تعمل سلطنة عمان على مسابقة الزمن لفتح المزيد من مجالات الحرية وتحقيق الانتقال السلس لمتطلبات الدولة العصرية الديمقراطية، التي تتوفر فيها كل متطلبات الحياة الكريمة للمواطن وتتوفر له فيها أيضا ظروف التعبير عن رأيه السياسي والاقتصادي بكل حرية، دون تعرضه للقمع أو التضييق أو الرقابة التي تعودها المواطن العربي خاصة في ظل الانطمة الشمولية التي بدأت تتساقط تحت أرجل الغاضبين، في ما يسمى بالربيع العربي بالرغم من بعض النتائج الوخيمة التي تعيشها بعض دول هدا الربيع. . تحرير الإعلام وترشيد السياسة مند التغيير الوزاري الأخير، يعمل وزير الاعلام الجديد الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني على تغيير بعض المفاهيم الخاطئة التي كانت ولا تزال سائدة في الوسط السياسي والإعلامي في عمان، فالرجل قادم من كلية الإعلام وحتى شهادة الدكتوراه خاصته، ناقشها في بريطانيا ما سمح له بمعايشة الديمقراطية الواقعية والنموذجية التي تعيشها المملكة المتحدة، إن على مستوى الحياة السياسية أو على مستوى المشهد الإعلامي الأكثر حيوية وثراء واتزانا، وهو ما جعل الوزير يأتي بنظرة جديدة لإستراتيجية الإعلام في عمان للخروج به من مرحلة التطبيع مع الأمر الواقع الى مرحلة المساهمة في التغيير السلمي والهادئ لبعض الأوضاع المختلة التي تعرفها السلطة، بالرغم من النهضة العملاقة التي عرفتها في عهد السلطان قابوس خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياحي، وهي النهضة التي تسعى السلطنة إلى أن تكون مصحوبة بوعي جماهيري ينعكس في حرية الإعلام وحرية التعبير والممارسة السياسية، وقد كانت انتخابات مجلس الشورى العام 2011 واحدة من الخطوات المهمة التي أدخلت السلطنة نسبيا في أبجديات الممارسة الديمقراطية، بالرغم من أن المواطن العماني تتوفر لديه كل وسائل الحياة الكريمة التي تغنيه عن مشهد "التهريج السياسي" الذي تعيشه بعض الدول العربية الفاشلة في توفير لقمة العيش لمواطنيها، غير أن معطيات الواقع العربي الجديد والطموحات المتزايدة للشعب العوماني تجعل من الإصلاحات السياسية التي باشرها السلطان قبل أعوان محط اهتمام المواطن البسيط الذي يتوق للمزيد من التطور والحرية مثل تلك التي دفعت شعوب عربية ثمنها غاليا، وتستطيع السلطنة الحصول عليها بأقل التكاليف بالنظر أولا إلى النهضة العملاقة التي تم تحقيقها اجتماعيا واقتصاديا وثانيا الى رغبة قيادة البلد مند البداية وحتى قبل تباشير الربيع العربي، في استكمال بناء الدولة العصرية التي لا تكتمل الا بتوفير الحريات على كل الأصعدة وتعميق المكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي لا ينكرها أي زائر لسلطنة عمان. وزير الإعلام الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني يطرح مشروعا إعلاميا جديدا يجعل من هده المهنة مكسبا عمانيا مكملا لمشروع النهضة، ولذلك لا يرى حرجا في أن تمارس الصحف العمانية الخاصة حقها في النقد لممارسات وسلوكات الحكومة وعليها في منطق الوزير أن تكون لديها الشجاعة في محاربة الرداءة والفساد عندما تتوفر لديها الأدلة الكافية لدلك ، ويتوق وزير الإعلام الجديد إلى أن يكتسب الصحفي العماني أدوات المهنة ويمتلك اجديات الاحتراف وأخلاقيات المهنة، ما يجعله عامل بناء لوطنه وليس عامل تشويش وهدم وترف. وعندما تتوفر