مع بداية يوم جديد، تمتلئ شواطئ العاصمة بالمصطافين في لحظات استجمام، يستمتعون فيها كبارا وصغارا بالسباحة والتعرض لأشعة الشمس.. أجواء صيفية جميلة تعكرها في بعض الأحيان حالات غرق أو اعتداء أو ممارسات لا أخلاقية من قبل أفراد يحاولون فرض وصايتهم على بعض المصطافين بشكل يتعارض مع القانون. 65 شاطئا مسموحا للسباحة على طول الساحل العاصمي، رافقت "الشروق" مصالح الحماية المدنية، إلى بعض منها في الجهة الغربية، حيث كانت الانطلاقة من شاطئ سيدي فرج في حدود التاسعة صباحا، ومن خلال هذه الجولة الاستطلاعية رصدنا إلى جانب الإقبال الكبير للمصطافين، مظاهر تثير الاستغراب والدهشة وتصرفات خارج القانون.. أطفال يبلغون العامين نزلوا إلى الشاطئ بمفردهم!.. ومراهقون يغامرون بأنفسهم في شواطئ ممنوعة وصخرية وركوب "الجيسكي" لأجل "السيلفي"!.. عائلات نزحت بأطفالها إلى شواطئ لا تزال الأشغال جارية بها وكتب على مداخلها "ممنوع السباحة"، ورضخوا لأشخاص حولوها فضاءات "بزنسة"!!. حسب معطيات الحماية المدنية، فإن عدد المصطافين في شواطئ الساحل العاصمي، تجاوز المليون و500 ألف مصطاف، وتدخلت ذات المصالح أكثر من 1459 مرة منذ بداية موسم الاصطياف لإنقاذ الأشخاص، حيث بلغ عدد الذين تم إنقاذهم من الموت غرقا 355 بينهم 98 رجلا و40 امرأة.
217 طفل أنقذوا من الموت غرقا.. وحالات لأطفال تائهين لا يختلف اثنان على أن الأطفال والمراهقين هم الأكثر ولعا بالسباحة في البحر، حيث يجدون أنفسهم في تآلف ينصهرون فيه مع الكبار وسط حركة فضاء حميمي تنمحي فيه فوارق السن، من اجل بحث مشترك عن المتعة والتسلية، لكن هناك ثمة ما يعكر صفو هذه المتعة، خاصة إذا سلب البحر عقول هؤلاء الأطفال وراحوا يركبون المخاطر في انقياد لاإرادي دون وجود أهاليهم أو مسؤول عنهم!.. عشرات الأطفال ما بين السنتين إلى 16 سنة وجدناهم بمفردهم دون أهاليهم في كل من شاطئ سيدي فرج، وشاطئ النخيل وحتى في الشاطئ الأزرق الممنوع للسباحة. منهم من قدموا للبحر بمفردهم وآخرون ضاعوا بسب إهمال عائلاتهم، وأطفال رافقوا شبانا لم يتجاوزوا ال21 سنة يسبحون ويركبون زوارق وحتى الجيستيكي في إهمال تام ولولا حراس الشواطئ لابتلع البحر اغلبهم. منال وآدم طفلان يبلغان من العمر سنتين، ينزلان إلى الشاطئ الغربي لسيدي فرج غير مسموح للسباحة، يوميا منذ بداية شهر جويلية، بمفردهما، حيث يخرجان من منزلهما القريب من المنطقة وينحدران نحو الشاطئ يلعبان ويسبحان بكل حرية، وأحيانا يرافقهما الطفل محمد البالغ من العمر 4 سنوات. وأكد احد الشباب المرتادين لذات الشاطئ، أن هؤلاء الأطفال لا يخافون البحر، ويرتمون في أحضان الأمواج العاتية دون خوف. والغريب والطريف في الأمر، أن الطفل محمد أصبح مرشدا للأطفال الذين التائهين في الشاطئ!.. حيث اخبرنا مصطاف، أن محمد امسك طفلة تائهة من يدها وتمكن من إيصالها إلى والدتها التي استقبلتها حسب ذات الشاهد، بالضرب وهو تصرف حسبه، يؤكد أن بعض الأولياء يعتقدون أن الطفل يتعلم وحده دون مسؤولية منهم. قال لنا الطفل محمد، أنه لا يخاف البحر وان عائلته تتركه طول النهار في الشاطئ، حيث يعتبر نفسه سباحا ماهرا، ويركب الزورق والجيتسكي بمفرده. أطفال اكبر منه سنا، تتراوح أعمارهم بين 7 سنوات و14 سنة قدموا من ولايات مجاورة بعضهم رافق شبابا لا يتعدون ال22 سنة، وجدناهم في شاطئ سيدي فرج وشاطئ النخيل وفي شواطئ غير مسموحة للسباحة. وأكد الملازم الأول بن خلف الله خالد من خلية الإعلام لمديرية الحماية المدنية لولاية الجزائر، والذي رافقنا خلال جولتنا عبر الشواطئ، أن عدد الأطفال المنقذين من الغرق الحقيقي إلى غاية 26 جويلية، تجاوز ال217 طفل بينهم 139 طفل ذكر و78 أنثى.
