مع دخول الجزائريين أجواء الانتخابات الرئاسية، توجهت الأنظار إلى موقف الإسلاميين من هذا الاستحقاق. فأبناء هذا التيار لطالما شكلوا حساسية يحسب لها ألف حساب منذ دخول البلاد أجواء الانفتاح الديمقراطي، إلا أنهم تحولوا إلى رقم غير فاعل مع مرور الوقت. وقد ساهم في تكريس هذا المعطى، حالة التشرذم التي يعيشونها، فبعدما كانوا منقسمين إلى ثلاثة أحزاب، باتوا اليوم منقسمين إلى سبعة أحزاب أو أزيد، غير قادرين على توحيد صفوفهم، اللهم إلا في بعض الاستحقاقات كالتشريعيات والمحليات، غير أن ذلك لم يضف إلى واقعهم البائس جديدا، وقد جاء موعد الاستحقاق الرئاسي ليؤكد هذا التوصيف، فالكل شرع في جمع استمارات الترشح، لكن من دون أن يبحث في إمكانية تقديم مرشح واحد عن الجميع، بحجة أن الرئاسيات لا تحتاج إلى مرشح بخلفية إيديولوجية. فما جدية مثل هذه المبررات؟ ولماذا لم يتمكن الإسلاميون من الحفاظ على حضورهم في الشارع؟ وهل يمكن القول إن "الإسلام السياسي" فشل في الجزائر؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها. عجزوا عن تقديم مرشح يجمعهم الإسلاميون من رقم فاعل إلى تيار تابع شكل الإسلاميون منذ تبني دستور فبراير 1989 الذي كرّس الانفتاح السياسي، تيارا استطاع فرض نفسه كطرف فاعل في المشهد، تجسد من خلال الانتصارات التي حققها في الانتخابات التي أجريت في بداية التسعينيات، غير أن وضع هذا التيار لم يعد على ما يرام على مدار السنوات الأخيرة. فنتائجه في الانتخابات التشريعية والمحلية لم تعد تتماشى وتطلعات أبنائه، أما الانتخابات الرئاسية، فأصبحت استحقاقا لم يعد يستهوي الكثير من مكوناته، التي باتت إما مساندة لمرشح السلطة، أو مفضلة سياسة الكرسي الشاغر. غير أن هذه المرة، يبدو أن موقف الإسلاميين سيكون على عكس ما جرت العادة، فقد باشرت بعض مكونات هذا التيار سباقا من أجل الترشح لاستحقاق الثامن من أفريل المقبل، فيما لا تزال البقية تعد العدة، وفق ما بدر عن مؤسساتها الحزبية مباشرة بعد استدعاء الهيئة الناخبة. أول المتعاطين بشكل إيجابي مع الرئاسيات المقبلة من أبناء هذا التيار، كانت حركة مجتمع السلم التي أعلنت خوضها السباق وشروعها في جمع استمارات توقيعات الترشح، وقد برمجت اجتماعا لمجلسها الشورى نهاية هذا الأسبوع، لترسيم قرار المشاركة. وقد سبق قرار الحركة خوض السباق، تصريحا من قبل رئيسها السابق، أبو جرة سلطاني، مفاده أنه ينوي خوض السباق، في موقف اعتبر من قبل الكثير من إطارات "حمس" استفزازا لخلفه عبد الرزاق مقري، الذي يفترض أن يكون هو المرشح في حال قررت الحركة دخول معترك الانتخابات الرئاسية، غير أن تسارع الأحداث في بيت "حمس" يكون قد دفع سلطاني إلى مراجعة حساباته وخياراته، وفق ما قاله ل "الشروق". ويبدو أن "جبهة العدالة والتنمية" التي يرأسها عبد الله جاب الله، ماضية في طريق الترشح أيضا، فقدت جمعت "الجبهة" أركانها مباشرة بعد توقيع مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، وأكدت جاهزيتها لخوض غمار الرئاسيات، غير أنها أرجأت ترسيم القرار النهائي إلى غاية اجتماع مجلس الشورى الوطني، المرتقب بعد أسبوعين، وهو قرار وإن كان أوليا، إلا أنه أعاد جاب الله إلى واجهة الأحداث، بعد غياب عن المشهد لسنوات. من جهتها، حركة البناء التي يرأسها وزير السياحة الأسبق، عبد القادر بن قرينة، التي تعتبر أحد "فروع" حركة مجتمع السلم، حسمت أمرها أيضا بترشيح رئيسها، وقد أعلنت شروعها في اكتتاب التوقيعات، تحسبا للاستحقاق المقبل. ويعتبر قرار ترشيح بن قرينة، "ضربة استباقية" من حزب بن قرينة، من شأنها أن تربك "تحالف النهضة والعدالة والبناء"، الذي قد يدفع بترشيح رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، في معترك الرئاسيات المقبلة، باعتباره الوجه الأكثر حضورا في المشهد بين زعماء الأحزاب الثلاثة. وعلى عكس مكونات هذا التيار، تؤشر التوجهات داخل حركة النهضة إلى عدم خوضها سباق الرئاسيات، فهي لم تعلن بعد سحبها استمارات الترشح كما فعل أقرانها، كما أن اجتماع مجلس الشورى المخول بالحسم، مُرحّل إلى ما بعد أسبوعين، ما يعني أن الفترة المتبقية بعدها قد تكون كافية لجمع التوقيعات المطلوبة لمرشحها في حال قررت ترشيح ممثل عنها. أما حركة الإصلاح الوطني، فقد سبق أن حسمت أمرها بترشيح الرئيس بوتفليقة بالرغم من أن هذا الأخير لا يزال لم يقل كلمته. رئيس "حمس" السابق أبو جرة سلطاني سأحسم في أمر ترشحي قريبا قال رئيس حركة مجتمع السلم السابق، أبو جرة سلطاني إنه يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة بعد مشاورات أجراها، وأضاف: "سوف أزن هذه المشاورات بميزان المسؤولية الكاملة وفي ضوء ما أتوصل إليه، وسوف أقرّر رسميا الاستمرار في تجديد النية في الترشح أو أقطع هذه النية وأطوي ملفها بشكل نهائي، وذلك ما سوف يتطور في الأيام القليلة المقبلة، لأني توصلت حتى الآن إلى أخذ رأي نصف القائمة التي أرغب في أن آخذ رأي أصحابها في دعم الترشح من عدمه..". وأضاف: "شعوري الشخصي أن المسؤولية بدأت تثقل على كاهلي من منطلق أن وضعنا الحالي يحتاج إلى شخصية ينعقد بشأنها شبه إجماع يكون لها سند قبل الحملة الانتخابية ويتحول إلى رصيد من الثقة الشعبية الحاضنة لبرنامجه الانتخابي، الذي لن يكون تنفيذه سهلا في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعيشها الجزائر منذ عدة سنوات". ونبه سلطاني في تصريح ل"الشروق" أنه سوف لن "يغفل البعدين الإقليمي والدولي، لأن رئاسة الجمهورية ليست شأنا وطنيا خالصا وإنما هي كذلك بعد إفريقي ومغاربي وعربي وإسلامي ودولي". وتحفظ سلطاني على إمكانية تقديم مرشح باسم الإسلاميين، وقال: "لا اعتقد أن الوقت مناسب لترشيح شخصية ذات لون إيديولوجي، لأن الاصطفاف الحزبي أو الجهوي أو اللغوي أو العرقي أو الإيديولوجي لا يصلح أن ينتج رئيسا للدولة يكون مطالبا بأن يخدم الجزائر بجميع مكوناتها ومقوماتها، دون أن يخضع لضغط النخب أو لابتزاز من زكوا ترشحه وصوتوا لصالحه وأعطوه لونا إيديولوجيا يستفز الألوان الأخرى لتتألب على برنامجه وتُحاصره وتتخوف من توجهاته وقد تنجح في تأليب الرأي العام الوطني ضده". ولاحظ: "من يريد الترشح إلى هذا المنصب وفي نيته النجاح وليس مجرد تسخين الأجواء ومرافقة المسار الانتخابي، يجب عليه أن يخلع ثوب الانتماء الإيديولوجي ويخوض المعركة باسم الجزائر وباسم الديمقراطية ويقدم برنامجه بحجم المشكلات والتطلعات والأشواط التي يحلم بها جميع الجزائريين، ولا سيما في آفاق الشباب والمحرومين من الذين انقطعت بهم السبل فصاروا لا يفكرون إلا في الحرقة أو في العزوف عن التصويت، لأنهم فقدوا الأمل في الصناديق وفي البرامج وفي الرجال". القيادي في "حركة البناء" سليمان شنين نرفض التعامل مع