كانت الاحتفالات بيوم العيد عادية بالنسبة لكل العائلات لكن بالنسبة لعائلة سلامة ببئر حدادة جنوب ولاية سطيف، العيد كان مختلفا تماما لأن الأطفال لم يتمكنوا من مغافرة والدهم ولا والدتهم، فالأول في السجن والثانية انتقلت إلى رحمة الله إثر جريمة بشعة ارتكبها الأب في حق أم أبنائه. فأي عيد لأطفال لازال دم أمهم ملطخا على جدران المنزل، وإذا كان الجميع قد نسي تلك الجريمة فهي لا تزال راسخة في ذهن كنزة وإخوتها الثمانية. مرت سنتان على جريمة ذلك الأب الذي قتل زوجته بفأس وتركها تتخبط وسط أبنائها في بركة من الدماء. فذات يوم خميس من سنة 2010 استيقظ الأبناء الذي يقطنون بمستودع ببئر حدادة، وشرعت البنات في ترتيب الفراش بينما بقيت الأم متكئة في مضجعها تشكو المرض وفجأة دخل عليها زوجها وطلب منها أن ترافقه إلى المستودع المجاور لأنه يحتاجها في أمر مهم ولما ترددت سحبها بالقوة وأغلق الباب على الأبناء بقفل حديدي. وعندما اختلى الرجل بزوجته ودار بينهما حديث لأكثر من ساعة ليسمع بعدها الأبناء صراخ الأم الذي كان يتزايد في كل مرة لكن فجأة سكتت الأم عن الكلام المباح وخيم السكون على المكان . وحينها بدأ الأطفال يصرخون ويطالبون بفتح الباب فطلب منهم الوالد أن يصمتوا وغادر المكان ولما ظل الأطفال يصرخون سمعهم جارهم الذي استنجدوا به فهرع إليهم وقام بكسر قفل الباب وركض الجميع باتجاه المستودع الثاني وحينها كان المشهد مفزعا للغاية، الأم تتخبط وسط بركة من الدماء رأسها مهشم به عدة فتحات والعين اليسرى فتقت والشارب العلوي ممزق والأسنان الأمامية تساقطت والدماء غمرت الجسم بكامله. هذا المشهد شاهده الأطفال الصغار بكل تفاصيله. وحسب ما روته لنا البنت كنزة فإن الأب كان يحبسهم في المستودع ويغلق الباب ويغيب لعدة أيام وفي غالب الأوقات لا يترك لهم ما يسدون به الرمق. الجريمة مرت عليها سنتان والأطفال تم إجلاؤهم ونقلهم إلى بيت خالهم الذي لا يزال يتكفل بهم رفقة شقيقه، ولقد تذكرناهم بهذه المناسبة فزرناهم وتوجهنا إلى المنزل الذي كانوا يقطنون به فتفاجأنا بدم الأم لازال ملطخا على الجدران ولم يتمكن أحد من تنظيف المكان. حياة العائلة تغيرت وانقلبت رأسا على عقب، وفي رأي أهل المنطقة الأبناء خرجوا من الجحيم ومن البنات من دخلت القفص الذهبي، حيث تزوجت كل من رتيبة وصبرينة وفوزية وكنزة بينما لازال المكي ونورة ونادية والبحري ورحيلة يعيشون في بيت خالهم، مع العلم أن هذا الأخير له 8 أبناء وشقيقه له 7 أبناء وكل هؤلاء يعيشون في منزل واحد أي أن الخال وشقيقه يتكفلان ب 24 طفلا في ظروف اجتماعية صعبة للغاية، ورغم ذلك قال لنا الخال لا يمكنني أن أتخلى على أبناء أختي مهما كان الحال. والحمد لله تحسنت وضعيتهم والتحق الصغار بالمدرسة بعدما حرموا منها في عهد والدهم كما أصبحوا يشاهدون التلفاز الذي لم يعرفوه منذ أن ولدوا. أما بالنسبة للوالد فقد حكمت عليه المحكمة بالمؤبد وهو الآن يقضي العقوبة في سجن بيلار بسطيف ولم يفكر أبناؤه إطلاقا في زيارته. وقد قضت المحكمة بتعويضات مالية فرضت على الوالد لصالح الأبناء لكن لحد الساعة لم يستفيدوا منها ولم يتلقوا المساعدة من أية جهة، ولذلك يناشد الخال السلطات المحلية كي تلتفت لهؤلاء الأطفال الأبرياء الذين لازالت آثار الصدمة بادية على وجوههم. وبمناسبة العيد يقول الأبناء تمنينا أن نكون كباقي العائلات نفرح ونمرح ونقبل والدينا ونرتمي في حضنيهما لكن للأسف كتب علينا أن لا نعيش كبقية الأطفال.