لطالما افتخرت المرأة الجزائرية بالزوج ووصفته ب"سبع" الدار، ولطالما افتخرت به باعتزاز بعبارات "مولى بيتي" و"تاج راسي".. وإلى وقت قريب كان الرجل الجزائري عندما "يحمحم" مع بداية الشارع أو لدى دخوله البيت العائلي الكبير، تطير النساء من أمامه ويختفين تحت وطء الوقار والهيبة.. كان ظل الرجل لوحده كافيا لتستنشق المرأة منه الرجولة وتطمئن به للحماية والرعاية.. اليوم لم تعد الأجسام الضخمة ب"شنباتها" ولحاها لبعض الرجال إلا مجرد كتل لحمية تمر على العين دون أن تشعر المرأة بها.. أجسام تذوب كالثلج أمام المادة، ومغريات الحياة.. بل يردد بعض الأزواج: "مرتي فلانة" لإخفاء فشلهم وراء امرأة، وانسحب بعضهم من مسؤولية الحياة الزوجية فتحولوا إلى مجرد "ستار" مجتمعي تستعين به الزوجة لتقول للناس فقط: "إني تزوجت"!.. زوجات يعانين جراء تملص الرجل من المسؤولية قضايا الإهمال العائلي من أكثر القضايا التي باتت تغزو المحاكم الجزائرية، وهي لا تعكس حسب المحامين الواقع، بالنظر إلى صمت بعض الزوجات اللواتي يعشن تحت سقف واحد مع الزوج كمطلقات دون تسجيل ذلك على الورق، أو دون مشاركة أزواجهن الفراش. وأكد في هذا الصدد، المحامي إبراهيم بهلولي، أستاذ الحقوق في كلية بن عكنون، أن قضايا الإهمال العائلي بلغت نسبة تتراوح ما بين 50 إلى 60 بالمائة من قضايا شؤون الأسرة في المحاكم، وأغلبها تتعلق بأزواج بطالين أو محدودي الدخل، منهم من أعاد الزواج بامرأة أخرى موظفة وأهمل الزوجة الأولى. وقال بهلولي إن متابعة الأزواج بالإهمال العائلي، تأتي بعد أن يصل "الموس" إلى العظم، حيث تضطر الزوجة إلى مقاضاة زوجها، وتطرح المشكلة في البداية أمام قسم شؤون الأسرة، وفي حال تعنت المشتكى منه لمدة تتجاوز الشهرين، يتابع أمام قاضي الجنح بتهمة الإهمال العائلي. وحسب ذات المحامي، فإن الإهمال العائلي موجود في المحاكم الجزائرية بدرجة مثيرة للغاية، حيث أوضح أن قوامة الرجل بعد الطلاق في الجزائر، تنتهي كليا وتصبح مرتبطة فقط في بعض الأحيان، بالنفقة. وأكد إبراهيم بهلولي أن العلاقة الزوجية وحسب طبيعة المجتمع الجزائري، يفترض أن تكون قوامة الرجل مائة بالمائة، وهذا من خلال تحمل المسؤولية تجاه الأولاد، من الجانب المادي والتربوي. وإن الحضور المعنوي للزوج حسب بهلولي، مهم، ولكن تكشف حالات الطلاق في الجزائر، أن قوامة الرجل تنتهي مباشرة بعد تسجيل الطلاق ويختصر دوره فقط على إرسال النفقة عبر البريد، ودون التواصل مع الأولاد، وهذا ما جعل فئة من أبناء المطلقين تنحرف وتتأثر في حياتها الاجتماعية. فقدان القوامة تفجر قضايا الخلع! وتحتم على بعض الزوجات اللواتي يعانين الإهمال العائلي أو انسحاب الأزواج من المسؤولية العائلية، إلى اللجوء إلى الخلع ودفع مبالغ مالية للزوج الذي لم تعد أي رغبة في وجوده، لكي يغادر حياتها في هدوء. وعرفت الجزائر في السنوات الأخيرة، ظاهرة انتشار قضايا الخلع، حيث أعلن رسميا تسجيل 6 آلاف قضية سنويا، وهي الوسيلة الشرعية حسب المحامي حسان براهمي، التي تستعملها زوجات جزائريات للخروج من الضغوط. ووصل الأمر ببعض الجزائريات حسبه، إلى طلب الخلع مباشرة بعد شهر العسل، وهذا حسب قضية شابة ذهبت لقضاء شهر العسل في تركيا مع زوجها، وبعد عودتها سجلت طلب الخلع أمام محكمة حسين داي. كما تقدمت الكثير من الشابات اللواتي تم تسجيل عقد قرانهن، إلى الجهات القضائية لتسجيل فسخ هذا العقد قبل البناء بهن. وأكد المحامي عبد الغني بادي، أن نوعا جديدا دخل المحاكم الجزائرية، وهذا يتعلق بجانب كثير من فقدان القوامة عند الرجل، حيث يتم تسجيل فسخ عقد الزواج من طرف بعض الفتيات بعد اكتشافهن قبل أو في ليلة الدخول أو بعدها مباشرة، أن هذا الزوج غير قادر على تحمل المسؤولية، أو إنه عاجز جنسيا. ومن جهته، كشف المحامي لدى مجلس قضاء تلمسان، محمد صالح بليلي، عن قضايا خلع تتعلق بحياة زوجية لم تتعد الأسبوع أحيانا، وهي قضايا طرحت على مكاتب لحقوقيين، تضم شكاوي لجزائريات يطالبن بحذف كلمة مطلقة من شهادة الميلاد بحجة قصر الحياة الزوجية لهن. وقال صالح بليلي، إن هؤلاء الزوجات استنفدن جميع الطرح لحل مشاكلهن