ضربت قطر بتتويجها بلقب أمم آسيا لأول مرة في تاريخها، على بعد ثلاث سنوات وتسعة أشهر من احتضانها للمونديال القادم، عدة عصافير بحجر واحد، فقد أعلنت نفسها رسميا كأمة كروية لن تستضيف منافسة كأس العالم وتستقبل على أراضيها أكبر المنتخبات التي سبق لها التتويج بالتاج العالمي ونجومهم الكبار، وإنما ستنافس على اللقب على أرضها، خاصة إذا تمكنت من مواصلة مشروعها الكروي الكبير الذي أثمر الجمعة لقبا كبيرا، ولم يأت من باب الحظ والصدفة وإنما جمع النتائج مع الطريقة. والمنتخب الذي يلعب منافسة بحجم كأس آسيا ويسجل فيها انتصارات في كل المباريات ويمضي 19 هدفا ولا يتلقى سوى هدف وحيد ويحصل على كل الألقاب الفردية لا يمكن له سوى أن يكون منتخبا من طينة الكبار، لن يعيش على مدار كل السنوات التي تسبق كأس العالم 2022 أية ضغوط، لأنه غير معني لا بتصفيات كأس آسيا للأمم ولا بتصفيات كأس العالم، ولا بمنافسة كأس الخليج التي توقفت بسبب الصراع السياسي الدائر رحاه حاليا في منطقة الخليج العربي. مهم جدا أن يكون البلد المستقبل لمنافسة كأس العالم، كروي، وله تقاليد في اللعبة، وهذا ما كان ينقص القطريين الذين كانوا على بعد أشهر قليلة من المونديال وهم لا يمتلكون أي لاعب كبير ولا أي لقب كبير، فقد استقبلت الأوروغواي أول مونديال سنة 1930 وفازت به، وحتى تؤكد بأنها بلد كروي حققت لقبا آخر، في مونديال 1950 وفي البرازيل، كما استقبلت السويد مونديال 1958 ووصلت إلى الدور النهائي ولم تخسر اللقب إلا أمام البرازيل التي لعبت لأول مرة بجوهرتها بيلي، ولم تشذ عن قاعدة التألق إلا سويسرا في سنة 1954 والشيلي في سنة 1962 والولايات المتحدةالأمريكية في سنة 1994، ويشيع لدى عامة الناس بما فيهم المختصين في لعبة كرة القدم أن الحكام دائما يتعاطفون مع البلد المنظم في الدور الأول حتى يبقى في المنافسة ويضمن كأس العالم الجماهيرية التي هي أساس اللعبة. تضم آسيا منتخبات قوية وقد سبق لمنتخب آسياوي وهو كوريا الجنوبية وأن وصل إلى الدور النصف النهائي في مونديال 2002، وهو إنجاز لم يحققه أي منتخب من القارة السمراء، كما برزت منتخبات آسياوية أخرى ومنها كوريا الشمالية في مونديال 1966، عندما اجتازت الدور الأول على حساب إيطاليا، ولكنها لم تتعامل بالشكل المثالي في لقاء الربع النهائي، عندما كانت فائزة في بداية مباراتها أمام البرتغال بثلاثية نظيفة، حيث خسرت وخرجت من المنافسة وغضب الرئيس الكوري الشمالي ورفض أي استقبال لأعضاء الفريق، لأنه كان قد طالبهم بالعودة بالكأس من إنجلترا في أول وآخر مشاركة لكوريا الشمالية في كأس العالم. القطريون مجبرون الآن على تطوير الدوري المحلي الذي مازالت نقاطه السوداء في غياب الجماهير إلى درجة أن بعض المقابلات لا يحضرها أزيد عن 50 شخصا، بالرغم من أن كل النجوم الذين تألقوا في دورة الإمارات العربية المتحدة، ينشطون في الدوري المحلي ولا يوجد في قاموس الكرة القطرية أي نجم يحترف في أوربا بسبب الراحة المالية للفرق القطرية، ولاعبين مثل الحيدوس وحتى بوعلام خوخي الجزائري الأصل والمولد، بإمكانهما اللعب في أي فريق أوروبي، وبالرغم من أن الدوري القطري يضم عددا من نجوم العالم ومنهم تشافي الإسباني والمغربي بن عطية الذي غادر جوفنتوس في الميركاتو الشتوي لأجل تقمص ألوان الدحيل الذي يوجد ضمن طاقمه التدريبي الجزائري مجيد بوقرة. إستقبال دولة قطر الصغيرة لمنافسة كأس العالم، وهي بطلة آسيا، له مغزى وسيفتح شهية المشاركين من المنتخبات التي افتخرت بتواجدها في صيف 2014 في البرازيل بلد الكرة، وتوجسوا خيفة من تواجدهم في نهاية 2022 في قطر، على أساس أن البلد لا علاقة له باللعبة، ليأتي الجواب الشافي من المنتخب العنابي الذي قدم مباريات أشبه بالتحفة وسجل أهدافا لا نرى مثيلا لها إلا من نجوم العالم، وتبقى غالبية التتويجات القطرية بنكهة جزائرية، فقد فاز السد القطري برابطة الأبطال الآسيوية، ووصلت نهائي مونديال الأندية بقيادة نذير بلحاج، وفازت بلقب كأس الخليج بقيادة المرب جمال بلماضي، وها هي الآن تحقق كأس أمم آسيا في وجود بوعلام خوخي وكريم بوضياف. ب. ع