عندما سمعت فضيلة الفاروق تتحدث في التلفزيون الجزائري من بيروت عن المرأة و الإبداع لست ادري لما راودني إحساس غريب أن هذه المرأة التي لا اعرفها إلا من خلال كتبها لديها الكثير من الأشياء التي تود قولها فعرضت عليها الحوار فاستجابت فكان هذا الحوار الصريح جدا لن اعلق كثيرا اترك القارئ وحده يكتشف عرفت روايتك الأخيرة " اكتشاف الشهوة " الكثير من الانتقادات حتى أن البعض قال انه ليس فيها من الأدب بقدر ما فيها من الجنس ما رأيك ؟ ها أنت تقولين " قال البعض" و هذا يعني أن البعض الآخر قال العكس، و هذا في حد ذاته شيئ جيد ، لا يمكنني أن أرضي كل الآراء يا سيدتي ، و لكن الرواية نالت إهتمام النقاد الكبار أمثال الدكتور علي حرب الذي لا يجامل أعز أصدقائه و هو من أهم المفكرين العرب، و الدكتور جابر عصفور، و نقاد آخرين لا يتسع المقام لذكرهم و غير ذلك فقد قررت في جامعة هارفرد ببوسطن و ناقشها طلاب الأدب العربي و أثروها بإضافاتهم جدا و هي تترجم حاليا لعدة لغات دون وساطة مني ، و دون أن أقدم رشوة عليها لتترجم، المؤسف يا سيدتي أننا في الجزائر و في بلدان عربية أخرى نعتبر أن أي حديث عن الجنس هو حديث مدنس لأن الجنس في نظرنا مدنس، و قد كان بودي أن تسألي السؤال بطريقة مغايرة بأن تعطيني إسما من الأسماء التي وصفت الرواية بأنها لا تحتوي أدبا بل جنسا ، لقد ورد في الرواية مشهدين جنسيين إنتقدت فيهما في الحقيقة السلوك الجنسي الشاذ للرجال الذين يتعلمون طرقا سيئة لمعاشرة نسائهم من الأفلام البورنوغرافية التي تملأ شاشاتنا بعد منتصف الليل... لقد تحدثت أيضا عن تعب المرأة التي تربى بشكل ساذج ثم تصطدم بالجنس الذي تعلمه زوجها في بيوت الدعارة أو من الأفلام البورنوغرافية أو من النساء الأجنبيات اللواتي لا يمتن لنا بصلة . أتحدى اي شخص قرأ روايتي أن يثبت أني حشوتها جزافا بالجنس... أنا أعرف أن نساءنا يعانين من هذا الجانب بدءا من الرجل الذي يهين زوجته حين يرى فاتنات الشاشة و هو يقارنها معهن ، إلى الرجل الذي يعتبر زوجته بقرة أو وعاء للجنس فيعاشرها لمتعته ثم يرميها و كأنها حيوان.لقد قال الله تعالى " و من آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة" بين أزواجنا و للأسف نجد بنسبة عالية غياب المودة و الرحمة خاصة في فراش الزوجية مع أن هذا الأمر بالذات لا يتطلب أي مطلب مادي . لنكن صريحين هل يمكن للزواج أن يكون ناجحا بدون علاقة جنسية بين الأزواج؟ إذا كان الجنس مدنسا فعلينا في زمن التخصيب الإصطناعي و الإستنساخ أن نتوقف عن الزواج و نتكاثر بطرق أكثر نظافة و عفة و إن كان الجنس مباحا فعلينا أن نعرف أصوله خاصة المرأة التي تجهل الكثير عن جسدها . فمادام عندنا أمهات عازبات بنسبة كبيرة مقارنة مع عقيدتنا فهذا يعني أن المرأة عندنا لا تعرف جسدها و لا تعرف عواقب الجنس و لا تعرف مكر الرجال ، دعيني أهمس لك أن أغلب الرجال الذين ليس لهم بنات يتمنون لو أن المرأة تظل على جهلها لتكون صيدا سهلا لهم، و أغلب الرجال الذين عندهم بنات يقمعون بناتهم بشتى الطرق خوفا عليهن من الذئاب البشرية ، للأسف عندنا الحياء يمنع الأب من مصارحة إبنته و تعليمها خلفيات الحياة فيضرب عليها حصارا من الممنوعات التي تعتبرها ظلما لها ، في