مع الزوج، ولم يبق لهن سوى دفع مبلغ مالي ليتخلصن من رجل لا يملك القوامة في الكثير من الأحيان، ودون أي ضجة أو بهدلة في أروقة المحاكم وأمام الأقارب. ويلعب شعور المرأة بالنزعة التحررية، واستقلاليتها المالية، دورا مهما في تزايد عدد قضايا الخلع حسب المحامين المطلعين على مثل هذه القضايا. وكان مكتب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، قد دق ناقوس الخطر بشأن ارتفاع حالات الخلع في الجزائر بعد بلوغها 6 آلاف قضية سنوية، بأن هذه الظاهرة من شأنها أن تضر بالأسرة واستقراها خلال السنوات القليلة القادمة. وقال رئيس المكتب هواري قدور، إن الخلع وراءه عدة أسباب تتعلق بتراكمات جنسية ونفسية واجتماعية بين الأزواج، وزيادة العنف، وانسحاب الرجل من المسؤولية، حيث دعت الرابطة إلى مراجعة قانون الأسرة ووضع عدة إجراءات وشروط إلى جانب تكوين مختصين في الاستشارات الزوجية والأسرية. إهانة المرأة بعد خروجها إلى العمل.. طريق إلى فقدان القوامة يرى الدكتور مسعود بن حليمة، أخصائي نفساني اجتماعي، أن المجتمع الجزائري تعرض لخلل وتفكك أسري وانسحاب ملحوظ للرجل من المسؤولية، وهذا لعدم وجود الرقيب المتمثل في العائلة الكبيرة المكونة من الجد والعم والخال، حيث إن المرأة التي كانت تقوم بالأعمال الداخلية، أصبح الاعتماد عليها حتى في الأعمال الخارجية. وتلاشى مفهوم انقسام المهام في الأسرة حسب بن حليمة، فبعد أن كان الرجل يقوم بالرعاية المالية، ويشارك المرأة جزئيا في الرعاية الجسدية والتربوية للأطفال، استقل نهائيا في الكثير من الأسر الجزائرية اليوم. وقال إن دخول المرأة بقوة ميدان العمل، خلق لدى الكثير من الرجال ما يسمى ب"التلذذ بإهانة المرأة، وبالتالي تولت الزوجات العاملات خاصة مهمة الدخل المعنوي والمادي للأسرة. وانقلب المفهوم حسب المختص في علم النفس الاجتماعي، فوجدت المرأة أنها هي من تبحث عن الرجل وليس الأخيرة من يحتاج إليها لبناء الأسرة، حيث أوضح أن حاجة بعض الجزائريات هنا إلى الزوج، هي حاجة اجتماعية نفسية والمقصود منها إسكات المجتمع وإثباتها أنها تزوجت فقط. فكلمة" الريدو" ويعني الستار، بحسبه، كلمة تطلقها بعض النساء على الزوج، ويقصد أن زواجها هو مسح كلمة عانس لا غير، وانجذاب الأولاد، وهذا أدى إلى انتشار الزواج العرفي وقبول بعض الجزائريات أن تكون الزوجة الثانية والثالثة وحتى الرابعة. في مقابل ذلك، أدى فقدان القوامة والتخلي عن المسؤولية المالية والمعنوية للزوج في العائلة، إلى تباهي بعضهم بمنصب ووظيفة الزوجة، ومنهم من يفتخر بكل تبجح "زوجتي فلانة"، و"المدام". وانسحاب الرجل من المسؤولية أثر في محيط المجتمع، حسب بن حليمة، وأصبح يأخذ نوعا من "الباتولوجيا" وهو مرض فكري، يميل إليه الزوج فيحبب له أن يقال عنه "زوج فلانة"، وبالتالي انتشر مفهوم "الذكر" عن"الرجل". القوامة من صفات المسلم المؤمن وفي السياق، قال الشيخ محمد إيدير مشنان، إطار في وزارة الشؤون الدينية، إن القوامة ينص عليها القرآن الكريم، بقوله: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض"، وإن قوامة الرجل ليست تسلطه على المرأة وتعنيفها، كما أن "الرجال" هي صفة تتعلق بالذكور. وأوضح أن القوامة هي خاصية ووظيفة، وهي أن يراعي الرجل شؤون الأسرة، كما أنه ليس من العيب أن تساعد المرأة زوجها في المسؤولية المادية، لكنه يبقى هو من يتولى تدبير شؤون العائلة. وحسب الشيخ مشنان، فإن استقلالية المرأة المالية اليوم وما تتطلبه الحياة المعاصرة، إلى جانب التكوين الثقافي للزوجة، دخولها مجال العمل، أثر في دور الرجل الطبيعي ودفع به إلى انسحاب تدريجي من المسؤولية العائلية ووصل ببعض الأزواج إلى التخلي عن النفقة وإهمال العائلة والأطفال نهائيا. هذه الوضعية لا تصلح للرجل حسب مشنان، لأن هناك تبعات تتحملها المرأة وتنعكس على تربية الأطفال، ولا يمكن أن يسعف المجتمع تحمل طرف مسؤولية الطرف الآخر، حيث دعا إلى مزيد من التأهيل الأسري وتحضير الأسرة لمسؤوليتها من طرف الجمعيات والجامعات، على أن يكون التأهيل الأسري بتحضير الشباب ومرافقة المتزوجين للتحكم في مهمة ورسالة الأسرة.