الظاهر أن الحلّ في المستشفيات ليس غدا، فطرفا النزاع في هذه "الهوشة المرعوشة"، يصران على ركوب رؤوسهم، ولا يتكلمان مع بعضهما البعض إلاّ بكلمات "التغنانت"، ولا علاقة بينهما إلا بحوار الطرشان، وهذا ما أدخل القطاع في نفق مظلم، وحوّل المرضى إلى "فئران تجارب"، وفي أحسن الأحوال إلى رهائن يتقاذفها هؤلاء وأولئك في مشكلة لا تعنيهم! كان المريض ينتظر من شركاء القطاع، أن يجلسوا إلى طاولة واحدة، لدراسة وتدارس سُبل ترقية الخدمات الصحية، وتطوير وسائل العلاج بالمستشفيات والمراكز الطبية، لكن الواضح أن القطاع مرض مرضا مزمنا، ولا يُمكنه، إلى أن يثبت العكس، أن يُعالج غيره، وهو في وضعية محرجة، تستدعي عملية جراحية عاجلة لتخليصه من الورم! هل يُعقل أن يستمر الوضع الكارثي والمأساوي بمستشفياتنا، لمدة تجاوزت الأربعة أشهر، دون أن يصل الطرفان إلى حلّ مقبول وبديل معقول، للجميع، بمن فيهم المرضى الذين يدفعون فاتورة "الحرب" وقد كرهوا من لعبة المدّ والجزر والقطّ والفأر، التي حوّلت المستشفيات إلى ساحة معركة تستعمل فيها كلّ الأسلحة المحظورة والمحرّمة ضدّ الدروع البشرية! الأكيد أن هناك مطالب مشروعة يرفعها منذ مدة مستخدمو قطاع الصحة، في مختلف المستويات والمناصب والتخصّصات، لكن إلى متى تستمرّ الأزمة، وتتواصل معها المعاناة، ولا يُريد طرفا الخصومة الاستسلام للغة العقل والتنازل، وكلاهما يُمسك بالخيط من آخره، متهما الآخر، بالتخلاط والتخياط، ورفض التفاوض، وتعجيز الخصم بمطالب لا يُمكن تحقيقها! أطباء ومسؤولون، يُجمعون بأن الوضعية أصبحت كارثية ولا تُطاق، نتيجة التصعيد والتعفين، وبسبب غلق الأذن وتشميع كلّ قنوات الحوار والاتصال، والنتيجة هذه الفوضى والاحتجاجات ورياح الغضب، التي انتقلت من صفوف الأطباء والمستخدمين ومعهم الإدارة، إلى المرضى وعائلاتهم، بعدما دخلوا دوّامة تأبى أن تنتهي، والأخطر من ذلك، أن حياة بعضهم أصبحت مهددة بمخاطر جمّة! المطلوب حلول عاجلة وعادلة، للخروج من عنق الزجاجة، ولن يتحقق ذلك بدون شكّ إلا بتغليب صوت الحكمة، وبالتنازل، والعمل بالمثل الشعبي الشهير الذي كبرنا به ويقول "من عندي وعندك تنطبع وإذا من عندي برك تنقطع"، وهذه واحدة من الطرق التي قد تُقنع الأطراف المتحاربة، وتنتهي بهم في مخرج النجدة، وإلا لا صوت يعلو بعدها فوق صوت "الله يهديهم"! نعم، لقد ضاع الكثير من الوقت، وكان بالإمكان استغلال الأسابيع التي أهدرت، في ما يخدم قطاع حيوي يصنع الحياة لكلّ الجزائريين، وإن كانت الأعمار بيد الله، لكن الصحة هي تاج إن ضاعت ضاع كلّ شيء!