ووري صبيحة الخميس جثمان الشاب عياش محجوبي الثرى، بعدما قضى تسعة أيام داخل ماسورة حديدية في بئر بمنطقة أم الشمل ببلدية الحوامد جنوبالمسيلة، في أجواء جنائزية مهيبة، بحضور جمع غفير من المواطنين وكذا الأسلاك الأمنية والسلطات المحلية للبلدية والدائرة.. وبذلك انتهت فصول هذه المأساة التي هزت الرأي العام المحلي والوطني، وتصدرت قائمة الأحداث وغطت على الكثير من القضايا الحيوية التي تمر بها البلاد، وخلفت حالة من الغليان الشعبي والغضب وأدت إلى حركات احتجاجية بالولاية، تنديدا بالتقصير والإهمال. عياش يلهب الفيس بوك ويشغل الرأي العام جثة الشاب عياش، الذي تحول إلى حديث العام والخاص، وألهب شبكات التواصل الاجتماعي، وكان بمثابة المادة الدسمة لوسائل الإعلام التي أولت للحادثة أهمية كبيرة منذ الوهلة الأولى لانتشار خبر سقوطه، تم انتشالها ليلة أول أمس وبالضبط في حدود الساعة العاشرة إلا 5 دقائق، حسب ما علم من مصالح الحماية المدنية بالولاية، بعد ما يفوق عن 200 ساعة من البحث والحفر دون انقطاع أو كلل أو ملل. كل المعطيات كانت تشير إلى أن ليلة الخميس، ستكون آخر ليلة للضحية البالغ من العمر نحو 31 سنة، بعدما مكث داخل الماسورة الحديدية منذ منتصف ظهيرة الثلاثاء الماضي إلى غاية ليلة الأربعاء المصادف ل 26 ديسمبر، بعدما تمكن أعوان الحماية المدنية الذين سخروا كل الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة منذ اليوم الأول، إلا أن قلة الوسائل ونقص الدعم وغياب تجهيزات حديثة ومتطورة حسب متابعين للقضية، حالت دون إنقاذ حياته وبذلك توقفت عجلة عمر الضحية رغم الإيمان بقضاء الله وقدره. ومع حلول الظلام، بدأت كل المؤشرات تدل على أن إخراج جثة عياش الذي أعلن رسميا عن وفاته السبت الماضي، اقتربت خاصة بعدما واجه فريق الإنقاذ صعوبات جمة ومشاكل نتيجة تسرب المياه والوحل إضافة إلى ضيق موقع الحفر وعدم تمكن الآليات من الولوج إلى عمق أكثر، ما أدى إلى الاستعانة بأدوات ووسائل بدائية وتقليدية، في الحفر أكثر عن الماسورة الحديدية وخوفا من تشوه الجثة، الأمر الذي استلزم أخذ المزيد من الوقت والجهد، إلى غاية العاشرة من ليلة أول أمس، حيث تم إخراج الضحية من الماسورة التي علق بداخلها، تحت أنظار المئات من المواطنين المرابطين في عين المكان الذين رفضوا المغادرة وتحملوا مشقة التعب والسهر والبرد وغيرها من الظروف الصعبة. أخيرا جثة عياش تغادر بطن الأرض بدخول اليوم العاشر، كان أعوان الحماية المدنية يتهيؤون لإخراج عياش تحت حصار أمني وحزام من قوات الدرك الوطني الذين ساهموا في تنظيم الجحافل البشرية، ومنه تم إخراج الضحية تحت تكبيرات وصيحات الكل. ومن ثم تم نقلها إلى مستشفى رزيق البشير بمدينة بوسعادة لاستكمال الإجراءات اللازمة، حيث تحول الهيكل الاستشفائي المذكور في ظرف وجيز إلى ما يشبه الخلية، وسط تعزيزات أمنية لقوات الشرطة الذين تمكنوا من تنظيم وضبط الأمور ومنه وصل عياش تحت هتافات المئات في ساعة مبكرة من يوم الخميس. وفي ظل حالة الترقب لسكان الولاية والمتعاطفين