تشير الأرقام رغم عدم حصرها بدقة إلى أن معتنقي الإسلام بعاصمة المتيجة البليدة، عاودوا الظهور مع أواخر التسعينيات بشكل ملحوظ عكس ما كان يرُوج أن البليدة أضحت "مقبرة".. فالمشرفون على إدارة ملفات معتنقي الإسلام لدى مصالح الشؤون الدينية يؤكدون أنّ أزيد من 20 ملفّا تمت دراسته لجنسيات مختلفة بما فيها الأمريكية و الكندية، ينتسبون في غالب الحال إلى ممتهني الأعمال الحرة والوظائف التقنية، ربّما لأن فتح باب الاستثمار للأجانب وعمل الدولة على إعادة نشر الأمن كانت عوامل ساعدت في رجوع فئة جديدة إلى الجزائر من باب المال والأعمال. الشروق اليومي وبعد قصة إعلان "إيميليا"-آمال حاليا 22 سنة- الفرنسية الجذور التي اعتنقت الإسلام في مسجد ابن يعقوب بالبليدة الجمعة ما قبل الماضي، استطاعت أن تلتقي بنموذج آخر "لإيميليا". إنها السيدة "ماريا" أستاذة علم الوراثة في جامعة البليدة، و التي أودعت قبل أشهر، ملفا لاستكمال إجراءات اعتناقها الإسلام، فكان هذا اللقاء معها للحديث عن خلفيات اختيارها لدين لم تنشأ وسط تعاليمه. الشابّ العراقي.. ماريا براديا عبد الحسين ذات الأصول الرومانية، كان القدر إلى جانبها حين أدركت حقيقة الإسلام و معانيه بفطرتها عند أول زيارة لها للجزائر. قضت شبابها وسط عائلة نبيلة مسيحية محافظة بمدينة كلوج في رومانيا و قد حرصت والدتها على رعايتها بالشكل الصحيح، لكن حدثت أمور كانت مُقدّمات لثورة حصلت لها زلزلت كيانها وقلبت صفحات الحيرة والاضطراب و البحث عن مكمن السّعادة، ليستقر بها الحال مع شاب عراقي أرشدها إلى طريق الاطمئنان والسعادة. تقول الدكتورة ماريا عبد الحسين حاكية فصولا من حياتها وهي تعود إلى بداية السبعينات، أن الحزب الشيوعي آنذاك كان يسيطر على كل شيء حتى الكنيسة، حيث لم يكن الناس يستطيعون الذهاب إليها إلا خفية، "وكان عبد الحسين طالبا عراقيا قدِم مدينة سيلفانيا برومانيا للدراسة في معهد البيطرة والفلاحة الذي كنت أدرس فيه ، تعرفت إليه رفقة عرب آخرين وإفريقي من تشاد، كان ذلك الشاب أول من أرشدني إلى طريق النور والراحة، كنا ونحن طلبة نتناقش حول مواضيع شتى إلى أن تطرقنا ذات مرة إلى موضوع المرأة، وهنا أذهلنا النقاش وشدني الموضوع كيف للدّين الذي كنا نسمع عن وجوده في كتب المقرر المدرسي كدين ثالث إلى جانب المسيحية واليهودية يعطي شأنا عظيما للمرأة ويكرّمها بشكل دفع بي الفضول أكثر لمعرفته، و معرفة كيفيّة تكريمه للمرأة، خاصة وأن صورة حية كنت أعيشها في مجتمعي جعلتني أُبدي موازنة غير طبيعية خلخلت خلاياي العصبية التي لا تتجدد، ذلك لأن المجتمع الذي كنت أنتمي إليه معروف باستغلاله للمرأة و ترتيبها إيّاها في صف الدونية والانحلال، وفي الجهة المقابلة صورة القِوامة في المجتمع الإسلامي وتحمّل الرجل مسؤولية تربية الأولاد بدرجة أولى و بنية المجتمع على التكامل بين الجنسين و الحقوق التي لم نسمع عنها إطلاقا، الحقوق التي راعى الإسلام أحقية المرأة فيها، هذه الأشياء جعلتني أمرّر شريط صور واقع المرأة في مدينتي؛ استغلال فاحش