الصيف في الجزائر هو موسم الأفراح والليالي الملاح دون منازع، لكنه أيضا موسم تعج فيه المحاكم الجزائرية بقضايا الطلاق والخلع والنزاعات المدنية المتشعبة والتي لا يعرف كنهها و''تمرميدتها'' إلا من جرت رجله فيها عافانا الله وإياكم. فالأسر الجزائرية حالها كحال الكثير من الأسر العربية التي تشتكي من الظاهرة نفسها فهي تأكل ''الڤاطو'' لكنها سريعا ما تجد نفسها تجري وراء '' البوقاطو''. تشير إحصاءات الطلاق بالجزائر إلى أن 65 بالمائة من الأزواج الجدد الذين طلقوا لم يمر على زواجهم وقت طويل، وأن أقصى مدة زواج سجلت في أوساطهم بلغت 3 سنوات، بينما قرابة نصف الأزواج لم يمر عليهم أكثر من سنة، فيما امتد ارتباط البعض الآخر لعقود. بيد أنّ خلافات متعددة الأسباب عصفت باستقرار البيت الزوجي، وجعلت من ''أبغض الحلال'' هينا لدرجة أسهل من الزواج ذاته. وبلغة الأرقام، تحصي الكشوفات الصادرة عن وزارة العدل الجزائرية، أكثر من 10 آلاف حالة طلاق بالتراضي، بينما تمّت 14 ألف حالة طلاق تبعا لإرادة منفردة من طرف الزوج، في حين انقسمت الحالات الباقية بين قضايا الطلاق التي فصل فيها القضاء، والخلع الذي تضاعف مداه إلى حدود 3500 حالة، بعدما كان لا يتجاوز 560 حالة سنة .2003 وبالمقابل، تشهد الجزائر انتعاشا في منظومة الزواج وصفه الخبراء بأنه''ازدهار''، إذا ما قورن بسنوات سابقة عرفت 250 ألف حالة زواج فقط. لكن المصيبة برأي مراقبين، أنّ غالبا ما تكون هذه الزيجات سريعة لأنها تنتهي بالفشل، والأسباب المؤدية للطلاق، حسب أخصائيين اجتماعيين، تتركّز في عوامل منها الملل الزوجي، سهولة التغيير وإيجاد البديل، طغيان الحياة المادية، البحث عن الذات، انتشار الأنانية والهشاشة الأخلاقية، ناهيك عن ضعف تركيبة جزائريي الجيل الجديد، في ظلّ انتشار وباء مدمّر اسمه ''الخيانة الزوجية''. 14 ألف حالة طلاق تتم بعد السنة الأولى من الزواج تسجل المحاكم الجزائرية سنويا 14 ألف حالة طلاق لزواج لم يتعد ثلاثة أشهر أو سنة على أقصى تقدير، تكون فيه الدعوة منفردة من طرف الزوج، بينما تسجل 10 آلاف حالة بالتراضي مقابل 3500 حالة خلع، هذا آخر ما كشفت عنه إحصاءات وزارة العدل، في ظل تنامٍ مقلق لظاهرة طلاق فتيات ما دون العشرين وانتشار غير مسبوق لخلافات النفقة والحضانة بين الأزواج الجدد داخل المحاكم. كشفت السيدة مداني نسيمة، ناشطة في الجمعية الوطنية ''المرأة في اتصال'' التي تترأسها نادية آيت زاي الناشطة في مجال حقوق المرأة، أن 90 بالمائة من الشكاوى والمشاكل الأسرية التي استقبلوها تعلقت بظاهرة طلاق الأزواج الجدد، حيث اتصلت بمقر الجمعية عشرات الفتيات في سن العشرين أو ما دون ذلك كنّ عرضة إلى الطلاق بعد أشهر قليلة من الزواج، ما دفع بهن إلى المحاكم في محاولة منهن استرجاع بعض حقوقهن المهضومة وإعادة الاعتبار لكرامتهن المهدورة من طرف شباب جعلوا من الزواج لعبة ومغامرة اقتصروها في المتعة الجنسية لا غير، وما إن يقع خلاف بسيط أو مشكلة حتى يرمون بكل شيء على جانب ويتنصلون من المسؤولية لأن أسهل شيء يلجأون إليه هو الطلاق. ورغم أن قانون الأسرة الجديد فرمل بعض الأزواج وحد من تهورهم بسبب الخوف من