مع عائلة محجوبي ومنطقة أم الشمل، وصل جثمان عياش أو شهيد البئر، مثلما أطلق عليه البعض، إلى مسقط رأسه، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، ومن ثم تم تحويله إلى المقبرة بحضور المئات من المواطنين والسلطات المحلية والأمنية على رأسهم الأمين العام للولاية الذي شارك في مراسم الدفن نيابة عن الوالي، وتوشح بذلك عياش العلم الوطني وعاد إلى باطن الأرض بعدما غادره لساعات فقط. (صورة: أحمد حجاب) والد عياش يستعجل الدفن ويشكر الجميع على الوقفة التضامنية وعلمت "الشروق" بأن الشيخ عيسى محجوبي والد عياش هو من استعجل عملية الدفن لأن إكرام الميت دفنه على حد قوله، رغم رغبة المئات بل الآلاف من الجزائريين الحضور والمشاركة في عملية الدفن، إلا أن السرعة التي تمت بها وعدم إعلان التوقيت حرم الكثير من ذلك. وبدا والد عياش، بعد 10 أيام كاملة من الفاجعة صابرا محتسبا مؤمنا بقضاء الله وقدره، مؤكدا أنه فقد ابنا وكسب قلوب الملايين من الناس، وأن عياش ليس ابنه لوحده بل ابن كل الجزائريين، موجها عبارات شكر وتقدير لكل من وقف معه في هذه المحنة من مواطنين وسلطات محلية وأسلاك أمنية. حادثة السقوط تصنع الجدل وفي السياق نفسه، صنعت حادثة سقوط عياش داخل الماسورة الحديدية الحدث والجدل بين المواطنين، التي تعد الأولى من نوعها في الجزائر وحتى في العالم، خاصة بعد طول مدة بقاء الضحية وعدم التمكن من إنقاذه طيلة تسعة أيام كاملة بلياليها. أم الشمل تلم شمل الجزائريين وتحولت حادثة السقوط إلى حديث العام والخاص، خاصة عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، نظير هول الصدمة الفاجعة التي شغلت الرأي العام، وأضحت بذلك المنطقة الأشهر والأكثر تداولا، ومقصدا للمئات من المواطنين الذين لم يهدأ لهم بال، إلا بزيارة المنطقة والوقوف على حقيقة ما يجري وسير عملية الإنقاذ والحفر، حتى من خارج الولاية، وسط هبة تضامنية واسعة النطاق. غياب السلطات يثير غضب شقيق عياش ويلهب الفايس بوك تحول الحديث الذي دار بين والي المسيلة حاج مقداد الذي حل بالمنطقة في ساعة مبكرة من اليوم الخامس للحادثة بعدما أوفد رئيس الديوان قبل يوم من زيارته، إلى مادة إعلامية، وصنع الفيديو الذي تناقلته وسائل الإعلام الوطنية والدولية، الحدث، خاصة بعد العتاب واللوم الذي وجهه شقيق الضحية لما سماه تأخر وغياب السلطات منذ اليوم الأول، وحديثه بطريقة عفوية مع الرجل الأول في الولاية. جهود جبارة لفريق الإنقاذ بإمكانيات بسيطة بذل فريق الإنقاذ التابع لوحدات الحماية المدنية بالمسيلة، كل الجهود من أجل إنقاذ وإخراج عياش إلا أن قلة الإمكانيات التقنية والوسائل حالت دون ذلك، وصنع أعوان الحماية المدنية صورة مشرقة عن العمل المبذول الذي لم ينقطع طيلة 216 ساعة على التوالي، وهو ما حتم وضع خيمة والمكوث هناك منذ اليوم الأول إلى غاية نهاية المهمة ومنه انتشال الجثة. غليان ومنع أعضاء اللجنة الوزارية للمعاينة من زيارة حفرة عياش وبمرور الوقت وبعد الإعلان الرسمي عن وفاة الشاب، وتحت الضغط الجماهيري