لها وشربها الخمر بشكل مقزز وتحملها مسؤولية الأولاد، كانت بمثابة مُنبّه أفاقني من مُخدّر كنت تناولته دون دراية مني، والدتي بدورها انبهرت وشجّعتني على الاهتمام بعد أن لاحظت وهي السيدة الملتزمة في تطبيق شعائر المسيحية أن أمورا كثيرة تجمع بين تعاليم الإسلام وما ورثته من شعائر دينية" تضحك عبدا لحسين و تواصل " ذلك الشاب أحيا في إعادة التفكير والتبصر بمنطق عاقل يحسن الحساب والنظر، فدعوته إلى بيتنا حيث تعرفت إليه والدتي وزوج أمي وشقيقتي ، وتكرّرت زياراته ونقاشاته حول الإسلام ، إلى أن جاء يوم زارنا فيه عبد الحسين مع رفاق له وفاجأني بطلب يدي للزواج منه، كان لحظات سعادة لم أحلم حتى بها من قبل وأعلنت إسلامي على يديه، فتزوجت منه بفاتحة كتاب الدين الإسلامي و لم أحظ بشرف التعرف عليه (الإسلام) بشكل عملي إلا في الجزائر، بلد كانت تربته ميدانا خصبا للتعرف على أخلاق أتى بها دين تنزه عن التحريف. تشير الأرقام رغم عدم حصرها بدقة إلى أن معتنقي الإسلام بعاصمة المتيجة البليدة، عاودوا الظهور مع أواخر التسعينيات بشكل ملحوظ عكس ما كان يرُوج أن البليدة أضحت "مقبرة".. فالمشرفون على إدارة ملفات معتنقي الإسلام لدى مصالح الشؤون الدينية يؤكدون أنّ أزيد من 20 ملفّا تمت دراسته لجنسيات مختلفة بما فيها الأمريكية و الكندية، ينتسبون في غالب الحال إلى ممتهني الأعمال الحرة والوظائف التقنية، ربّما لأن فتح باب الاستثمار للأجانب وعمل الدولة على إعادة نشر الأمن كانت عوامل ساعدت في رجوع فئة جديدة إلى الجزائر من باب المال والأعمال. تشير الأرقام رغم عدم حصرها بدقة إلى أن معتنقي الإسلام بعاصمة المتيجة البليدة، عاودوا الظهور مع أواخر التسعينيات بشكل ملحوظ عكس ما كان يرُوج أن البليدة أضحت "مقبرة".. فالمشرفون على إدارة ملفات معتنقي الإسلام لدى مصالح الشؤون الدينية يؤكدون أنّ أزيد من 20 ملفّا تمت دراسته لجنسيات مختلفة بما فيها الأمريكية و الكندية، ينتسبون في غالب الحال إلى ممتهني الأعمال الحرة والوظائف التقنية، ربّما لأن فتح باب الاستثمار للأجانب وعمل الدولة على إعادة نشر الأمن كانت عوامل ساعدت في رجوع فئة جديدة إلى الجزائر من باب المال والأعمال. المسجد..الصيام.. و الهديّة قرر زوجي مغادرة رومانيا والاستقرار في الجزائر، اسمها بالنسبة للعديد من الأجناس كان يرادف الأماكن المقدسة ومقبرة الشهداء وتاريخ الرجال، لم أكن أتصور أن الجزائر بتلك المواصفات، استقرّيت مع زوجي في أوّلا في مروانة بباتنة قبل أن انتقل إلى البليدة للتدريس بالجامعة، واستطعت رفقة زوجي أن أحصل على عمل كمدرسة لمادتي العلوم والرياضيات، ما كان يشدني في ذلك المجتمع المحافظ الصغير هو معاملة الجيران الطيبة لي التي دفعتني للبحث والمطالعة عن حقيقة الإسلام أكثر، و تمكنت لأول مرة في حياتي أن أدخل المسجد وأصلّي الصلوات المكتوبة، شعور عجيب لم أحياه من قبل جعل روحي التي تسكن بين جنباتي تكاد تقفز إلى خارج جسدي، تلتهُ مشاعر صوم أول رمضان"، تقول السيدة ماريا أنها كانت تعتقد بأن السعادة