يمُر التيار المدخلي في الجزائر وعدد من الدول التي ينتشر فيها بمرحلة مفصلية جديدة ومنعطف تاريخي خطير يرى فيه الشيخ محمد علي فركوس أنه سيقود السلفية في الجزائر إلى ازدهار كبير؛ في حين يرى فرقاؤه داخل البيت المدخلي بقيادة عز الدين رمضاني أنه سيؤدي إلى انقسام "السلفيين" وذهاب ريحهم. تفتح الشروق في هذه الورقة الخاصة، ملف المدخلية في الجزائر، لتعرف القارئ والمتابع بحقيقة ما يجري في الساحة، خاصة وأن ذلك ترافق مع ارتفاع نبرة عدد من الدعاة ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف ضد المداخلة وفركوس، بعد استصدار الأخير فتوى "بدع" فيها عموم الجماعات والفرق الإسلامية، باستثناء بعض من يوافقه "التشدد" داخل التيار المدخلي وليس كله، ووجب التنبيه أن الأبعاد الحقيقية لبيان فركوس لم يرد به ذلك الصخب الإعلامي الكبير، وإنما كان موجها للداخل المدخلي فقط، وهو الأمر الذي يعرفه أتباع التيار ولم ينتبه له الكثير. التيار المدخلي … تاريخٌ من التبديع والانقسامات ليست المرة الأولى من نوعها التي يشهد فيها التيار المدخلي حالة من الارتباك، فمنذ بروزه بداية التسعينات عانى من العديد من الانقسامات والمحاولات الانقلابية ترافقت مع تبديع المداخلة بعضهم بعض، ليس بإسقاط الجزائري العيد شريفي، ولا انتهاء بتبديع فالح الحربي ومحمود حداد وأبي الحسن المأربي اليمني ومحمد المغراوي المغربي، الذين شكلوا إلى مدة زمنية معينة صمام أمان للتيار في أوطانهم قبل أن تطالهم "لعنة" الطرد من المنهج المدخلي على لسان مؤسسيه في المملكة، وإذ أنّ الملف لن يتناول كل تلك الاضطرابات التي تلزمها مجلدات لجردها، وإنّما ما له علاقة مباشرة بالانقسام الأخير، فإنّه لابد من التعريف بالخارطة النهائية للتيار قبل ما سمي بفتنة الحلبي أو ظهور كتابه "منهج السلف الصالح" الذي يمثل بداية تدحرج كرة الثلج التي ستؤدي بعدما يقارب عقدا من الزمان إلى التصدع الضخم في التيار المدخلي "الاثناعشري" في الجزائر والكثير من البلدان. خارطة التيار المدخلي قبيل فتنة الحلبي أمسك ربيع المدخلي بعد عقد من نشوء حزبه على زمام الأمور، وأصبح له في كل موطن ينتشر فيه التيار المدخلي بكل أنواعه عدد من الدعاة الذين يوالون ويعادون فيه أو يحظون عنده بالأسبقية والاحترام ولو خالفوه في عدد من المسائل. اليمن من المأربي إلى بن بريك ففي اليمن وبعد الانتهاء من أبي الحسن المأربي وتبديعه بتهمة ظاهرها التطاول على الصحابة، وحقيقتها أنه لما سئل من سلفي أمريكي عن التبديع وإن كان لابد فيه من العودة إلى ربيع المدخلي، فنفى ذلك وقال لا يجب عليك العودة إليه، ثارت حفيظة المؤسس وأمر بتبديعه، وهنا استخرجوا له بعض العبارات واتهموه باستنقاص الصحابة وأغلقوا عليه باب التوبة والرجوع، وصارت الدعوة المدخلية في اليمن إلى مدرسة دماج التي كانت إلى قبيل تدميرها من الحوثيين رمز التيار المدخلي في اليمن بقيادة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي. وما