الرئاسيات بالمنطق الإيديولوجي قال النائب سليمان شنين، القيادي في "حركة البناء" التي يرأسها وزير السياحة الأسبق، عبد القادر بن قرينة، إن قرار الحركة سحب استمارات ترشح رئيسها جاء تنفيذا لقرارات مجلس الشورى الأخير في دورته الاستثنائية، والذي عبّر فيه على أن "الحركة معنية بالانتخابات الرئاسية". وأضاف شنين أن "خيارات التعاطي مع الانتخابات المقبلة، متعددة وعلى رأسها الترشح، ولهذا شرعنا بجمع التوقيعات والاستمرار والتواصل والحوار مع مختلف مكونات الساحة السياحية". وبخصوص موقف الحركة، في حال قرر الرئيس بوتفليقة الترشح أوضح شنين في اتصال مع "الشروق" أن "الحركة لا تربط موقفها من الانتخابات بترشح الرئيس بوتفليقة وإنما تربطها بالقانون والدستور وكذا التطورات التي تعرفها الساحة السياسية، وهذه هي التي ستحدد الموقف المستقبلي في اجتماع مجلس الشورى الذي سيحدد القرار النهائي من الانتخابات بشكل عام". وشدد على أن الحركة "تتعاطى مع الانتخابات بالمنطق الوطني وليس بالمنطق الإيديولوجي، ولهذا الانتخابات تعني كل الجزائريين ولا تعني تيارا معينا ونحن حريصون أتم الحرص على أن نكون ضمن التيار العام الجامع الذي يجد فيه الجزائريون بمختلف انتماءاتهم أنفسهم فيه، وهذه الجمهورية الثانية التي نريدها أن تتأسس في هذه الانتخابات بعيدا عن الإقصاء والتصنيف، مؤمنة بالكفاءة والولاء، حريصة على جميع الجزائريين وليس على جهة أو فئة أو مجموعة معينة". الأمين العام لحركة النهضة يزيد بن عائشة "لا يمكن الحديث عن مرشح واحد للإسلاميين حاليا" أين أنتم من هذا الاستحقاق المقبل؟ في الوقت الحالي، بدأ سحب الاستمارات ولم تتأكد بعد الترشيحات، أما بالنسبة إلى الحركة، فموقفها من الاستحقاقات القادمة سيحدده مجلس الشورى الذي سينعقد في أقرب الآجال، ومن خلاله فقط ستتحدد الصيغة التي ستشارك فيها "النهضة" في هذا الموعد الهام، وإلى حد الساعة ليس هناك أي موقف نهائي للحركة. هل ترشحون أم تدعمون مرشحا آخر؟ هذه الصيغ المختلفة سواء تعلقت بالمشاركة عن طريق مرشح الحركة أم في إطار تحالف سياسي أم حتى مقاطعة الانتخابات إذا لم تتوفر الشروط لذلك لم تتحدد بعد، فالحركة إلى حد الساعة منفتحة على كل الخيارات، وبعد دراستها سنقرر عن طريق مجلس الشورى ما سنفعل. في حال ترشح الرئيس بوتفليقة.. هل تشاركون أم تنسحبون؟ إلى حد الآن لم نحدد أي موقف ولا علاقة لترشح الرئيس لعهدة خامسة بقرارنا والصيغة التي سنتخذها، سواء تعلق الأمر بترشيح مرشح الحزب أم المقاطعة أم الالتفاف حول مرشح توافقي، وكل ما يحصل الآن هو أشياء استباقية، وتمنينا أن تكون المشاركة في إطار عائلات سياسية أو بصيغة معارضة موالاة، بحيث يكون لهذه الانتخابات نكهة تنافسية وتتسم بالمصداقية لدى المجتمع، للوصول إلى محطة الرئاسيات التي ستوصل المرشح إلى منصب واحد، والأجدر بنا أن نعطي هذه المحطة التنافس الجدي سواء في إطار عائلات سياسية أم معارضة.. تفضي إلى فرض تغيير أو تحقيق تغيير ملموس. هل يمكن أن تتفقوا على مرشح واحد يمثل الإسلاميين؟ تمنينا لو أن مختلف الفضاءات التي تكتلت في إطار التحالفات منذ سنوات تصل إلى مبتغاها وتتفق على مرشح توافقي، فمنذ 2012 شهدنا تكتل الجزائر الخضراء الذي لم يستمر وانتهى بمجرد انتهاء التشريعيات، وبعده الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء لكنه لم يستمر وتلاشى بعد المحليات، وفي غياب كل هذه الفضاءات التنسيقية التي تحقق مرشحا من عائلة سياسية واحدة فلا يمكننا الحديث عن مرشح يمثل الإسلاميين في هذا الوقت، ونحن نتأسف لهذا التشرذم الذي أصاب العائلات السياسية سواء كانت وطنية أم إسلامية، فلا يوجد مرشح واحد للأحزاب الإسلامية. القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف لا نرى مانعا في تقديم مرشح عن الإسلاميين بدأت الترشيحات للانتخابات الرئاسية.. أين أنتم من هذا الاستحقاق؟ نحن في جبهة العدالة والتنمية معنيون بهذه الانتخابات خاصة بعد استدعاء الهيئة الناخبة الذي وضع حدا للضبابية التي كانت تكتنف الاستحقاقات الرئاسية حيث سبقتها مرحلة اتسمت بدعوات التأجيل تارة والتمديد تارة أخرى، وبما أن الانتخابات ستكون في موعدها الدستوري يوم 18 أفريل المقبل، عقدنا الجمعة الماضي اجتماعا ضم هياكل الحزب لتحديد مدى جاهزيته لخوض هذه المعركة الانتخابية، وأعلنت هذه الهياكل جاهزيتها واستعدادها لخوض غمار الرئاسيات، فالجبهة ترى نفسها معنية كرقم فاعل في الساحة السياسية، وبما أننا حزب تحكمه مؤسسات، فالمؤسسة المخولة قانونا للفصل في هذه الأمور هي مجلس الشورى الوطني، الذي تم استدعاء أعضائه إلى دورة عادية بعد أسبوعين للفصل في هذا الموضوع. هل ترشحون أم تدعمون مرشحا آخر؟ لا يزال الغموض يخيم على الساحة السياسية رغم استدعاء الهيئة الناخبة وتحديد موعد الانتخابات، فإلى حد الآن لا نعرف إن كانت هناك عهدة خامسة ولم نتخذ قرارا بخصوص مرشحنا، ومن خلال المعطيات والمستجدات التي ستجلبها الأيام القادمة سنتخذ الموقف المناسب، إن كنا سندخل غمار الرئاسيات بمرشح من الحزب أو سيتم الاتفاق على شخصية وفاق وطني. سندرس في اجتماع مجلس الشورى كل الاحتمالات. إذا وجدنا المعارضة وكانت في المستوى واتفقت حول مرشح معين لا نرى مانعا في الجبهة على ترشيحه، مع ذلك تبقى مشكلتنا هي الضمانات التي تقدمها السلطة لاحترام الإرادة الشعبية هذه المرة. كما يتحدد موقفنا أيضا على الضمانات التي تقدمها الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات التي سبق أن تعاملنا معها في التشريعيات والمحليات وحتى انتخابات مجلس الأمة، لاحترام إرادة الشعب، حينها تبقى كل البدائل مطروحة. في حال ترشح الرئيس بوتفليقة.. هل تشاركون أم تنسحبون؟ مجلس الشورى وحده يقرر هذا القرار، وفي حال ما ترشح الرئيس بوتفليقة نحن نتساءل أين هي العهدة الرابعة حتى يترشح للخامسة، فبعدما سيرت الرابعة بأمر الواقع والوكالة، بسبب مرض الرئيس شفاه الله. من يسوقون للخامسة ويريدون الاستمرارية فهم يفكرون في أنفسهم وليس في مصلحة البلاد والعباد التي تقتضي إيجاد مرشح قادر على أن يعمل 18 ساعة في اليوم، خاصة أننا أمام أزمة في شتى المجالات، وإذا كان هناك ترشيح للرئيس للعهدة الخامسة فهو سيترشح من أجل الفوز لا المنافسة، وفي هذه الحالة فانسحابنا وارد واحتمال مقاطعة الانتخابات وارد بقوة باعتبارها محسومة مسبقا. هل يمكن أن تتفقوا على مرشح واحد يمثل الإسلاميين؟ نحن لا نحصر مصلحة البلاد في الإسلاميين، فالساحة السياسية فيها الوطنيون والعلمانيون والمعارضة ورغم اختلاف إيديولوجيتها فنحن نحبذ التوافق بين المعارضة وأن نخرج من هذا التصنيف لاختيار مرشح يمثل التيار الوطني والإسلامي خدمة للديمقراطية والمصلحة العامة للبلاد والعباد.