حطم الصالون الدولي للكتاب في طبعته 23 الرقم القياسي للزوار، بتجاوزه 620 ألف زائر في يوم واحد وقرابة مليون ونصف مليون خلال خمسة أيام، ما دفع محافظة الصالون إلى إعلان دراسة عاجلة للبحث عن خلفيات هذه الأرقام، في حين انقسم المختصون بين متفائل ومتشائم، فمنهم من وصف الظاهرة بمثابة مصالحة الجزائريين مع الكتاب، في حين يرى آخرون أن الأمر يتعلق بالفلكلور الثقافي الذي يعتمد على المظاهر والنجومية و"السلفي" و"التحواس" لا غير… أرجعت الأمر إلى التقشف و إرتفاع الأسعار دور نشر تعترف بتراجع مبيعات الكتب رغم الاكتظاظ بالرغم من أن الكثير من أصحاب دور النشر الأجنبية، اعترفوا أن معرض الكتاب الدولي في الجزائر من أكثر المعارض إقبالا بالمقارنة مع الكثير من الدول العربية، إلا أن شراء الكتاب يبقى بعيدا عن حجم الإقبال على معرض سيلا 2018.. رجال.. نساء وشباب، الكل يتدافع والكل يسأل عن الثمن ويتفحص الكتب في أجنحة دور النشر.. ولكن حسب مقولة انتشرت في المعرض كما على منصات التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، فإن 20 من المائة من زوار المعرض يبحثون عن الكتاب و80 من المائة عن المكتوب!.. وعبر الكثير من بائعي الكتب في معرض سيلا 2018، عن امتعاضهم وأسفهم من التراجع الملحوظ لشراء الكتاب الذي تزامن حسبهم مع التدني المعيشي وغلاء الأسعار والذي أثر هذا الأخير على سعر الكتاب أيضا. قال صاحب دار نشر جزائرية يدعى عبد القادر، "المعرض يدخله الآلاف، لكن بيع الكتب يوميا يحسب على الأصابع"، بينما يرى بائع في دار السلام المصرية، أن 15 من المائة من كتب الدار فقط بيعت خلال 6 أيام من النشر. يقطعون المسافات للبحث عن عنوان كتاب.. ويخسرون أموالا دون شرائه! ومع اعتراف بعض دور النشر الأجنبية، ببيع ما يقارب 30 من المائة من كتبهم خلال 6 أيام، إلا أنهم أكدوا للشروق، أن البيع يتعلق بكتب الدين والخاصة بالدراسة، وبعض العناوين التي يقطع بعض الجزائريين الذين يقيمون في ولايات أخرى مسافات طويلة ويخسرون أموالهم، دون أن يجدوها وإن وجدوها لن يشتروها لغلاء سعرها. قال شيخ وهو إمام في أحد مساجد الأغواط، أنه أتى من ولايته لشراء بعض العناوين التي كان يبحث عنها في المكتبات الخاصة، ولكنه اشترى 4 كتب فقط من دار الكتب العلمية المصرية، ب6 آلاف دج، ولم يستطع حسبه، شراء باقي العناوين التي يبحث عنها، وهو ما قاله أيضا أستاذ جامعي مختص في القانون الذي جاء من الجنوب إلى المعرض لشراء ما يحتاجه من كتب إلا أنه لم يجدها، واكتفى بشراء 4 كتب فقط وكلفته ما يقارب مليون سنتيم. وقال بائع في نفس الدار إن الإقبال ملحوظ فيما يخص الكتب الدينية والخاصة بالدراسة، إلا أن الكتب ذات البعد العميق والعلمية، يلتفت إليها المثقفون فقط. لقاءات غرامية.. وسرقات.. وتمضية وقت! في جناح مكتبة الضياء للنشر والتوزيع الجزائرية، كشف لنا بائع شاب عن بعض التصرفات الشاذة التي لاحظها في المعرض، وقال إن هذا الأخير تحوّل إلى مكان للقاءات الغرامية، وفرصة وجدنها بعض الشابات للبحث عن عريس، وقال مبتسما "20 من المائة للكتاب و80 من المائة للمكتوب!". وأكد رفقة شريكه، أن شراء الكتاب يقتصر على المؤلفات الدينية، وقواميس اللغات أو كتب مدرسية، وكتب الطبخ، وبعض الروايات، بينما يهتم بكتب الفكر والعلوم والدراسات الثقيلة المثقفون دون غيرهم. وفي مكتبة الدار البغدادية، قال أحد الباعة، إن الاكتظاظ في معرض الكتاب الدولي، لا يعكس المقروئية، وأن غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الكتاب، خلفا تدنيا ملحوظا في نسبة شراء الكتب. ويرى أغلب أصحاب دور