بقيت الجزائر في مرتبة متأخرة في الجراحة التجميلية للأسنان، بكل تقنياتها، إلى غاية السنوات القليلة الماضية، حيث بدأ أطباء الأسنان يدخلون عوالمها المتطورة جدا، التي لا تزال حكرا على الأغنياء بسبب ارتفاع أسعارها. زرنا عيادة متخصصة في زراعة الأسنان بالجزائر، تقع بعين البنيان بالعاصمة.. اقتربنا من كبار المتخصصين فيها، منهم جزائريون وأجانب، لمعرفة عالم زراعة الأسنان، الذي يجهل عنه المواطنون الكثير من المعلومات. فهذه العمليات تُعتبر من أعقد التخصصات حاليا في الجزائر في مجال جراحة الأسنان. والجامعات الجزائرية، إلى حد الآن، لا تدرِّس هذا التخصص، لكن هناك أطباء متمكنون، ومنهم الدكتور بن عمار، وهو جراح بعيادة خاصة، يجري عمليات زراعة عظام الفك، يقوم حاليا بدورات تكوينية في مستشفى بني مسوس، لتدريس هذا التخصص الدقيق. عراقيل البنوك والرسوم الجمركية وراء التهاب الأسعار تضم العيادات الكبرى، التي زرناها، مخابر متطورة لترميم الأسنان، تابعة لعيادات الزرع الذي يحتوي على كل الوسائل بما فيها الفرن الإلكتروني الذي يذيب المعادن بدرجة 1600 درجة مئوية. وقد صُمِّم هذا النوع من المخابر خصيصا للتعامل مع زبائن من دول أوروبية، خاصة أن أسعار الترميم والزراعة، كما قيل لنا، أقل تكلفة مقارنة بدول أوروبية، فطبيب الأسنان في فرنسا يتقاضى 4 آلاف أورو عن كل عملية، في حين طبيب الأسنان في عيادة الزراعة بالجزائر يتقاضى نحو 200 أورو فقط، وهو ما جعل الأجانب والمغتربين الجزائريين في أوروبا يفضلون زراعة الأسنان في الجزائر. كما أن العراقيل التي تفرضها البنوك على الأجهزة المتطورة، كنسبة الفوائد التي تصل إلى 10 بالمائة على القروض، وارتفاع نسبة الحقوق الجمركية التي تصل إلى 42 بالمائة من سعر الأجهزة، والرسم على القيمة المضافة ب17 بالمائة، صعَّبت دخول الكثير من التقنيات التي تختزل الوقت في نحت وبناء الأسنان وزراعتها.. وبالتالي، تقليص ثمنها، ومنها أهم جهاز يسمى التقنية الألمانية "كات كام"، وهو جهاز إلكتروني لتصوير الأسنان، موصول بآلة نحت مباشرة تنحت الأسنان حسب حجمها ولونها وموقعها في الفم، يبلغ سعره نحو 100 ألف أورو، وتعجز العيادات عن استيراده، لأن تكاليف الفوائد والجمركة والرسوم تصل ثلثي القرض. وتلجأ عيادات زراعة الأسنان إلى توفير الطلبات بالنسبة إلى الأشخاص الذين يرغبون في زراعة متطورة ودقيقة بتقنية "كات كام" إلى إرسال العمل إلى لبنان لنحت الأسنان، وهي باهظة الثمن، في حين إن هناك تقنية بناء الأسنان في الجزائر يدويا، وتستغرق وقتا طويلا، وقد لا ترضي أذواق "الزبائن". التراباندو وتسويق مواد محظورة التقينا طبيبَ أسنان سوريا، يدعى فرج يازجي، شرح لنا كيفية بناء الأسنان في المخبر، باستخدام مزيج من المواد والمعادن. وقال إن المادة الأولية التي تدخل في صناعة السن نادرة، وأسعارها مرتفعة، ويتحكم في السوق أشخاصٌ ليست لديهم حِرفية ولا خبرة، وهم مجرد تجار؛ ففي العيادة يتوفر كل شيء من الوسائل والتقنيات، لكن يتوقف العمل لأيام لمجرد نقص في أبسط المواد، كطلاء الأسنان والمادة التي تغلف بها. وأضاف يازجي: "سبق أن اشترينا مواد مصنعة