إن توفي حتى عادت الولاية فيها لعدد من طلبته بقيادة الحجوري، إلا أن الأمر لم يستمر طويلا وتم تبديعه من القيادي في التيار بالمملكة عبيد الجابري، فأصبحت اليمن على جناحين، يدين كلاهما بالولاء للتيار المدخلي جناح الولاء لعبيد الجابري بقيادة أبي عمار الحذيفي، وهاني بن بريك الذي سيكون فيما بعد سببا مباشرا في الفتنة التي عمت التيار المدخلي، وعدد يوالي ربيع المدخلي ومحمد المدخلي وأهمهم محمد الإمام كان واضحا في ولائه والذي له دور مهم بدوره في الفتنة الأخيرة، في حين كانت مواقف الوصابي والبرعي والعدني ضبابية وكانوا أقرب لعبد المحسن العباد منهم إلى ربيع. الأردن … بداية النهاية رغم حفاوة التيار المدخلي بتلاميذ الشيخ ناصر الدين الألباني في الأردن، إلا أن هذه الجماعة مرت بعدة "تبديعات" من القيادة في السعودية، بدأت من إسقاط حسن مشهور مرورا بمحمد شقرة إلى أن أصبح دعاة الأردن "الألبانيون" عند المداخلة من أكثر الأعداء وأشدهم "خبثا" و"طعنا" في المنهج السلفي. مَثل التيار في الأردن قبل الفتنة شيوخ مركز الشيخ الألباني وهم عوايشة وجوابرة وآل نصر ومشهور والعبادي مع الحلبي، ورغم أن حسن الحلبي لم يكن على توافق مع ربيع بن هادي المدخلي بخصوص تبديعه عدد من الدعاة، وعلى رأسهم أشهر سلفيي مصر حسان ويعقوب والحويني، فرغم تبديعهم من المدخلي بقيت لهم علاقات جد وطيدة وثناء من حسن الحلبي، إلا أن ذلك لم يصل حد إسقاطه من التيار المدخلي، خاصة وأنه في هذه التزكيات لدعاة مصر له سند في المدينة النبوية بقيادة الشيخ الذي يحظى بالقداسة عند المداخلة عبد المحسن العباد، فبقي الحلبي هو اليد اليمنى لربيع المدخلي في الأردن غاضا الطرف عن مخالفاته. السعودية… أقل دول العالم انتشارا للتيار المدخلي! تعرف السعودية بأنها من أقل دول العالم انتشارا للتيار المدخلي، لعدة أمور أهمها أنه لا يمكن فيها المتاجرة بإرث الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا اللعب على أوتار التوحيد والأسماء والصفات، فالبلاد يدين عموم دعاتها وشعبها بالولاء للدعوة السلفية وأئمة الدعوة النجدية بقيادة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لهذا لم تلق المدخلية صدى كبيرا في المملكة وبقيت محصورة بين عدد من الدعاة والمشايخ "المنبوذين" من عموم دعاة المملكة، وتصدى لوقف دعوتهم من البداية رموز كبيرة في البلاد أهمهم عبد العزيز بن باز وعلماء هيئة كبار العلماء ومحمد صالح العثيمين وبكر أبو زيد وابن جبرين وعبد الله بن قعود وغيرهم، فبقيت منحصرة ترى أنّ الدعوة مباركة وكبيرة ومنتشرة ويعرف الناس لها قدرها خارج المملكة في الجزائر والسودان ومصر وليبيا وغيرها. ومر التيار المدخلي بعدة انقسامات في المملكة انتهت إلى تمييز كل من ربيع بن هادي المدخلي وعبيد الجابري (صاحب مقولة الجزائريين والليبيين حمير إلا من رحم الله) والمقدم عند المدخلي عن أقرانه عبد الله البخاري. وكان للمكانة الكبيرة التي