النشر المشاركين في سيلا 2018، وخاصة دور النشر الجزائرية، أن محلات "الفاست فود"، ربحت في المعرض، وتفوقت عنهم في التجارة، وأن أيام عطلة الأسبوع، كانت مجرد فسحة في المعرض، وجولة للتنزه في قصر المعارض. أكد استحداث دراسة عاجلة بسبب الإقبال، حميدو مسعودي: ناشرون عرب وأجانب ذهلوا لإقبال الجزائريين على شراء الكتب ذُهل محافظ الصالون الدولي للكتاب حميدو مسعودي، من الكم الهائل للزوار الذين استقبلهم معرض الكتاب في طبعته ال23، مشيرا أن 620 ألف جزائري استقبلهم المعرض خلال الفاتح من نوفمبر الجاري مقابل مليون و200 ألف زائر خلال ال5 أيام الأولى، وهي الظاهرة التي لم يجد لها مسعودي أي تفسير سوى القول إنهم بصدد التحضير لدراسة أوكلت مهمتها لمؤسسة سبر الآراء، ستقف على الأسباب الحقيقية وراء إقبال الجزائريين على معرض الكتاب. وأرجع مسعودي خلال استفسار "الشروق"، عن العدد الهائل لزوار معرض الكتاب هذه السنة، إلى فرضية كمية الكتب المعروضة خلال هذه الطبعة والتي قدرها ب 300 ألف عنوان موجه للقارئ، الباحث والطالب حيث يجد كل هؤلاء ضالتهم في الصالون وهو التفسير الوحيد الذي استطاع المتحدث تقديمه، متعجبا بالمقابل عن الشكاوى التي تصلهم من طرف أصحاب المكتبات لنقص أو انعدام الشراء خلال العام بأكمله مقابل البيع المسجل بالصالون، واستدل المتحدث ذلك بقوله إنه يقوم من فترة لأخرى بالوقوف أمام باب الصالون لمعرفة إن كان الزوار يقتنون الكتب أو لا، فكشفت ملاحظاته أن عديد العائلات تخرج محملة بالأكياس، بداخلها كتب تضم كل الميول سواء تعلق الأمر بالطب، الروايات، المحور الديني وغيرها، ما يدل – حسبه أن كل الأروقة تبيع كتبها بدليل آراء الناشرين العرب والأجانب الذين اندهشوا لهذا الإقبال الذي دونوه بالصورة الحية بحساباتهم عبر مختلف المواقع الاجتماعية، ما يبرهن –حسبه وحسب شهادات الناشرين أن الجزائري لا يزور معارض الكتاب من أجل السياحة بل لشراء الكتب، وستكشف في الأخير الدراسة التي ستُعدها لاحقا الجهة الرسمية، واقع زوار معرض الكتاب وتقييم مدى شغف الجزائري بالمطالعة والقراءة، على حد تعبيره. المختص الاجتماعي يوسف حنطابلي: الإقبال المكثف على الصالون دليل بأن الجزائريين لا يقرؤون 90 من المائة من زوار الصالون لديهم عقدة المقروئية عاد الأستاذ الجامعي بجامعة البليدة "2" يوسف حنطابلي في تحليله للإقبال المتزايد على الصالون الدولي للكتاب إلى البدايات، حين كان يطغى عليه الطابع الديني، كما قال، وهي في الأغلب كتب كان الجزائري محروما منها وكانت حينها تباع بأثمان رمزية وفي المتناول، بما يجعل الصالون فرصة سانحة لاقتناء الكتب. وشاءت الأقدار أن معرض الكتاب توقف خلال العشرية السوداء ليتجدد الموعد بعدها، ما جعل الدافعية للذهاب قائمة وكل الإحصائيات تؤكد أن الكتب الدينية هي الأكثر مبيعا. وفسّر المختص الإقبال الجماهيري على هذا الفضاء المفتوح بأنه فعل ثقافي له أبعاد أخرى ومن أهمّها استرجاع الوجود الجماعي دون حساسية سيما وأننا نفتقد في مجتمعنا إلى مثل هذا الشعور أو الفرص ماعدا صيفا على شواطئ البحار، ويبقى المعرض بنظر المختص رمزية يلتقي فيه الجزائريون دون امتعاض وهو كذلك بالنسبة إليهم فرصة للتنزه والترفيه والوجود الاجتماعي. وكشف المختص في تحليله أن الإقبال الكثير دليل على عدم وجود مقروئية في الجزائر بل تحوّل إلى مجرد أحد الطقوس الثقافية حيث يحاول الجزائري من خلاله تعويض النقص والتقصير، لكي يحصل لهم نوع من الرضى. وتعمّق المختص في تحليله أكثر حين قال إن 90 من المائة من الزوار لديهم عقدة عدم المقروئية لذا يشبع هذا النقص من خلال الزيارة فهو بمثابة من يتظاهر بشيء لا يمتلكه. 