طغت على جلسة مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة أجواء مشحونة طبعتها الأحداث الأخيرة التي تعيشها الساحة الوطنية منذ أسبوع، حيث انتقلت حمى المسيرات والاحتجاجات من الشارع إلى قبة زيغود يوسف وسط تبادل للتهم بين نواب البرلمان حول من يقف وراء ما يحدث، وبين الداعي للتغيير والمطالب بالاستمرارية. جرت جلسة عرض بيان السياسة العامة للحكومة في المجلس الشعبي الوطني تحت حراسة أمنية مكثفة، حيث شوهد منذ الساعات الأولى لنهار الإثنين، توافد كبير لقوات قمع الشغب ورفعت حالة التأهب في محيط البرلمان خوفا من اقتراب المحتجين، غير أن الأجواء خارج المجلس لم تختلف كثيرا عن تلك الموجودة في الداخل، إذا تحولت جلسة عرض ومناقشة بيان السياسة العام للحكومة، لمحاكمة بين النواب، وسط تبادل التهم بين الموالاة والمعارضة، هذه الأخيرة التي ركبت موجة الشارع، ودافعت بقوة عن حق المواطنين في التعبير عن رأيهم بكل حرية، وهو ما أكده النائب عن حزب العمال رمضان تعزيبت الذي اعتبر خروج الجزائريين يوم 22 فيفري إلى الشارع "دليل على تفاقم الوضع". وقال المتحدث "الوزير الأول أحمد أويحيى بدا غير مبال وتحدث عن وضع شبيه بالجنة، في حين أن أغلبية الشعب يعيش في جحيم وهو ما عبرت عنه الأغلبية الساحقة"، ليضيف: "كل ما قاله أويحيى بخصوص الانتفاضة هو نوع من التجاهل ونكران للواقع". بالمقابل، قال القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، إن نواب البرلمان والطبقة السياسية لا يريدون التشويش على الحراك السياسي السلمي للمحتجين، داعيا العقلاء إلى التدخل ووقف ما وصفه ب"المهزلة"، والإسراع في تبني خيار الشعب الرافض لترشح الرئيس لعهدة خامسة. ونفس الشيء، أكده النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش، الذي انتقد عرض الوزير الأول لبيان السياسة العامة في هذا الوقت الذي يتزامن مع الانتخابات الرئاسية، معتبرا إياه محاولة ترويج لإنجازات الرئيس بوتفليقة، في حين علق المتحدث عن المسيرات التي شهدتها العديد من مناطق البلاد بالقولّ: "هي حق دستوري وسلوك سياسي حضاري، وتعبير سلمي عن قناعات الشعب الجزائري"، فهي خالية من أي رايات حزبية أو إيديولوجية- حسبه -. من جانبهم، احتج نواب الكتلة البرلمانية لجبهة القوى الاشتراكية "الافافاس"، في بهو البرلمان رافعين شعارات ضد تمسك النظام بخيار الاستمرارية، كما انتقدوا استغلال البرلمان في الوقت الحالي من طرف الموالاة. واتّهم الأفافاس "السلطة باستغلال مؤسسات الدولة ممثلة في البرلمان لصالح الاستمرارية" ، مستغلين – حسبهم – بيان السياسة العامة لما سموه تغليط الشعب . من جانبها، ردت الموالاة بقوة على انتقادات المعارضة، ودافعوا عن خيار الاستمرارية مذكرين بإنجازات الرئيس طيلة 20 سنة من الحكم، وفي هذا الإطار، قال النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني محمد جميعي إن الرئيس بوتفليقة خلال فترة حكمه تمكنت الجزائر خلالها من قطع أشواط كبيرة في مسيرة التنمية والتطور، مستدلا بالأزمة الأمنية التي كانت تتخبط فيها البلاد في أواخر سنوات التسعينيات وكيف ساهم الرئيس في إرساء الصلح والوئام المدني قائلا: "شباب اليوم لم يعيشوا تلك الفترة التي بفضل حنكة الرئيس خرجنا منها"، مشيدا في نفس الوقت بالمسيرات السلمية التي عرفتها الجزائر خلال هذا الأسبوع، محذرا من خطورة استغلالها من طرف جهات تريد إدخال البلاد في نفق مظلم. جلسة تخوين بين المعارضة والموالاة! وبخصوص بيان السياسة العامة تحولت الجلسة إلى فضاء لتبادل التهم بين المعارضة والموالاة تقاذفت فيها عبارات التخوين، كانت بدايتها بمجرد أخذ النائب عن جبهة العدالة والتنمية حسن لعريبي الكلمة، حيث لم يتوان في فتح النار على الوزير الأول أحمد أويحيى، حيث خاطبه بالقول: "أنت فاشل يا أويحيى"، وكرر العبارة لأكثر من مرة على مسمع من هذا الأخير. وعدّد النائب أسباب الفشل في عدة نقاط : "انهزامه أمام بارونات الشكارة، وعجزه في تنظيم السوق، عدم قدرته قي تنظيم التجارة الخارجية، فشله في الحد من التهرب الجبائي، إضافة إلى مشكل المضاربة بالعقار وتبييض الأموال والاستيراد الامتيازي"، وهي الاتهامات التي سارع التجمع الوطني الديمقراطي للرد عليها على لسان النائب صديق شهاب. هذا الأخير الذي راح يدافع بقوة عن حكومة أويحيى، مذكرا بالإنجازات المحققة خلال سنوات من حكم الرئيس بوتفليقة، حيث قال: "تمكنا من القضاء على الإرهاب وأزمة السكن، وإرساء قواعد أساسية للاقتصاد الوطني، مستغلا الفرصة للرد على المعارضة بالقول "نحن لم نفشل ونحن ملتزمون بأمانة الشهداء وأنتم من تريدون تسويد الوضع بهدف الوصول إلى السلطة".