حظي بها عبد الله البخاري قليل الزاد مقارنة بغيره عند ربيع المدخلي على حساب حتى ذوي القرابة للمدخلي كمحمد المدخلي علاقة بالفتنة الأخيرة بينهم. المرحلة الذهبية للتيار المدخلي عرفت الجزائر في وقتٍ مبكرٍ مرحلة ذهبية للتيار المدخلي بسبب العلاقات القوية التي أقامتها السلطات الجزائرية مع نظيرتها في السعودية لتقوية التيار المدخلي وفتح الباب له للحصول على بعض الامتيازات خاصة دخول الجامعات والتقرب من المشايخ وحتى إيجاد فرص مالية لهم عن طريق الاستثمارات في الكتاب الديني وغير ذلك، وكان قصد السلطات هو استعمالهم لكبح جماح التيار الإسلامي المسيس في البلاد، ومنع الشباب من الانجذاب والتعاطف مع بعض الشخصيات الإسلامية ودعاة السلفية الحركية بعد مرحلة الوئام المدني، وقد نشر دعاة التيار المدخلي في الجزائر، كما هي الحال مع الشيخ لزهر سنيقرة قبل فترة رسالة بين الرئيس بوتفليقة وربيع المدخلي بينت العلاقات الدافئة بينهما، هذه العلاقات لن تستمر على حالها فقد بدأت السلطات تضربُ جرس الإنذار بعد فتوى الجهاد المدخلي إلى جانب حفتر في ليبيا انتهاء بدق ناقوس الخطر بعد بيان فركوس "التضليلي" للأمة. وينقسم التيار السلفي التقليدي في الجزائر إلى طرفين متحاربين: 1- "السلفية الوطنية" كما يسميهم الشيخ فركوس، في حين يرفضها أصحابها وتضم عددا كبيرا من السلفية "العلمية" المغضوب عليهم من التيار المدخلي الذين تم إسقاطهم واحدا تلو الآخر بسبب عدم انصياعهم التام إلى أوامر شيخ التيار، أو محاولتهم الالتفاف عليه ومنازعته الأمر في الجزائر. وأول هؤلاء هو محمد العيد شريفي الذي طفح به الكيل في وقت مبكر وقبل حدوث التصدعات الكبيرة في التيار المدخلي، فرفض تبديع المدخلي لليمني أبي الحسن المأربي والمغربي محمد المغراوي، ثم رفض بعض خيارات كبار علماء المملكة كصالح آل الشيخ، ولم ينته به الأمر حتى اتهم علماء السعودية بأن منهم من يريدها سلفية نجدية تدين له بالولاء، ولم يجد حرجا في التكلم في ربيع المدخلي والتهوين من شأنه، الأمر الذي سلط عليه الأضواء الكاشفة من ربيع المدخلي واستخرجوا له عبارة محتملة وجعلوه يستنقص من الصحابة وطُوي ملفه، وانتهى أمره عندهم ووصفوه بالمبتدع الضال الخبيث وكل نعوت الضلال. وتدحرجت كرة ثلج التبديع لتجرف في طريقها كل من لم ينصع إلى أوامر ربيع وخياراته، فانتهت الحال بأبي سعيد بلعيد البليدي وعبد الحليم توميات ومحمد حاج عيسى وكمال نور وغيرهم إلى التضليل، وأخيرا سيلحقُ بهم عبد المالك رمضاني الذي كان رمزا للتيار المدخلي في الجزائر وأعلم دعاته. هذا التيار "السلفية الوطنية" كما يسميه فركوس، جمعته قناة الأنيس وأصبح لهم حركية وعمل وانتشار أكبر، وهو الأمر الذي دق ناقوس الخطر عند الطرف الثاني المدخلي. ومن المهم هنا ذكر أن أحد علماء الفقه المالكي الصاعدين الذي يتفوق على كل دعاة السلفية في الجزائر برصيده العلمي الذي لا يدين بالولاء للمدخلي، كان له الأثر الكبير في الانقسام