10 من المائة فقط من الزوار هم فعلا من المهتمين والمثقفين والأدباء والجامعيين. وأضاف أن من بين الزوار من يحاول تغطية عدم اقتنائه للكتب بغلاء السعر فتجده يستفسر عن الثمن ويفاوض وأحيانا يطلب عناوين غير موجودة لتعجيز العارضين ومن ثم التحجج بغلاء السعر لعدم الشراء. وفي الأخير قال حنطابلي إن من يريد أن يطالع الكتب فالعام طويل والكتب جميعها متوفرة مجانا من خلال تحميلها عبر العديد من المواقع ولا حجة أبدا لمن لا يسعى إلى ذلك. أكد أن البيع بالتوقيع و"السيلفي" هزما المطالعة عمار يزلي: صالون الكتاب أصبح ظاهرة إشهارية فنية أكثر منها ثقافية أكد الكاتب والمثقف ورئيس قسم علم الاجتماع بجامعة وهران عمار يزلي، أن ظاهرة المعارض التي أصبحت عالمية ومنها معرض الكتاب السنوي بالجزائر الذي يساير معارض الشارقة ودبي، بدأت تتخذ طابع الإشهار والفن أكثر من المطالعة والقراءة، معتبرا المعرض أكثر الأماكن للالتقاء بنجوم الأدب والفن وبالتالي الدفع بالتسويق عن طريق التوقيع المقرون بأخذ الصور للتباهي ليس إلا. وأوضح يزلي في تصريح ل"الشروق"، إن أغلب دور النشر التي تعرض منشوراتها بأروقة المعارض، تستعين بأشهر وأهم أسماء الكتاب بغرض البيع بالتوقيع مع أخذ الصور الفتوغرافية أو "السيلفي" نظرا للتهافت الكبير على مثل هذه الطريقة في الشراء بحثا عن الجو البهيج والنجومية لدى البعض الآخر، الأمر الذي حوّل مثل هذه اللقاءات الأدبية الثقافية إلى مسار آخر استهلاكي بدرجة أكبر وهو ما وصفه يزلي بالظاهرة "الإشهارية الفنية" التي لا علاقة لها بالقراءة بتاتا حتى أن بعض أولئك الذين ينفقون أموالهم لشراء الكتب، فإن أغلبهم يقوم بذلك بنية التباهي بعد أخذ صور لهم داخل المعرض وهم رفقة صاحب الكتاب الذي يوقع على المباشر، معتبرا "الطوفان" الذي استقبله معرض الكتاب خلال الأيام الماضية والذي فاق كل التصوّرات لا يختلف عن أي معرض مخصص للأسواق التجارية أو معارض الحيوانات والنباتات أو مواقع التنزه الأخرى. عبد الرزاق دوراري مثقف وأستاذ في اللسانيات زوار الصالون يقصدونه كي "يشللوا عينيهم" فقط أكّد عبد الرزاق دوراري المثقف والأستاذ الجامعي في اللسانيات أنّ الإقبال على المعرض الدولي للكتاب أثار زوبعة وكأن الجميع له اهتمام وشغف بالقراءة. وأحسن شيء يمكن القيام به حسب الأستاذ دوراري هو انتظار نهاية المعرض لتقييمه ومعرفة حجم مبيعاته مقارنة بحجم زواره وكذا أصناف المواطنين الذين كانوا يشترون وماذا كانوا يشترون. وقال المختص إنّ "الرؤية غير واضحة في المشهد الحالي، وأن المجتمع الجزائري لا يدرس نفسه في جميع المناحي فنحن لا نقرأ علميا الظواهر الاجتماعية والثقافية لدينا". ولعل من أهم أسباب زيادة الإقبال هي نقص المرافق الترويحية والترفيهية، سيما على مستوى العاصمة فبعيدا عن "الصابلات" لا يوجد حراك ثقافي. واستشهد دوراري بركود قطاع السينما الذي يشابه كثيرا حال السعودية التي تمتلك 35 قاعة سينما مغلقة منذ 40 عاما وكذا الجزائر التي كانت تمتلك 50 قاعة سينما في العهد الاستعماري لم يتبق منها سوى 4 فقط، حيث فشل الوزراء المتعاقبون على قطاع الثقافة في بعثها من جديد. وأضاف دوراري أنّ جزءا كبيرا من زوار الصالون الدولي للكتاب يقصدونه لكي "يشللوا عينيهم" فقط. وانتقد المتحدث النظام التربوي في بلادنا فهو، كما قال، من الابتدائي إلى الدكتوراه لا يشجّع على القراءة وهو ما انعكس على دور النشر التي عزف كثير منها عن نشر الكتاب العلمي وطبعه بعد أن لاحظوا أنّ الكتاب العلمي لا يباع ولا يقتنيه المعنيون به".