هي ليست بدور عادية كالتي نعيش فيها الآن، هي جوهر القصبة لؤلؤة العاصمة الأزلية وكل أبواب المحروسة تؤدي إليها من باب الوادي واجديد وعزون ودزيرة… إنها دويرات الحي العتيق بما تحمله من اسرار، فخلف ابوابها عاشت الأساطير، وفي سقيفاتها كتب التاريخ على زليجها. كان بالقصبة اكثر من 15 ألف دويرة ما بين 1656 و1784 واليوم لم يعد عددها واضحا بين البيوت الآيلة للسقوط والأسقف المهترئة وبين السطوح المتآكلة حتى منابع الماء جفت فبعد أن كان العطشى يرتوون من 150 حنفية، بقي البعض فقط شاهدا على عصر ذهبي كالعين المالحة وبئر جباح وزوج عيون في أسفل القصبة. أسرار الدويرات لم تبن دويرات القصبة من طرف العثمانيين كما يشاع، بل بنيت في القرن العاشر الميلادي من طرف قبائل بني مزغنة على ربوة حتى ترى منها تحركات العدو لكل السكان، ولما جاء العثمانيون حافظوا على طابعها. ويذكر المؤرخ منتصر أوبترون أن فرنسا كانت تطلق على بيوت القصبة “الحي العربي”، لأنها الحي الذي لم يسكنه الأوروبيون في الجزائر العاصمة، لقد حافظت القصبة على هويتها كما كانت فسيفساء للجزائر كلها، ففيها العرب والأمازيغ، بل ضمت تونسيين ومغاربة أيضا. القصبة في بنيتها مثل الدماغ، تربطها الدويرات كالعصبونات لتصلك بشرايين الأزقة وروح جوامع كتشاوة وبتشين والسلطان والسفير بالإضافة إلى مساجد صغيرة كمسجد سيدي محمد الشريف وسيدي عبد الله وسيدي بن علي، والتهبت سحايا القصور العتيقة التي طمس معالمها الاستعمار مثل قصر مصطفى باشا ودار خداوج العمياء وعزيزة ودار القادس. صحن وسقيفة ودربوز يتربع صحن الدار في دويرات القصبة وسط ساحة مربعة الشكل، مكشوفة دون سقف بالإضافة إلى بئر (البير) ونافورة ماء (الفوارة)، بنيت من حولها كل شقق البيت في معمار إسلامي جزائري عثماني. نوافذ الدويرة صغيرة، مزينة بقضبان حديدية جميلة تدعى “كبو”، ومن شدة التقارب الشديد بين البيوت يسهل عليك القفز من دار إلى دار، بل تستطيع اجتياز القصبة كلها عبر سطوح المنازل تماما مثل شخصيات اللعبة الشهيرة “أساسن كريد”، هذه العبقرية في البناء جعلت من هذه المدينة العريقة حصنا منيعا يصعب اقتحامه. تنقسم الدويرة إلى عدة أقسام، منها السقيفة والدروج والبيت العلوي والشبك والرواق والسطح، والزائر لدويرات العاصمة يدرك أنها عبارة عن قصور صغيرة ربما بسيطة في بنائها، لكن نجد فيها نفس البهرجة والزليج البهيج والدرابيز الخشبية المتقنة الصنع والأعمدة الرخامية. الدويرة رقم 5.. بيت الشهداء من أشهر الدور في القصبة، دار تقع في الشارع رقم 5 شارع إبدرام تعرف بدار علي لابوانت والتي شهدت انتهاء معركة العاصمة باستشهاد الأبطال علي لابوانت وحسيبة بن بوعلى ومحمود بوحميدي وياسف عمر المدعو عمر الصغير بعد تفجير البيت من طرف المظليين في 8 اكتوبر 1857 تركوا نصف الدويرة وصمد النصف الآخر ليروي للأجيال أن الحيطان لا تنسى. قصبة… من يسمع أنين حيطانك تحوي قصبة الجزائر العاصمة حاليا 1800 بناية بين مسجد وجامع ودويرات وكذا بنايات استعمارية، تستدعي نسبة كبيرة منها الترميم وإعادة التأهيل من أجل الحفاظ على الإرث الهندسي العريق، وحسب الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية فقد تم ترميم قرابة 271 دويرة حديثا، في انتظار إعادة إسكان العائلات القاطنة في الدويرات المتبقية من اجل الشروع في عمليات الترميم واستعادة وجه الدويرات الحقيقي. دويرة في قلب فرنسا ألهمت الدويرة الكثير من السياح والزوار من بينهم الرسام الفرنسي شارك كورنو الذي غير نمط قصره في ليون واضاف إليه لمسات عثمانية وإسلامية أندلسية وحتى بيرنطية، وقام بتغيير اسمه إلى douera أو “الدويرة” بعد 1986 عادت ملكية الدويرة إلى البلدية ليصبح متحفا.