يحيي العمانيون اليوم الذكرى الثامنة والثلاثين لعيدهم الوطني الذي شهد اعتلاء السلطان قابوس مقاليد السلطة في هذا البلد الخليجي وتمكن خلالها من تحقيق طفرة تنموية غير مسبوقة وفي فترة زمنية قياسية. وتمكن السلطان قابوس منذ توليه السلطة سنة 1970 من وضع أسس الدولة العمانية الحديثة التي تمكنت خلال أربعة عقود من بلوغ مصاف الدول التي استطاعت أن تحتل مكانة جهوية وإقليمية وحتى دولية بفضل تسخير طاقاتها في مجال التنمية المستدامة. وقد تكرس التحول الاقتصادي في نفس الوقت الذي عملت فيه السلطات العمانية على وضع الإطار القانوني لسير مختلف هيئات الدولية العمانية ومن خلال إصدارها للنظام الأساسي للدولة سنة 1996 الذي ضبط العلاقة بين سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ضمن أطر ديمقراطية محددة المعالم. وتوجت مسيرة البناء المؤسساتي في سلطنة عمان بإجراء انتخابات مجلس الشورى للمرة السادسة والذي شهد تكريس مكانة المرأة العمانية لمكانتها في هيكيلة الدولة الفتية كشريك اجتماعي لا يمكن تجاهله في البناء الوطني حيث بلغ عددهن 14 نائبا من مجموع 71 نائبا المشكلين لمجلس الدولة. وبالموازاة مع البناء الوطني عمدت السلطات العمانية الى وضع سياسة خارجية محددة المعالم جعلت من سلطنة عمان طرفا محوريا في المنطقة ودولة لا يمكن تجاهلها في أية ترتيبات استراتيجية سواء في داخل منتظم مجلس التعاون الخليجي الذي تعتبر فيه السلطنة طرفا فاعلا في إطار الترتيبات العربية المختلفة أو في إطار الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي. وأهلت العلاقات المتميزة التي أقامتها سلطنة عمان والمبنية على الاحترام المتبادل بينها وبين مختلف دول العالم لأنْ تحظى باحترام الدول العالم الأخرى وخاصة وأنها تتبني منذ عقود سياسة عدم الانحياز لأية جهة في أي صراع جهوي أو اقليمى مفضلة على ذلك استغلال علاقاتها الممتازة في تحقيق التنمية والرفاه للشعب العماني بقناعة الترابط الوثيق بين السياسة الخارجية والداخلية. وقال السلطان قابوس في خطابه السنوي أمام مجلس الدولة بمناسبة الاحتفالات باليوم الوطني السابع والثلاثين ملخصا هذه العلاقة الترابطية "إننا مع البناء والتعمير والتنمية المستدامة في الداخل والسلام والعدالة والوئام والتعايش والتفاهم والحوار الايجابي في الخارج". وبرزت السياسة الخارجية لعمان بشكل لافت داخل مجلس التعاون الخليجي الذي يضم دول الخليج الستة، حيث شدد السلطان قابوس في كل قمم التكتل على أهمية تعزيز مسيرة هذا الاتحاد في جميع مجالات التعاون، داعيا إلى مزيد من الجهد المشترك للارتقاء بهذا المنتظم الإقليمي وتمكنه من تحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها. وقد أهلت سياسة الحياد التي انتهجتها السلطنة إلى لعب دور هام في تخفيف حدة التوتر بين دول الخليج وإيران وخاصة ما تعلق بأزمة الجزر الإماراتية التي تسيطر عليها إيران في طمب الكبرى والصغرى وأبي موسى تماما كما هو الشأن بالنسبة لأزمة البرامج النووي الإيراني، بهدف تفادي الدخول في مواجهات في المنطقة التي تبقى من أخطر مناطق العالم وأكثرها حساسية على الطلاق. وبرزت مواقف الدولة العمانية إزاء الوضع في العراق وطالبت بضرورة استقرار هذا البلد وكذا تدعيمها لكل الجهود العربية والدولية المبذولة من أجل استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه وتمكينه من إقامة دولته المستقلة، وتجلى ذلك من خلال تدعيم مبادرة السلام العربية. واستطاعت سلطنة عمان الفتية من الارتقاء إلى هذه المكانة في العالم بفضل بنائها الداخلي الذي تجلى بشكل خاص في ايلاء اهتمام بالغ للتعليم في مختلف أطواره وبكل تخصصاته العلمية والتقنية والاجتماعية بهدف تخريج جيل من المثقفين والإطارات القادرة على التكفل بتنمية البلاد. بالإضافة إلى الرعاية الصحية التي كرست لها الدولة العمانية أموالا طائلة من أجل محاربة مختلف الأمراض وجعل العمانيين ينعمون بالصحة اللازمة من خلال إقامة أفضل المستشفيات في كل المنطقة والتي يبلغ عددها 59 مستشفى مجهزا بأحدث المعدات المتطورة. ولأن سلطنة عمان تحتل موقعا استراتيجيا عند مضيق هرمز وإطلالها على مياه الخليج وبحر العرب فقد أصبحت مقصدا سياحيا في المنطقة العربية بفضل القرار السلطاني الذي أولى اهتماما خاصا بالصناعة السياحية التي أدرجت ضمن الخطط التنموية، ضمن خطة تمتد إلى سنة 2020، وتهدف هذه الخطة إلى استقطاب أكثر من مليون سائح سنويا ابتداءً من هذا العام بفضل منشآتها السياحية الضخمة والتي تميزت بإنجاز خمسة فنادق فخمة لأكبر العلامات العالمية المعروفة.