبو زيد واسمه الحقيقي حمادو عبيد، "من أشد الأوفياء للبارا ومصدر ثقته السابق"، وساند البارا بفعالية في كل مشاريعه السابقة ومنها اختطاف السياح الألمان العام 2003، وهو مثل أميره السابق من أشد خصوم مختار بلمختار المتخفي حاليا شمال مالي، وبرغم أن أمير القاعدة أبو مصعب عبد الودود رفض تعيين ابو زيد على رأس المنطقة التاسعة وفضل أن يضع مكانه "جوادي يحيى" المكنى "أبو عمار"، فإن الأول ظل بحكم معرفته القديمة بالمنطقة وبالأشخاص، هو القائد الفعلي في الميدان لمن تبقى من عناصر القاعدة في الصحراء، لكن هذا كله قد لا يكون كافيا، وهنا يجري الحديث عن السابقة التي وقعت نهاية العام 1994 عند اختطاف طائرة "الأيرباص" الفرنسية من طرف "الجيا"، وجاءت حينها السلطات بمؤسس "الجيا" عبد الحق لعيادة الذي كان ضمن من طالب الخاطفون بإصرار بإطلاق سراحهم في وقت كان يقبع في سجن سركاجي يواجه حكما بالاعدام صدر في حقه، ولكنه فشل في فعل شيء ورفض الإرهابيون الحديث إليه.