فاروق الشرع وعمرو موسى انتهت قبل أيام الاستعدادات النهائية لقمة العرب العشرين التي تستضيفها العاصمة السورية دمشق. القمة التي ستعقد يومي 29 و30 مارس الجاري، تأتي في وقت ينظر فيه العالم والشعوب العربية إلى مدى النجاح الذي ستحققه، وذلك في ظل ظروف صعبة ومصيرية تواجهها الأمة. وأكدت دمشق أن دعوات الحضور سلمت لجميع الدول العربية بدون استثناء. وقال »طالب قاضي«، أمين مساعد وزير الإعلام السوري، خلال جولة للصحافيين في المقرات التي ستستضيف جلسات القمة ومقرات إقامة الزعماء العرب، إن كافة الترتيبات اكتملت في القاعات والمركز الصحفي لاستقبال المؤتمرين وفرق التغطية.وأضاف، أن برنامج القمة تم وضعه بحيث يعقد اجتماع المندوبين الدائمين يومي 24 و25 من الشهر الجاري، ويعقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي اجتماعا يوم 26، ويجتمع وزراء الخارجية تحضيرا للقمة يوم 27 ثم تعقد القمة يومي 29 و30 من هذا الشهر.وستعقد القمة في »قصر الأمويين للمؤتمرات«، وتعقد باقي الفعاليات في قاعات بفندق »إيبلا الشام« الملاصق لقصر المؤتمرات، وخصصت ثماني قاعات في القصر للاجتماعات المغلقة، أما المركز الصحفي فسيكون في مدينة المعارض على بعد نحو كيلومتر من موقع القمة.ويؤكد السوريون أنهم قاموا بكل ما في وسعهم لإنجاح القمة، ويرى عضو مجلس الشعب السوري »خالد العبود« أن التحضيرات على الأرض قد اكتملت لعقد القمة في أجواء مريحة.وقال إن »القمة ليست قمة سوريا بمعناها السياسي رغم إدراكي أنها ستعمل على إقناع العرب بمشروعها المقاوم والممانع لأميركا والكيان الصهيوني في المنطقة ، ولكن المطلوب من القادة العرب جميعا القيام بأدوار بناءة وفعالة لخلق مناخات وفضاءات أرحب توفر الاستشراف والتحليل برؤية ثاقبة«.وفي تصريحه »للشروق«، قال مراقب مجلس الشعب السوري »د. محمد حبش«: »إن سوريا واجهت عقبات كبيرة في التحضير لهذه القمة، مشيرا إلى أن انفجار الأزمة اللبنانية على هذا المستوى غير المسبوق، وتصاعد الهجمات الصهيونية على الفلسطينيين وتزامنه مع الانشقاق الفلسطيني الداخلي جعلا من التحضير للقمة مهمة بالغة الصعوبة«.وخلص الدكتور حبش إلى أنه مما زاد الأمر سوءاً اختلاف الرؤى العربية بين محور من وصفهم بالمعتدلين من جانب، والمقاومين والممانعين من جانب آخر. وأضاف »حبش«: »أن سوريا بذلت جهودا كبيرة جدا لتهيئة الأجواء، لكن التعقيدات والمشاكل في المنطقة كبيرة أيضا«.ويحذر »حبش« من تحول القمة إلى نمط يشبه جلسات الضيافة والديوانيات في حال انكفاء العرب عن مهمتهم التاريخية في مواجهة التحديات الخطيرة المحدقة بهم.ويختتم »حبش« بالإشارة إلى أن »الخطر المحدق بالمنطقة لا يمس سوريا وحدها بل يمس حاضر ومستقبل العرب«، ويضيف »أن رؤية عميقة لما يجري تفرض التسامي على الخلافات والوقوف بجدية لمواجهة كل هذه الحملات على البلاد العربية«. ضغوط أمريكية على القمة ودمشق يأتي هذا في الوقت الذي تتحدث فيه أطراف لبنانية عن بروز ما أسمته ضغط أمريكي على الدول العربية لمقاطعة القمة، وفي الوقت الذي لم يتأكد فيه تمثيل رئيس الوزراء فؤاد السنيورة للبنان في القمة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية »شون ماكورماك«، ردا على سؤال حول الدعوة التي وجهتها سوريا إلى السنيورة للمشاركة في القمة العربية، »يمكنكم أن تتحدثوا مع الحكومة السورية حول دوافعها الخاصة لدعوة ممثل للحكومة اللبنانية إلى القمة العربية المقبلة، أما عما إذا كانوا سيقبلون الدعوة، فذلك يجب أن يعود بشكل كامل إلى الحكومة اللبنانية. أسجل أن الدعوة وجهت إلى رئيس الوزراء السنيورة، الذي يتولى بحكم الأمر الواقع صلاحيات الرئيس بالوكالة، بإمكانكم أن تسألوني، لماذا هو رئيس انتقالي؟ لأنه لم تحصل انتخابات رئاسية في لبنان«.وأضاف ماكورماك: »ثمة كلام كثير عن قوى خارجية تقوم، بشكل أو بآخر، بمنع هذا الانتخاب من الحصول، الكثيرون سمّوا سوريا كأحد المتهمين بعرقلة إجراء هذه الانتخابات، لذا تشكل الدعوة الموجهة إلى رئيس الوزراء اللبناني، وهو الرئيس بالوكالة، تحوّلا مهما في تطور الأحداث، غير أن المسألة الحقيقية تكمن في ضمان أن يكون الشعب اللبناني قادرا على إنجاز عمليته الديموقراطية، وهو ما ليس متوفرا في الوقت الحالي«.وسئل ماكورماك عما إذا كان يتعيّن على القادة العرب أن يدعموا استضافة دمشق للقمة، نظرا إلى أن لبنان هو إحدى المسائل الرئيسية في المنطقة، فأجاب »عندما يفكرون بالمشاركة في اجتماع سوريا من عدمه، من الواضح أنه سيكون من مصلحتهم أن يبقى في ذهنهم الدور الذي أدته سوريا حتى الآن لمنع العملية الانتخابية في لبنان من المضي قدما«، مضيفا: »لا نريد السعي مطلقا لأن نملي من يتعيّن أن يحضر هذه الاجتماعات، هذا يعود إلى الدول الأعضاء لأن تقرر بشأنه، كما يعود إلى الدول الأعضاء أن تقرر أين تعقد القمة، لكن بالطبع إن المأزق الذي يعيشه الشعب اللبناني يجب أن يحتل مكانا رئيسيا في أذهان أولئك القادة العرب فيما يبحثون المشاركة في القمة من عدمه«. دعوة سوريا للبنان وصفت بأنها إهانة للبنان أما بخصوص الطريقة التي تمت بمقتضاها دعوة لبنان للقمة، فقد تكفّل رئيس اللقاء الديمقراطي النائب اللبناني وليد جنبلاط بالرد عليها، فوصف هذه الدعوة ب»الدعوة بالتهريب«، وقال لصحيفة السفير اللبنانية: »إنها دعوة من المنتج الإيراني إلى الوزير المستقيل وغير المستقيل، في لحظة خلسة أثناء وجود الرئيس السنيورة خارج لبنان، لكن ما العمل؟ هذه هي العقلية السورية وعقدة النقص السورية في التعامل مع لبنان وعدم الاعتراف به وبدولته، عقدة النقص هذه لا توصل إلى مكان على عكس احترام الدولة اللبنانية الذي يشكل قوة لسوريا«...بينما قال وزير الاتصالات في الحكومة اللبنانية »مروان حمادة« لصحيفة »الأخبار«: »إن فريق الموالاة لن يتخذ قراراً في شأن تلبية الدعوة إلى القمة قبل أن يبتّ أمر انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وأشار إلى ما أسماه جهد عام محلي وعربي يبذل الآن من أجل تأمين انتخاب هذا الرئيس قبل موعد قمة دمشق«.ورأى حمادة في تصريح آخر أن الخطوة السورية بتسليم الوزير المستقيل صلوخ دعوة لبنان إلى القمة العربية »تحوي كثيراً من المغالطات«، معتبراً أن »الدعوة خاطئة، فهي باسم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فيما يفترض أن توجه إلى جمهورية لبنان ورئيس جمهورية لبنان«...السنيورة الموجود في العاصمة السنغالية حيث يرأس الوفد اللبناني إلى قمة دول منظمة المؤتمر الإسلامي، طلب من صلوخ التحفّظ عن شكل توجيه الدعوة من زاوية عدم إرسال دمشق وزيراً أسوة بدول عربية أخرى، وقال مصدر وزاري لبناني: إن التحفّظ يشمل أيضاً تجنب دمشق توجيه الدعوة إلى رئيس الحكومة وانتظارها مغادرته إلى دكار لإرسال معاون وزير الخارجية، وقال صلوخ إن الخارجية ستسلم الدعوة إلى السنيورة.