الكوليرا.. الوباء الذي حلّ في الجزائر تزامنا مع غلاء المعيشة وتخبط العائلات في مشاكل اجتماعية كثيرة، أصبح هاجسا يطارد يوميات الكثير من المواطنين وينغص على بعضهم حتى عطلة الصيف.. تخوفات أشبه ب"فوبيا" من كل شيء أحيانا، فرغم تأكيد وزارة الصحة على أن الوباء مصدره منبع مائي بمنطقة حمر العين بولاية تيبازة، بقي الشك يحوم حول الخضر والفواكه ومياه الحنفيات ومياه الشواطئ في العاصمة وتيبازة. هجرة جماعية للمصطافين من ولايات أخرى للشواطئ، ورغم أن أكثر الأسباب تتعلق بعودة هؤلاء المصطافين مع عيد الأضحى إلى منازلهم وانشغالهم باستعدادات الدخول الاجتماعي، إلا أن الكوليرا زرعت الخوف في قلوب الكثير منهم، ففضلوا أن يبتعدوا عن العاصمة وشواطئها تجنبا لأي عدوى أو إصابة بالوباء قد تضاف إلى جملة المتاعب والانشغالات اليومية التي أثقلت كاهلهم. في جولة استطلاعية، الأحد، قادت "الشروق" للعديد من شواطئ العاصمة، وولاية تيبازة، بدا جليا هجرة الكثير من المصطافين، البحر قبل انتهاء موسم الاصطياف، وحتى المطاعم والمنتزهات الساحلية، عرفت عزوفا ملحوظا وباتت مهجورة في بعض المواقع، ورغم مصادفتنا لمصطافين توافدوا في حدود الحادية عشرة صباحا على شواطئ معروفة بنظافتها في سيدي فرج وزرالدة، تبقى ملامح الهجرة المبكرة لها من طرف مصطافي المدن الداخلية بادية للعيان. مصطافون.. بين فوبيا الكوليرا ومتعة السباحة لدى وصولنا إلى الشاطئ الغربي لسيدي فرج بسطاوالي، كان مصطافون يتوافدون عليه، وفي أجواء هادئة، وكانت النساء والشباب أكثرهم إقبالا، بعد الحديث معهم، أكدوا أن اغلبهم من أحياء مجاورة للشاطئ، وكان الذين يقطنون في ولايات أخرى غائبون تماما، وقد أكد لنا أحد أعوان الحراسة، أن موسم الاصطياف انتهى قبل أوانه، ورد ذلك إلى عيد الأضحى والدخول المدرسي، واستبعد فرضية تخوف المصطافين من مياه البحر وإصابتهم بالكوليرا. وفي السياق، قال أحد الشباب، إن الكوليرا جعلته يشك في كل شيء حتى مياه البحر، ولكن شعوره بمتعة السباحة، ينسيه في كل المشاكل والأمراض، ويعرف جيدا حسب ما أكد، أن مياه البحر لا تصيب بعدوى الكوليرا، غير أنه يفكر من حين لآخر في وجود أشخاص على الشاطئ قد ينقلون إليه الكوليرا. وحسب سيدة كانت مع أولادها، فإن أقاربها الذين قضوا عندها أياما من عطلة الصيف، رفضوا البقاء في العاصمة تجنبا لأي عدوى. وفي أحد شواطئ زرالدة غرب العاصمة، قال أحد المصطافين وهو تاجر من ولاية الشلف، إنه بقي عند شقيقته المتزوجة في العاصمة، ونصح والدته بالعودة إلى شلف، خوفا عليها، خاصة وأنها متقدمة في السن.hg وأكدت زوجته، من جهتها، أن شراء المياه المعدنية لم يزل المخاوف من قلبها، ورغم ان الشاطئ يشعرها بالراحة، لكن ينتابها وسواس الكوليرا عندما ترى أولادها وسط مجموعة من المصطافين وهم يسبحون وسط المياه. رعب من الشواطئ القريبة من المياه القذرة في شاطئ دواودة البحري، وشواطئ أخرى مجاورة له، كان عدد المصطافين الذين يسبحون يعد على الأصابع، ويبدو أن اغلبهم من عائلات متوسطة الحال، حيث كان الأطفال يرمون بأجسادهم وسط مياه الشاطئ الذي كان هائجا قليلا، فمال لون مياهه إلى الرمادي الداكن، وفضل البعض من هؤلاء المصطافين الاستمتاع دون السباحة، حيث قال كهل كان رفقة ابنه، إن الشاطئ ملوث بمياه واد مزفران غير البعيد عنه، ولا يستبعد أن ينقل الكوليرا. فيما فضلت عائلات تقطن قريبة من شواطئ دواودة وزرالدة، السباحة والتمتع ببقية أيام الصيف دون التفكير في داء الكوليرا، ورأت أن هجرة الكثير من المصطافين للشواطئ، منح لهم فرصة الشعور بالهدوء والراحة، وساهم ذلك حتى في تدني أسعار بعض الخدمات. وعبرت 3 نساء يقطن في حي قريب من شاطئ دواودة، عن أجواء الهدوء وشبه خلو الشواطئ من المصطافين، حيث قالت إحداهن "كنت لا أفضل هذا الشاطئ القريب من منزلي، ولكن هجرة المصطافين القادمين من كل مكان، جعلني اليوم أتي إليه وأسبح مع أولادي". وكشف مصطافون، أنهم من عائلات فقيرة وأن أبناءهم لم يصبروا على البحر، حيث رغم شعورهم بالخوف الشديد من المياه القذرة في شواطئ زرالدة ودواودة البحري، إلا أنهم خاطروا بأنفسهم وأبنائهم دون تفويت متعة موسم الاصطياف.