والمطالبة بدعم فريق الإنقاذ وطول المدة لجأت وزارة الداخلية والجماعات المحلية إلى إيفاد لجنة معاينة يترأسها الأمين العام للوزارة وبحضور أمناء عامين لبعض الوزارات الأخرى ذات الصلة، من أجل أداء واجب العزاء والوقوف على حقيقة الأوضاع وسير عملية الإنقاذ، إلا أنها قوبلت بصيحات الاستهجان، حيث تم منع الوفد الرسمي من معاينة الأشغال بعد تشكيل دروع بشرية حالت دون التمكن من ذلك، الأمر الذي دفع اللجنة إلى الإسراع في مغادرة المكان والعودة فورا إلى العاصمة، نتيجة ما وصفه المواطنون بالتقصير والإهمال وعدم دعم الحماية المدنية بالوسائل اللازمة في الوقت المناسب. قطع الطرقات.. احتجاجات ورشق بالحجارة لمبنى الولاية وفي الصدد ذاته، استغل العشرات من الشباب خروج أنصار فريق وفاق المسيلة، بعد الهزيمة أمام تقرت الفرصة للخروج في احتجاجات، استغلها البعض ومنه تم إقحام قضية الحال، ورشق مقر الولاية بالحجارة، كما أدى إلى تخريب زجاج بعض النوافذ وتكسير الموزع الآلي الخارجي بالبريد الرئيس، وكذا أضواء عمومية وحرق للعجلات المطاطية، والتجمهر وسط الطريق العام، وهو ما تسبب في حالة استنفار لقوات الأمن على مدار الليلتين الماضيتين، حيث تم إلقاء القبض على 38 شابا سيتم تقديم 33 منهم على مستوى الجهات القضائية بعدما تم تشكيل ملفات قضائية ضد 5 تم إيقافهم ليلة الثلاثاء الماضي ومنه إحالتهم على القضاء. صعوبات ومشاكل ورجال الإعلام يتحدون الظروف بذل رجال الإعلام بالمسيلة، مجهدات جبارة في سبيل أداء المهام ومن أجل متابعة كل المستجدات بخصوص قضية الحال، ولم يغادر المنتسبون إلى رجال السلطة الرابعة، منطقة أم الشمل، من أجل نقل تطورات السقوط والجهود المبذولة، رغم العزلة وبعد المنطقة وكذا ظروف العمل غير المواتية، وقضى ممثلو مختلف وسائل الإعلام ليالي متحملين الجوع والتعب والسهر، كما وجدوا صعوبات في أداء مهامهم تارة نتيجة وجود الفضوليين بأعداد كبيرة وحتى من قبل مصالح الدرك الوطني. تضامن وتآزر من مختلف ولايات الوطن وصنع الجزائريون أبهى وأسمى صور التضامن، في ما بينهم، وكانت هذه الفاجعة التي حلت بعائلة محجوبي، درسا وعبرة لمن يعتبر، بفعل التضامن والتآزر ودعم فريق الإنقاذ بعتاد وآليات، كما سخر الكثير وقتهم وراحتهم وقضوا أياما في موقع الحفر، من أجل مواساة أهل الضحية وسكان القرية الذين لم يجدوا أنفسهم لوحدهم في هذا المصاب، بل على العكس ضرب الشعب الجزائري من مختلف ربوع الوطن، مثالا للتآخي والتلاحم في مثل هذه الظروف، كما تكفل آخرون بإطعام العشرات من العاملين وتوفير المأكل والمشرب طيلة 9 أيام. نشاط لافت للمواطن الصحفي كما ساهم الكثير من الشباب في نقل مختلف مستجدات القضية، من خلال الهواتف الذكية والنشر المباشر والمتواصل للأحداث.. وصنعوا بذلك ما يسمى المواطن الصحفي، وباتوا في العراء، وفي ظروف صعبة لمتابعة عمليات الحفر والبحث عن عياش، الذي أبكت فاجعته الملايين، كما رفض هؤلاء المغادرة ومنهم من تخلى عن نشاطاته وأعماله من أجل متابعة العملية من البداية إلى النهاية.