على بعد نحو من أسبوع من استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية المرتقبة في أفريل المقبل، لا يزال مصير بيان السياسة العامة لحكومة الوزير الأول أحمد أويحيى، غامضا، ما يرجح عدم عرضها، بالنظر لعامل الزمن الذي بدأ يضغط مع اقترب موعد الاستحقاق. ويعني استدعاء الهيئة الناخبة، دخول البلاد ومؤسساتها في مسار الإعداد المباشر للانتخابات الرئاسية، فالبرلمان يصبح في شبه عطلة، أما الحكومة فتشرع في التحضير اللوجيستي للعملية، ومعها يصعب عليها التفرغ لعرض بيان السياسة العامة على النواب، ومن ثم القدرة على الالتزام بنص دستوري صريح. هذه القضية أثيرت قبل نحو شهر من الآن، واضطرت الوزارة الأولى حينها إلى إصدار بيان، نفت من خلاله أي دور لرئاسة الجمهورية في تأخر عرض بيان السياسة العامة، غير أن البيان ذاته لم يؤكد، كما لم ينف عرض بيان السياسة العامة. وجاء ذلك البيان ردا على تسريبات تحدثت عن قرار من رئاسة الجمهورية بمنع عرض بيان السياسة العامة، وهو ما نفته الوزارة الأولى، التي أرجعت التأخر في عرضها (السياسة العامة) إلى ما وصفه "الرزنامة السياسية والدبلوماسية الجد مكثفة" للوزير الأول. ومنذ ذلك التاريخ لم تثر هذه المسالة بالرغم من أن النص الدستوري الناظم لهذا الجانب من مسؤولية الحكومة واضح، وهو إجبارية عرض بيان السياسة العامة للحكومة على الغرفة السفلى للبرلمان، فيما يبقى الأمر اختياريا بالنسبة للغرفة العليا. وتنص المادة 98 من الدستور المعدل في 2016 على: "يجب على الحكومة أن تقدم سنويا إلى المجلس الشّعبيّ الوطنيّ بيانا عن السّياسة العامّة. تعقُب بيان السّياسة العامّة مناقشة عمل الحكومة. يمكن أن تُختتَم هذه المناقشة بلائحة. كما يمكن أن يترتّب على هذه المناقشة إيداع مُلتمَس رقابة يقوم به المجلس الشّعبيّ الوطنيّ (…) للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشّعبيّ الوطنيّ تصويتا بالثّقة. وفي حالة عدم الموافقة على لائحة الثّقة يقدّم الوزير الأول استقالة الحكومة. يمكن الحكومة أن تقدّم إلى مجلس الأمّة بيانا عن السّياسة العامّة". وانطلاقا من نص هذه المادة الدستورية، فإن عرض بيان السياسة العامة يمكن أن تنجر عنه تداعيات سياسية، قد تكون السلطة غير مستعدة لمواجهتها، ولعل على رأس هذه التداعيات، احتمال إيداع مُلتمَس رقابة على الحكومة، يقوم به المجلس الشعبي الوطنيّ طبقا لأحكام المواد 153 و154 و155 من الدستور. احتمال إيداع ملتمس الرقابة على الحكومة في حال عرضها بيان السياسة العامة، قد يحدث لعدة اعتبارات، منها الغضب الذي يجتاح المعارضة بشأن أداء الحكومة المتعثر، والذي تمظهر من خلال الأزمات السياسية والاحتقان الاجتماعي، والفشل المسجل في الكثير من القطاعات الوزارية، فضلا عن طبيعة الظرف السياسي الذي يطبع المشهد قبل نحو ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، بحيث لا يزال الغموض سيد الموقف، بشأن مرشح السلطة، وهو ما أربك "المرشحين الكبار" وحال دون حسمهم في أمر دخولهم معترك سباق الرئاسيات من عدمه. غير أنه، وعلى الرغم من كل هذا التذمر، فإن خارطة التمثيل في المجلس الشعبي الوطني الحالية، قد تمنع وقوع تصويت بطرح الثقة من حكومة أويحيى، لكون الأغلبية المطلقة توجد بحوزة معسكر الموالاة (حزب جبهة التحرير الوطني، حزب التجمع الوطني الديمقراطي، حزب تجمع أمل الجزائر "تاج"، حزب الحركة الشعبية). لكن، ما الذي ستقوله الحكومة للرأي العام في حال لم تعرض بيان سياستها العامة على البرلمان؟ فالدستور واضح. وهل يقبل الجزائريون بأن تكون الحكومة أول من يخرق نصوص الدستور؟ وماذا سيبقى من مصداقية بعد ذلك؟