في فرنسا تحتوي على مواد محظورة ك"النيكل" وهو معدنٌ يسبب الحساسية ويشكل خطورة على صحة طبيب الأسنان وعمال المخبر في حال تعرضه للأكسدة". وقال إن وزارة الصحة ليس لديها رقابة على ما يستورد من مواد أولية في زراعة الأسنان. وأضاف أنه يتعامل مع موزعين جزائريين للمادة الأولية، وليست لديهم خبرة كافية، فهم يشترون مواد من السوق الأوروبية تحتوي على تركيبات محظورة أو خطيرة على صحة الإنسان، وأحيانا يستوردون مواد دون توضيح تركيبتها. ويتمُّ بناءُ الأسنان الموجهة إلى الزرع داخل عظم فك الفم من معدن يغلف بطبقة من "أوباك"، وهي عجينة تُغلف بدورها بطبقة من السيراميك ثم توضع في الفرن تحت حرارة تصل 1400 درجة، لتصبح صلبة ثم تتحول إلى عاج أو "بورسولان". وحاليا تستخدم العيادات معدن "كروم كوبالت" بدون نيكل يتم استيراده من ألمانيا، يصنعه مخبر "بيغو"، يغلف بالسيراميك الأمريكي، المصنع في أوروبا. وهناك أسنان تُصنَّع من مواد ثمينة، للأشخاص الأثرياء، وهي مزيج مكوّن من 70 بالمائة ذهبا و30 بالمائة معدن "بلاتيوم" وهو يشبه البلاتين. هذه المادة غير متوفرة في السوق ونادرة جدا، تستخدم في تغليف السن الاصطناعية، وتشتري العيادات كميات قليلة منها حسب الطلب عن طريق "الطراباندو"، ويصل سعر الغرام الواحد منها 15 ألف دينار. وهناك أسنان تُصنع في العاصمة اللبنانيةبيروت، لا تحتوي على المعدن، ومكونة أساسا من "أكسيد الزيركون"، وهو نفس مصدر الماس، وهي أسنان بأسعار ليست في متناول الجميع، وتُصنع حسب الطلب أيضا. ويبلغ سعر زراعة السن الواحدة العادية ما بين 100 إلى 150 ألف دينار، أما سعر الأسنان "الماسية"، فتصل إلى 40 مليون سنتيم. زراعة العظم من الجمجمة أو من الحيوانات في فك الإنسان دخلنا غرفة الجراحة لزراعة الأسنان، وهي غرفة بيضاء اللون، معقمة ومزودة بمصفي هواء بدرجة عالية، تستخدم فيها أدوات معلبة في أكياس بلاستيكية بعد تعقيمها لمدة ساعة ونصف داخل جهاز "أوتوكلاف"، وهو نظام التعقيم الذي توصي به المنظمة العالمية للصحة.. داخل هذه الغرفة، تتم عمليات جراحية دقيقة، تتمثل في زراعة طعوم العظم، بالنسبة إلى الأشخاص الذين فقدوا أسنانهم في سن مبكرة، حيث يضمحل العظم الطبيعي، ولا يمكن زراعة الأسنان في هذه الحالة، إلا بعد عملية زراعة العظم في مكان السن المفقودة. ويستخدم في هذه الجراحة إما عظم يتم نزعُه من الرأس أو الفخذ أو يتم استخدام عظم اصطناعي أو من مصدر حيواني كالبقر. وتتوفر بعض العيادات على بنوك للعظام. التقويم التبييض والوجوه التجميلية… أسعار خيالية يبلغ أبسط تقويم للأسنان 7 ملايين سنتيم للفك الواحد، وسعر المراجعة الدورية 1000 دينار تدفع كل مرة لضبط المقوم.. أما الوجوه التجميلية، وهي عبارة عن أغلفة توضع على السن لإخفاء عيوبها، فسعرها ما بين 4 إلى 6 ملايين للسن الواحدة، أما "الحشوات"، فيختلف سعرها ما بين 4 إلى 6 آلاف دينار من المواد العادية، أما "البورسولان"، فسعرها 15 ألف دينار، فيما يصل سعر الزيركون إلى 30 ألف دينار فما فوق. ويبلغ سعر تبييض الأسنان باستخدام "بيروكسيد الهيدروجين"، نحو 30 ألف دينار.. وتختلف الأسعار من طبيب إلى آخر.