فقدان شقة الزوجية وكل ما يترتب عن ذلك من مشاكل، إلا أنه فتح في نفس الوقت الباب على مصراعيه للمتلاعبين بحقوق الزوجات، خاصة منهن صغيرات السن، متوسطات التعليم والماكثات بالبيت، لأن هذا النموذج من الزوجات لا يعرف حقوقه. من جهتها أكدت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، السيدة شائعة جعفري، أنها عايشت عشرات الحالات لجامعيات وفتيات ما دون العشرين من العمر تحولن إلى مطلقات لعديد الأسباب، منها ما يتعلق بالجري وراء الماديات ومحاولة تقليد حياة المسلسلات والأفلام وعدم وجود مؤهلات الزواج لكثير من الشباب الذين يستقيلون من وظيفتهم عند أول عثرة، فتراهم يطلقون زوجاتهم لأتفه الأسباب، ومنها ما يتعلق بالشكل والمزاج. وأضافت المتحدثة أنها نظمت دورة تدريبية لتأهيل الشباب على الزواج لقي نجاحا باهرا وتجاوبا من طرف المشاركين الذين تعرفوا على كل ما يتعلق بأهداف وطرق الزواج السعيد. 1250 حالة خلع خلال ثلاثة أشهر فى الجزائر من جهة أخرى برزت ظاهرة جديدة ودخيلة اعتبر الأخصائيون أنها تعصف بحصانة الأسرة الجزائرية، وأكد مسؤولون بوزارة العدل أن حالات الخلع ارتفعت إلى 3500 حالة سنة ,2009 وهو ارتفاع محسوس. ففي السنوات الأخيرة الممتدة بين 2004 و2006 تم تسجيل 3460 حالة، فبينما سجلت 813 حالة سنة 2004 قفزت إلى 1477 حالة في 2006 وهذا من أصل 300 ألف عقد زواج. وإن كانت ظاهرة الطلاق تعزى، حسب مختصين اجتماعيين، إلى تفاقم المشاكل داخل الأسرة وغياب التفاهم بين الزوجين، أو اكتشاف الزوجة خيانة زوجها والعكس كذلك، فإن ما يبحث المختصون له عن إجابة واضحة هو الأسباب الخفية لظاهرة الخلع، فما الذي يجعل زوجة تصر على خلع زوجها بينما هو يرفض الأمر. فهل قانون الأسرة الجديد الذي يخوّل للمرأة خلع زوجها حتى وإن رفض، وسهولة الإجراءات مقارنة بالطلاق، يعتبر دافعا قويا للخلع؟ أم أن تلاعب بعض الرجال بالعصمة الزوجية التي يمتلكونها وجعلهم النساء كالمعلقات لا هن بالمطلقات ولا بالمتزوجات هو ما يدفع النساء للخلع؟ أم أنهن وجدن فيه السبيل الوحيد والمنفذ الأخير للتخلص من سطوة وأنانية الزوج وهروبا من مشاكل تتضاعف يوما بعد آخر قد تؤدي لارتكاب جرائم، أم أن الرجال بدورهم وجدوا في الخلع مصدرا لتحصيل أموال إضافية ينالونها بعدما يتعنتون في تطليق زوجاتهم، فيحصلون على نصيب من المال مقابل حرية الزوجة؟ وفي هذا الإطار، كشفت المحامية فاطمة بن براهم عن عدد كبير من حالات الخلع التي رفعتها نساء جزائريات ضد أزواجهن بتهمة الشذوذ الجنسي في سابقة هي الأولى من نوعها في المحاكم الجزائرية، حيث بلغت حالات الطلاق 14 ألف حالة منها 1250 حالة خلع بسبب سوء معاملة الأزواج لزوجاتهن وإهمال الأسرة والخيانة الزوجية، إلي جانب الشذوذ الجنسي وسط الأزواج. وأضافت بن براهم أن النساء اللواتي رفعن دعوى الطلاق أكدن أنهن يعانين من ضغوط نفسية متصاعدة بسبب تصرفات أزواجهن الشاذة. ومقارنة بالسنة الماضية، فقد تم تسجيل 700 ألف زيجة، و35 ألف حالة طلاق، في حين بلغت حالات الخلع 35 ألف حالة، وهذا ما يستدعي حسب المحامية بن براهم فتح نقاش وطني حول ظاهرة الطلاق والخلع في المجتمع الجزائري.