الأخير، بسبب خوف التيار المدخلي الاثنا عشري من انهيار زعاماتهم تحت قوته العلمية، والمقصود هو صاحب كتاب العجالة في شرح الرسالة ابن حنفية العابدين ابن ولاية معسكر، ويربط الكثير تقلص تأثير التيار المدخلي في الغرب الجزائري به. وعموما، يمتاز أتباع هذا القسم بالانشغال بالدروس العلمية والتربوية وشرح المتون وإلقاء المحاضرات وإقامة الدورات دون تطرق منهم في الغالب إلى مسائل تبديع الجماعات العاملة في مجال الدعوة الإسلامية مع تجويزهم للعمل الجمعوي المنظم، فيما يختلفون في رؤية العمل السياسي. مع التنبيه إلى أن أغلبهم يجتمعون مع التيار المدخلي -غالبا- في إعطاء الولاية على المسلمين لمن يحكم بغير الإسلام ولا يرون بتكفير الأنظمة الموالية للغرب، كما أن لهم نفس النظرة المُصادمة للتيارات الجهادية مع علاقات مهادنة وليست داعمة من بعضهم جماعات التيار الإسلامي السياسي وبعضهم يعلن مخالفته لها وتشنيعه على مسالكها وإن لم يكن بنفس درجة التيار المدخلي، ويمكن القول إن هذه التيار ليس ممثلا في منهج واحد وما يقوم به البعض لا يلتزم به غيره. ويرى مراقبون أن بعض وجوه هذا التيار قد تكون بديلا مناسبا للسلطة في حال قررت إعلان قطع أي علاقة لها بالتيار المدخلي، خاصة أن بعض المنتسبين إليها أظهروا ليونة أكثر في العمل مع السلطة. 2- التيار المدخلي: وهم مجموعة كبيرة من الدعاة وطلبة العلم الذين يدينون بالولاء للتيار المدخلي يقودهم اثنا عشر داعية سواء قبل الفتنة أم بعدها، فهم وإن اختلفوا في الجدير بالقيادة حاليا ما بين عبيد وربيع والبخاري عند قسم، ومحمد المدخلي عند آخرين، يرون كما نقل صاحب مدرسة عكاظ حمودة عن البعض أن سنيقرة قال: "الشيخ ربيع أصبح ينسى"، ومن أجل هذه التهمة بالخرف وبالضغوط عليه رفض فركوس تدخل ربيع ورد تعديله لمشايخ الإصلاح وتحذيره من مجالس محمد المدخلي. أن نفصل في هذا الخلاف نذكر بأسماء التيار المدخلي في الجزائر، وهم كل من محمد علي فركوس أحد أقطاب كلية الخروبة وصاحب المجالس الصباحية غير المرخصة في مسجد الهداية بالقبة قبل منعه من الخطابة به، حيث حول مجالسه إلى مكتبته، وعز الدين رمضاني الذي عين في مسجد عين النعجة بتعليمات فوقية، ولزهر سنيقرة الإمام السابق بمسجد في حي الصنوبر البحري في الضاحية الشرقية للعاصمة، وعبد المجيد جمعة الأستاذ الجامعي السابق، إضافة إلى الأستاذ بجامعة وهران عبد الخالق ماضي، ورضا بوشامة الأستاذ كذلك بجامعة الخروبة، وعبد الحكيم دهاس وهو أستاذ متقاعد بالثانوية ويعقد مجالس ببيته، وعبد الغني عويسات وتوفيق عمروني، وعثمان عيسى أستاذ بالثانوية وكانت له دروس في مسجد سوريكال سابقا بالعاصة، وعمر الحاج مسعود إمام خطيب ببرج الكيفان، ونجيب جلواح إمام بحي 720 بعين النعجة، المقرب من فركوس، ويقال إنه المشرف على إدارة الموقع، وإلى جانب هؤلاء الاثنا عشر نجد حسن ابن العلامة الطاهر آيت علجت، وهو إداري بجامعة الخروبة ويكتب بالإصلاح ويحضر الدورات العلمية.