رواياتي أقوم بدور هذا الأب لكن بقول كل المسكوت عنه ، و ليقل من يريد أن روايتي لا علاقة لها بالأدب و لكنها درس صريح لكل الشابات ليعرفن الوجه الآخر للزواج في مجتمعنا ... بدأت صحفية و انتهيت روائية هل كان لمهنتك السابقة دخلا في هذه الجرأة الصحافة تستهلك المرء لا غير، طبعا أحببت الصحافة تأثرا بوالدي و انسقت خلف بريق مهنته إلى أن تعبت منها و لكنها جرتني للكتابة فقد شعرت أني أستنفذ قواي في الصحافة ، أجهد نفسي من أجل مقال يقرأه قلة ثم يمسح به الزجاج أو يلف به السمك فيما بعدن أما الرواية فإنها تبقى،إضافة إلى أن الرواية لها هيبة الأخذ و العطاء الفكري... أما عن جرأتي فهي جينة وراثية و أظنني أخذتها من جدتي لأبي لقد كانت رحمها الله لا تخاف الرجال و في زمن الثورة حين ترملت عرفت كيف تدير أمورها و تعيش و تعيل أولادها بكرامتها، كانت طبيبة لها سمعتها في كل المنطقة و يأتيها الناس من مناطق جد بعيدة أحيانا لأنها وهبت من الله سبحانه و تعالى قوة معالجة أمراض مستعصية و قد تعلمت المهنة من رجال العائلة و ضاربت عليهم. تحضر كثيرا قسنطينة في أعمالك خاصة في " مزاج مراهقة " روايتك الأولى كما حضرت بقوة في أعمال ونيسي و أحلام مستغانمي ما هو سر هذه المدينة مع الأديبات ؟ للأسف نحن في الجزائر لا نقرأ ألأدب الجزائري على الخصوص ،هذه المدينة لم تكتب عنها زهور ونيسي و لكن ونيسي إبنة قسنطينة ، و أغلب الكتاب الجزائريين كتبوا عن قسنطينة و لعل أبرزهم من كتاب اللغة العربية الكاتب الكبير الطاهر وطار في روايته " الزلزال " التي نالت شهرة عالمية ، كما كتب عنها الكاتب المسرحي و الروائي جروة علاوة وهبي الذي لم تعطه الجزائر حقه أبدا ، و كتب عنها رشيد بوجدرة ناهيك عن مالك حداد و آخرون من شعراء جمعية العلماء المسلمين و كتاب ما قبل الثورة . لقد أنجبت قسنطينة الكثير من الأدباء و المفكرين و الفنانين لأن أجواءها مختلفة، و كانت تبهر الوافدين إليها كما ابهرتني أنا ، لعلمك أنا إبنة " آريس" و افتخر جدا بكوني إبنة هذه البلدة الصغيرة ألتي أنجبت البطل مصطفى بن بولعيد و قوافل من الأبطال الذين أستشهد منهم الكثير و ظل منهم الكثير أيضا .بالنسبة لي قسنطينة كانت الفضاء الذي استوعبني ككاتبة و هي أيضا المدينة التي استوعبت والدي قبلي و حققت بعض أحلامه و ما كانت " آريس" التي أهملتها السلطات إلى يومنا هذا لتمنحنا فضاء يتسع لأحلامنا ، لقد أبهرتني قسنطينة حين قدمت إليها و أنا في السادسة عشرة حيث التحقت بثانوية مالك حداد...وجدتها عالما زاخرا و حي غير عالم ذكريات الثورة الذي أعيش فيه في محل أحذية والدي بالتبني مع أصدقائه المجاهدين و لعل التغرب في بيروت شكل الكثير من الحنين لهذه المدينة التي فجرت مواهبي فكتبت عنها ردا للجميل . أول عمل اكتشفك فيه القارئ هو " لحظة لاختلاس الحب " ثم مزاج مراهقة " التي أشاد بها كثيرا الإعلام العربي لكن في مقابل الكثيرين صنفوا عملك الآخر " تاء الخجل " بالسقطة الأدبية في تاريخك ما رأيك أيضا سأذكرك أنك تقولين البعض و هذا شيئ طبيعي و لا يزعجني،و في كل الحالات فروايتي " تاء الخجل " هي التي جذبت إهتمام النقاد لي ، أقول نقادا بمعنى أكاديمي و جاد و ليس قراءات صحفية لإعلاميين يقدمون العمل من