وإذ رحبت المصادر السورية الرسمية »بمن يختاره لبنان لتمثيله في القمة«، أوضحت مصادر لبنانية أن مجلس الوزراء سيدرس تلبية الدعوة عند عودة السنيورة من دكار وسط وجود اتجاهات في هذا الصدد، بينها مقاطعة القمة إذا لم ينتخب قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان رئيساً في الجلسة النيابية المقررة في 25 الجاري، إرسال وزير ماروني لتمثيل لبنان، وذكرت المصادر الوزارية أن درس قرار تلبية الدعوة أو المقاطعة سيأتي في ضوء المشاورات الجارية في دكار مع الدول المعنية بالوضع اللبناني. الداعية فتحي يكن يشنّ هجوما على محور واشنطن ومن جانبه تساءل رئيس جبهة العمل الإسلامي في لبنان الداعية »فتحي يكن« في تصريح ل»الشروق«: »هل من حاجة إلى مزيد من الأدلة على انحياز قوى 14 شباط إلى السياسية الأمريكية، بعد الإطلالة التي وحدت موقفي بوش وجعجع العدائيين من مؤتمر القمة العربية الذي سيعقد في العاصمة السورية، حيث حرضا على مقاطعته، في وقت وجهت دمشق الدعوة إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لحضور القمة؟«، وقال يكن: »إن المعارضة، بعد مسلسل مواقف قوى السلطة المنحازة إلى المحور الأمريكي الصهيوني، باتت أكثر تصميما على تحرير الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية من ظواهر التبعية والإذعان لهذا المحور الجهنمي«، ولم يستبعد يكن أن تتبلور في القمة المنتظرة »مبادرة مرضية للأزمة اللبنانية ويكون عندها الحل عربيا في عاصمة المقاومة والعروبة والإسلام«. واعتبر يكن »أن انعقاد القمة اليوم وتحديدا في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والتي تتعرض لها فلسطين والعراق وسوريا ولبنان وقوى الممانعة والمقاومة لهجمة غير مسبوقة من قبل الولاياتالمتحدة وحلفائها، تشكل تحديا للعرب ليثبتوا أنهم على قدر المسؤولية وأنهم أسياد أنفسهم في اتخاذ القرارات التي تحقق مصالحهم وليس مصالح عدوهم«. السنيورة ينقلب على المبادرة العربية في دكار وعودة ثانية إلى دمشق حيث اتهم نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حكومةَ السنيورة بمحاولة نسفِ المبادرة العربية وكسرِ هيبةِ العرب في مؤتمر القمة الإسلامية في دكار، وأن الوفد اللبناني اقترح تضمينَ البيانِ الختامي توصيةً بإجراء انتخاباتِ رئاسةِ الجمهورية أولا ومعالجةِ باقي بنودِ المبادرة العربية فيما بعد، وقد قوبل هذا الاقتراح برفضِ عددٍ كبير من الدول الأعضاء خلال اجتماعاتِ وزراءِ الخارجيةِ الذين قاموا بإعداد جدولِ أعمال القمة التي بدأت على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء أول أمس الجمعة.واتضح أن موقف السنيورة هذا مدعوم سعوديا، وهو ما كشفت عنه كلمة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في كلمته خلال افتتاح القمة الإسلامية بدكار، التي ركز فيها »على الدور السوري في المساعدة على التوصل إلى حل للأزمة الرئاسية في لبنان«.وقال الفيصل: »نتطلع إلى دور سوري فاعل في تحقيق وفاق وطني لبناني استنادا إلى المبادرة العربية وذلك في إطار الالتزام العربي الشامل ببذل الجهود الحثيثة لحل الازمة اللبنانية«. الجزائر تحفظ هيبة العرب وقال المقداد ل»الشروق«: »من حيث المبدأ نحن نؤكد على أن التزامنا كعرب بالمبادرة العربية يجب أن لا يتغير، خاصة وأن رئيسي اجتماعي وزراء الخارجية العرب، الجزائر ومن ثم جيبوتي اللذين أقرا هذه المبادرة أثناء ترؤسها لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، حاولا بذل جهد للحفاظ على هيبة العرب وصورتهم في هذا المؤتمر، ولكن يبدو أن هنالك فئات لا تريد لا للبنان ولا لهيبة العرب ولا صورتهم إلا مزيدا من التشويه ومزيدا من الخلافات ومزيدا من الانقسامات على الساحة اللبنانية، وهذا هو الخطر الذي يجب أن نتصدى له«. من جهته قال وزير خارجية الجزائر مراد مدلسي: »مادام موقف العرب من لبنان موقفا واضحا جدا من خلال اجتماعات الجامعة العربية، ومبادرة القاهرة معروفة ونعمل على أساسها، إذا لا خلافات«.