هده الشروط لا يوجد في قاموس السلطنة الجديد مصطلح الرقابة والغرامة والسجن والملاحقة لاي صحفي قام بعمله وفق ما تقتضيه أخلاقيات المهنة، ولذلك رأينا إحدى الصحف العمانية تحتج على معاقبة الحكومة لبعض صحفييها من خلال الصدور وعلى عنوانها الرئيس قفص سجن يجسد رفضها للرقابة على الصحف. هناك من يظن أن المواطن الخليجي عموما والعماني خصوصا حصل على كل ما يريده في حياته اليومية وهو ليس في حاجة الى الممارسة الديمقراطية ببعديها السياسي والإعلامي، وربما نجحت حكومات الخليج في شراء السلم الاجتماعي الذي لا يتيح للمواطن التفكير في حقوقه المعنوية ذات الصلة بقيمة الإنسان كإنسان، لكن من الواضح جدا أن المواطن العماني قد سبق جاره الخليجي في استشعار هدا الحق السياسي والإعلامي ولذلك قامت احتجاجات عارمة العام 2011 في مسقط، رفعت مطالب إجتماعية صحيح، لكنها لم تخلوا من المطالبة بالمزيد من الحريات التي تعطي الحق للعوماني في أن ينتخب مسؤوليه ويحاسبهم ويعاقبهم إن اقتضى الأمر، وهو بالفعل ما شرع فيه بانتخابات مجلس الشورى على عكس بعض دول الخليج الأخرى التي تتلكأ في الموضوع، خشية أن تفتح على نفسها المزيد من الجبهات التي قد لا تتحكم في نهاياتها، ولذلك بدت شجاعة العمانيين كبيرة في الاستجابة لرغبة الشارع في تكريس الانفتاح المدروس الذي يحقق الرخاء والحريات معا. . .. التعايش المذهبي اسمنت النهضة العمانية الذي يجلس إلى مفتي سلطنة عمان الشيخ احمد الخليلي يكتشف سر التعايش المذهبي الموجود في البلد بالرغم من التنوع الكبير في المذاهب، فأنت لا تستطيع أن تعرف مذهب عماني من خلال شكله أو كلامه أو سلوكه اليومي، دلك أن الشعور العماني العام توافق على نبد حتى النقاش المذهبي، فلا تكتاد تعرف السني من الاباضي من الشيعي وليس مهما ان تعرف دلك طالما هؤلاء جميعا يقتسمون العيش في وطن واحد ويتساوون في الحقوق والواجبات، وحتى مفتي السلطنة يجسد التوافق المذهبي بكل أبعاده بل يفتي من يستفتيه بحسب مذهبه بعيدا عن التطرف الذي يجنح إليه بعض المتشددين في باقي الدول العربية والدين قدموا الإسلام في صورة مشوهة لا ترقى الى سماحته وحبه الخير للبشرية. لمفتي السلطنة دور بارز في تربية الدوق العماني على التسامح والتعايش والوحدة والعطاء في سبيل وطن لا يملك العمانيون بديلا له بكل مذاهبهم الفقهية، ومادا يضير مواطن أن يمارس شعائره الدينية مثلما يعتقد ومثلما تسكن جوارحه دون أن يعترض طريقه احد بل دون أن يلتفت احد إلى خاصته ظاهرة كانت أو باطنه، خاصة والدين الاسلامي الحنيف هو علاقة مقدسة بين العبد وربه وبين العباد جميعا فيما يقرب صلاتهم ببعض ويقوي عصبتهم للوطن وشوكتهم ضد خصومه. ولذلك تجد أكثر حرص العمانيين على تماسك مجتمعهم وتضامنه ويحاربون الفرقة والشقاق مثلما يحاربون الفقر والتخلف، وهدا لا يعني أبدا تساهل العمانيين مع قيم دينهم الحنيف، بدليل أن احتجاجات العمانيين العام 2011 كان احد أسبابها الثورة ضد المخامر والحانات التي انتشرت في بعض أحيائهم الشعبية ما دفع الحكومة إلى غلق كل المطاعم التي تقدم الخمور في أوساط الأحياء السكنية منعا لضياع الناشئة، التي يجب ان تتوفر لها في العرف العماني البيئة الاسلامية الصالحة ، وقد وقف المفتي وقفة شجاعة ضد إنتشارالمخدرات والمخامر ووجه رسالة شديدة اللهجة للحكومة يطالبها