وجهة نظرهم . و حقيقة لن أدافع لا عن تاء الخجل و لا عن إكتشاف الشهوة لأني أعرف تماما أن جمهور القراء يختلف و لست هنا لأروج لروايتي التي يراها البعض سقطة أدبية و لكني أعرف لماذا هوجمت أيضا تاء الخجل و هي لأنها تتناول موضوع الإغتصاب و ما يترتب عنه بالنسبة للمرأة المغتصبة ... إن البعد الإنساني في القضايا التي أطرحها و حساسيتها يجعل دائما من يقف في وجهي للترويج عكسا للعمل و هذا يعني أني وضعت الإصبع على الجرح. لو كنت رجلا و أغتصبت إبنتي صدقيني لن أرميها في الشارع و لكني سأذبح المغتصب في ساحة أمام الناس مادام قانوننا المحترم يدلل المغتصب و يودعه السجن لبضع سنوات فيما المغتصبة تعيش في جلباب عارها إلى أن تموت و كأنها عاهرة... أنظري إلى قانوننا المحترم ما ذا يقول " إذاما تقدم المغتصب للزواج من البنت التي اغتصبها يسقط الحكم عنه ؟ هل تجدين هذا منطقيا ؟ لقد إغتصبها أول مرة بالإكراه ثم بعدها تسلم له ليغتصبها بالقانون ثم عادة يطلقها و يرميها ,أو يعيش معها كأنها خادمة من الدرجة العشرين يذلها كل يوم و باسم القانون... فعلا الرواية سقطة أدبية كان يجب أن أكتب موضوعا عن الربيع أو الخريف ليرضى علي اساتذة الرواية و صناعها!!! تقود فضيلة الفاروق في أعمالها حربا لتحرير المرأة بينما من يعرفك يقول انك محافظة جدا هل هذا تناقض ؟ أنا امرأة متحررة جدا ، أي لا أحد يفرض علي رأيه، أعيش في وسط مسيحي و أصلي صلواتي الخمس في أوقاتها و الحمد لله ، و لا أقترب من الكحول و مقارنة مع النساء اللبنانيات أنا أرتدي ثياب محتشمة جدا، اصوم شهر رمضان الكريم و إن تسنى لي صيام ايام أخرى أصومها ، أنا مع الزواج و ليس ضده و مع تعدد الزوجات و ليس ضده، و لي في كل شيئ وجهة نظر، أعرف أن العلاقة الصحيحة بين رجل و امرأة هي الزواج لأن الزواج يحمي المرأة و ليس الرجل، أعرف أن تعدد الزوجات ايضا في صالح المرأة و لكنها لا تعلم لأن ثقافتنا الجنسية ضعيفة جدا و لأني أعرف أن الرجال عموما ليسوا بالوفاء الذي يجعلهم ملائكة و لا يعاشرون نساء أخريات ، إذن أفضل أن يكون زوجي متزوجا من أخرى أعرفها على أن يضحك عليّ و على بنات الناس و يقفز في كل مرة من امرأة إلى أخرى دون أن يعرف من أصلهن و فصلهن و أمراضهن و غاياتهن، أن تتحرر المرأة في نظري هي أن تعرف حقوقها و تمارسها و تعرف كيف تحمي نفسها . حسنا سأخبرك أن التحرر خاصة في الوسط الفني و الأدبي يعني التحرر الجنسي أو شرب الخمور أو التخلي عن الصلاة و الصوم و أشياء أخرى حسنا لنتخلى عن هذه الأشياء فماذا بقي لنا؟ ربما حياة مفتوحة على عمل متواصل و فوضى و تعب نفسي ، في بيروت أكون مع أصدقاء أحيانا في مقهى النجمة و حين يرتفع الآذان أستأذن لأصلي في المسجد العمري بالقرب ، أصدقائي يندهشون لماذا أفعل ذلك فيما نحن نتسلى معا فأجيبهم لأشكر الله على أنه منحي أصدقاء مثلكم و لم يتركني وحيدة في بلد جئته و لا أعرف فيه أحدا ألا يستحق مني خمس دقائق فيما أنتم تأخذون ساعتين مثلا ؟ التحرر هو أن تتحرري من سلطة المخلوق التي لا نهاية لها ،فحين أجد مثقفا يشيد بتشيغيفارا أو بفكر سارتر أو بفكر نتشه أشيد أنا بمحمد عليه الصلاة و السلام دون خوف، و أحمي نفسي بصراحتي التي تصدم أحيانا... هذا هو التحرر في نظري و لكنهم يسمونه محافظة ربما لأنهم يعرفون أني أحسن كيف أحافظ على نفسي و الحمد لله . هل صحيح أن بيروت صدمتك ؟ في الأول نعم ، كأي فرد جزائري مغلق و يظن أن الكون كله مبني على أنه هو الصح، وجدتني في بيروت أعيش مع ستة عشرة طائفة دينية مع طوائف أخرى يشكلها الوافدون الكثيرون على لبنان ، عرفت مسحيين من كل الطوائف ، عرفت مسلمين من كل الطوائف ، عرفت ملحدين و بوذيين و هندوسيين و هلم جرا ، صدمت بدرجة التعري هنا ، صدمت بأناس مسلمين لا يصومون ، صدمت بالعلاقات بين البشر كيف هي مبنية على المصلحة فقط، صدمت بأسماء أدبية كبيرة بلا أخلاق بالمرة ، صدمت بطقوس الشيعة و العاشوراء الدامية ، صدمت بنظرة المسحيين للمسلمين على أنهم إرهابيين و كائنات دموية ، صدمت بأشياء كثيرة ووجدت ايضا أشياء كثيرة جميلة وجدت التعايش و تقبل الآخر ووجدت التعري الذي لا يهم أحد، الرجال يمرون قرب شابات في غاية الإثارة و لا أحد ينظر إليهن أو يلقي عليهن كلمة تحرش ، صدمت لأن ما تعلمته من مبادئ في بلادي يختلف عن مبادئ الحياة في بيروت ، الأخلاق هنا غير مرتبطة لا بالدين و لا بالجامعة التي تخرجت منها ، اليوم و بعد إثنتي عشرة عاما في لبنان أتعايش بشكل تام مع محيطي، ما عدت مصدومة و لكني فهمت عجلة الحياة كيف تدور و يكفي أن اللبناني يحترم المرأة المثقفة جدا و يقدرها جدا حتى و هي ترتدي مايوه من قطعتين.... بينك و بين أحلام مستغانمي حربا لا تهدا و الكثيرين يؤكدون انك تتعمدين مهاجمتها لتصلي إلى ما وصلت إليه هل هذا صحيح ؟ أحلام لها طريق لم أستطع أن أمشي فيها و الله سبحانه و تعالى قال " وهديناه النجدين " و أنا اخترت طريقا تناسب مبادئي و أخلاقي و ريفيتي التي تلاحقني أينما حللت، لقد كانت خيارات منذ البداية و إن كنت تعتبرين أن دفاعي عن زهور ونيسي و مبروكة بوساحة و جميلة زنير و كل الكاتبات اللواتي أهملهن التاريخ الأدبي في الجزائر لأنهن سبقنها في إثراء الأدب الجزائري بأقلامهن بالكتابة باللغة العربية تعمد لمهاجمتها فليكن... مشكلتي يا سيدتي أني أحب بلادي في العمق و أحترم كاتبات بلادي و أذكرهن في كل مقام و مقال و من السخف و المهزلة أن نشاركها كذبتها الشهيرة على أنها أول من كتب باللغة العربية في الجزائر مسيئين جميعا لأقلام تستحق الإحترام ، يا سيدتي " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ...فإن لم يستطع فبقلبه و ذاك أضعف الإيمان " و قد قلت أن الجزائريين على الخصوص لا يقرأون جيدا و إلا لعرفوا من هي أحلام كنص على الأقل...أتأسف أن كتب مالك حداد مرصوصة في المكتبات دون أن يقرأها أحد، و أغلب الصحفيين الذين يطرحون علي هذا السؤال لم يقرأوا لا أحلام و لا مالك حداد و لا غادة السمان و لا غيرهم ليعرفوا ما أعرفه أنا... و في كل الحالات لماذا أحتاج لمخلوق لأصل ما دام الخالق معي ؟ لمرة أخيرة سأقول أن أحلام مرحلة انتهت من حياتي و لن أجيب على اي سؤال يطرح حول هذا الموضوع مستقبلا إذ يبدو اليوم أن لا أحد يذكرها في الإعلام العربي غيري ، طبعا غير ما ترويه عن يومياتها و أختها و خادمتها و حلاقها وسفراتها بالفيرست كلاس و شقتها للكتابة في نيس و...و ... في صفحتها الأسبوعية في زهرة الخليج . حوار زهية منصر:[email protected]