مراهقون يعشقون "الممنوع" في الشواطئ لأجل "السيلفي" قبل أن نصل بلحظات إلى شاطئ سيدي فرج الغربي، رفقة مصالح الحماية المدنية في مقدمتهم العريف احمد جواهري، مفتش على مستوى مقاطعة زرالدة، تم إنقاذ شاب في ال22 سنة يدعى "محمود.ب" من الغرق بعد أن ارتطم رأسه بالحجارة داخل مياه الشاطئ الصخري، المحاذي للشاطئ المسموح للسباحة. وقد أكد رئيس مركز الشاطئ للحماية المدنية، مصطفى غرباوي، أن اغلب المراهقين الذين يقصدون شاطئ سيدي فرج الجهة الغربية، يهربون إلى الشاطئ غير المسموح للسباحة بحثا عن التفرد والمغامرة. وأنه خلال العام الماضي تم اجلاء مراهق من ولاية الجلفة يبلغ من العمر 17 سنة، قفز من أعلى الصخور إلى مياه الشاطئ فانغرس رأسه في الرمل وبعد نقله للمستشفى مات متأثرا بإصابة على مستوى الرقبة. في سيدي فرج كما في زرالدة، تميزت الشواطئ غير المسموحة للسباحة والصخرية، بتنافس المراهقين عليها، في تباه ومخاطرة، حيث يقومون بقفزات بهلوانية في مياه البحر، ويسبحون إلى أبعد نقطة ممكنة، ودون أن يستغنوا عن لقطات "السيلفي" بهواتفهم النقالة. ويصبح من اجل "السيلفي" الممنوع مرغوبا فيه، ولو على حساب حياتهم، وخير دليل محمود صاحب ال22 سنة، والذي بمجرد أن تلقى إسعافات أولية بعد إنقاذه من الشاطئ غير المسموح للسباحة المحاذي للشاطئ المسموح، ورغم إصابته بكدمات وخدوش في مختلف أنحاء وجهه، عاد رفقة مراهقين في ال15سنة و17سنة، إلى السباحة في نفس المكان. ومن هؤلاء من وجد في"الجيتسكي" وسيلة للمغامرة بالقرب من شواطئ صخرية وأماكن خطرة لالتقاط صور ب "السيلفي". حالات الغرق في الشواطئ الممنوعة للسباحة، أصبحت تطبع موسم الاصطياف في الجزائر، حيث تم انتشال يوم 7 جويلية المراهق إسلام زيار، 16 سنة من الشاطئ الأزرق غير المسموح للسباحة، وفي حين لا تزال فرقة الغطس للحماية المدنية، تبحث عن 3 مفقودين في نفس الشاطئ أعمارهم تتراوح بين 15 سنة و18 سنة.
الشواطئ الممنوعة ملاذ للعائلات أيضا! وعلى الرغم من خطورة الشواطئ غير المسموحة، إلا أنها باتت تستقطب الكثير من المصطافين، حيث تقصدها عائلات هربا من الفوضى في الشواطئ الرملية المكتظة، زيادة عن صفاء مياه بعضها خاصة الصخرية. من خلال جولتنا رفقة رجال الحماية المدنية، لم نستطع التمييز بين الشواطئ المسموحة وغير المسموحة، لأن كليهما كان مكتظا بالمصطافين، وهو ما ضاعف جهد حراس الشواطئ، والذين أرهقوا بالتدخلات المتكررة. في سيدي فرج وبجوار الشاطئ الغربي المحروس، شاطئ شبه صخري منعت السباحة فيه، ويوجد في وسط المياه عمود حديدي وضعت فوقه الحماية المدنية قطعة قماش، حتى يظهر للعيان، يسبح بالقرب منه الأطفال والنساء، حيث انه يشكل خطرا على المصطاف الذي يقفز داخل المياه. عائلات رفقة أبنائها زحفت على هذا الشاطئ رغم أن الولاية لم تصنفه في قائمة الشواطئ المسموحة للسباحة، وقد أكدت بعضها للشروق، أنهم تعودوا السباحة هنا، ولا يستطيعون الاستغناء عن هذا المكان مهما كان الخطر. زوارق وجيتسكي راسية على حافة الشاطئ وأماكن خطرة يكتظ حولها الكبار والصغار، ويتدافعون للقفز في المياه. في شاطئ النخيل، يتكرر نفس السيناريو، غير أن ما وقفنا عليه، في الشاطئ الأزرق بزرالدة يثير الدهشة والاستغراب، حيث كان مكتظا على آخره بالعائلات و تنوعت الشمسيات في مجموعات من نفس اللون والزركشة والشكل بتنوع الطاولات والكراسي، حتى يخيل أن الشاطئ لمستثمر كبير!! ولكن الشاطئ منعت السباحة فيه ووضعت في مدخله لافتة كبيرة كتب عليها "ممنوع السباحة، كما أنه عبارة عن ورشة بعد انطلاق الأشغال به منذ سنتين، ولا يوجد به حراس الحماية المدنية، لكنه استغل من طرف أشخاص حولوه لفضاء "بزنسة"، يستنزفون به جيوب المصطافين الذين ينقصهم الوعي، حيث يتم كراء الشمسية بمبلغ 1000 دج. ويتردد على الشاطئ غطاسو الحماية المدنية الذين يبحثون عن جثث المراهقين الثلاثة الذين غرقوا ما بين 28 و29 جوان في مياهه، إلى جانب جمعية خاصة بهواة الغطس.