بحماية الشباب العماني مما قد يكبل قدميه عن السير في ركب النهضة التي تعرفها البلاد. . . الحاضرة تصنع ولا تورث لا ريب أن ثمة شعوب وبلدان منحها الله كل مقومات النهوض من مقدرات باطنية وحضارة ضاربة في التاريخ، ثم تعجز تلك الشعوب على الاخد بأسباب النهضة، وثمة شعوب تستطيع ان تطوع حتى الطبيعة القاسية لتصنع من بلدانها قلاعا حضارية شامخة، كذلك يلحظ الزائر الى السلطنة .. بلد صخري موحش، حوله العمانيون الى ورشة لمشاريع عملاقة وبنية تحتية قادرة على استيعاب أي تطور عمراني ولعل ابرز ما يشدك من معالم تلك الحضارة التي اقتلعها العمانيون من قساوة الصخور، قصر الأوبرا وهو من بين الأضخم والأرقى في العالم، وهو اليوم محج لكل الجنسيات ولعله واحد من أهرامات السلطنة التي أرادت به أن تقول للعالم ان للإنسان العماني ايضا موضع قدم في عالم الفن والثقافة والحضارة، يروي الجميع قصة بناء الاوبرا وكيف كانت للسلطان قابوس شجاعة كبيرة في أن يجسدها رغم معارضة الكثير من العمانيين الدين رأو فيها صورة من صور البذخ، وغاب عنهم أنها صورة مشرقة للانسان العماني المعاصر، فقد ثارت ثائرة هؤلاء معترضين على المخصصات المالية الضخمة التي تكون قد استهلكها المشروع لكونه من أضخم الاوبرات في العالم، لكن المشروع مضى الى منتهاه وأصبح اليوم معلما يحق لكل عماني ان يفخر به، مثلما يحق لكل زائر أن ينهل من سحره وشموخه ، كيف لا وكل أجناس العالم يأتونه من كل حدب وصوب بل هم يحجزن مقاعدهم فيه عن طريق الانترنت من كل أنحاء العالم لما يعرض فيه من روائع عربية وعالمية تخطت حدود المكان والزمان. المعلم الثاني الذي يبدو قامة حضارية يفخر بها العمانيون هو مسجد السلطان قابوس، تراه شامخا وأنت تقطع الطريق من المطار إلى وسط العاصمة، وتتجلى بين ناظريك هيبة صومعاته المنطلقة الى السماء وتبهرك أجنحته المنبسطة على طول ما يصله بصرك، هو واحد من اكبر المساجد في العالم الى درجة أصبحت تبهر السياح الأجانب فيقصدونه للعبرة والفرجة والإلهام، ولذلك اضطرت سلطات العاصمة أن تخصص مساحات من هدا الصرح لاستقبال السياح الأجانب الراغبين في التعرف عليه وعلى ما يحويه من كنوز وتراث . أما صلالة فلعلها آية من آيات الله المعجزة فهي تتزين لزوارها كل شهر جويلية من كل عام وتلبس حلة خضراء عجز الفلكيون عن تفسيرها في موسم صيفي لا خضار فيه، فهي المدينة القابعة في على أطراف السلطنة تتفرد بمناخ معتدل فيه الكثير من الإعجاز الفلكي خاصة في بداية الصيف أين تخضر أراضيها لتستقبل ملايين السياح القادمين من كل أنحاء العالم يشهدون واحدة من كنوز الطبيعة التي رزقت بها السلطنة، حتى الكثير من نجوم العالم ومشاهيره استوطنوا المدينة وأرادوا الاستقرار فيها لما توفره من راحة ومتعة وإبداع قل نظيره في العالم، رغم بعدها عن العاصمة مسقط بأكثر من ألف كلمتر إلا أن العمانيين لا يستغنون عن قضاء عطلهم بها، فهي تمثل الربيع الاستثناء في الصحراء المحرقة، ولذلك تحولت صلالة الى منتجعات سياحية مترامية تتوفر على كل متطلبات الراحة. لعل سلطنة عمان ليست أفضل البلدان على الإطلاق أو ربما في حاجة إلى المزيد من الجهد لتامين مستقبل الأجيال، لكنها والحق يقال أفضل نماذج النجاح في واقعنا العربي المترهل الذي يبدو في حاجة إلى المزيد من الصدمات الكهربائية ليوضع على سكة التطور والنهضة.