لها حدود لكن في حقيقة الأمر أنّها ممدودة وليست محدودة ، أسعد لحظات حياتها كانت تلك التي قضتها مع الجيران تصفهم والكلمات تخرج من ِفيها معطرة أنهم لم يتركوها ليلة واحدة دون دعوة لمشاركتهم فطور مائدة رمضان، تُعلّق بعد أن توقفت للحظات "كنت أشعر بأنني وسط أهلي وأنني إنسان ذو كرامة، وظننت أنني لمست السعادة التي كنت أفتقدها"، لكن أعتقد، تقول السيد ماريا ذات الوجه الملائكي، "أنّ صيامي شهر رمضان هو ذروة العبادة، ثمّ حلّت فرحة العيد وكنت وقتها قد رزقت ببنت سميتها "عالية" نسبة لسموّ وعلوّ الإسلام عن بقية الأديان المحرّفة، فاجأني فيها زوجي عبدا لحسين بهدية العيد، وهي المفاجأة التي أبكتني لأنني كنت أعلم بأن الأطفال فقط هم من تُقدّم لهم الهدايا، وازداد تعظيمي لهذا الدين الذي لا يترك مناسبة تمر إلا والجوائز الروحية تشهد على عزته. الإسلام هو الأب و الأمّ و الأهل كلّهم وهي تروي تفاصيل المحطات التي مرت بها، توقفت السيدة ماريا عند محطة قالت بشأنها أنها كانت الفاصلة في حياتها، تخفِت من نبرة صوتها قائلة "أمنيتي أن يعجل في ملفي للحصول على الجنسية الجزائرية وأن تتم تسوية ملفي بشأن اعتناق الإسلام الذي به سأتمكّن من الحج إلى البيت العتيق و الصلاة في مسجد رسول الإنسانية و كل البشر" ، هي أمان تقول بأنها تدعو الله صباح مساء لأن يسمع منها ويحققها لها في اقرب وقت، وهنا تتذكر السيدة ماريا أمرا عن حياتها في رومانيا فتقول أن عبد الحسين عندما كان يزورها في بيتها ويلتقي بوالدتها للتناقش في أمور الدين كان كثيرا ما يبكيها عندما يرتل على مسامعها آيات من القرآن الكريم "كانت والدتي تقول لي وتؤكد في دفعها إياي للتعرف على الإسلام، اتّبعي هذا الدين وإياك وأن تختاري حياة الملحدين، ماتت والدتي وقبلها شقيقتي الكبرى، ولكن لم أشعر رغم فراقهما بالوحدة و النسيان، العيش في كنف الإسلام بكل أشيائه وروحانياته هو الأمر الوحيد الذي يجعلك بفقدانه وحيدا ومنسيا" تقول السيدة ماريا أنها اضطرت لمغادرة الجزائر بعد أن نصحها مقربون من جهات أمنية بذلك منتصف التسعينات، حيث تصف الأيام التي قضتها عند عودتها إلى رومانيا بالكابوس، تتوقف وتردف قائلة "لا أريد العودة إلى جذوري، أريد البقاء هنا.. أشعر بأن دم الجزائر يسري في جسدي"، وفعلا عاودت الرجوع إلى الجزائر في العام 1997، بعد أن كادت تفقد بنتيها عاليا وداليا اللتين لم تفهما ما يجري في ذلك المجتمع في رومانيا. لن أعود إلى رومانيا أبدا.. تروي داليا البنت الصغرى حقيقة ذهابها إلى بلد والدتها وكيف قاست في تلك الأيام تقول وهي متعصبة "لم أفهم ما الذي يجري من حولي، لم أكن أشعر بانتمائي إلى ذلك البلد، حرية مطلقة.. كل شيء يدل على الإباحية، لا ضوابط و لا موانع، أذكر أنني في صف الدراسة أمرت المُدرّسة أحد التلاميذ بأن يجلس إلى جانبي، لا أذكر كيف فعلت ولكن وجدت يدي ترتفع إلى وجه المسكين محدثة له ألما..كنت إلى جانب أختي نطلب من والدينا الرجوع إلى الجزائر، خاصة عندما كان صوتُ الأذان يُرفع في مدينة كلوج ، حيث قابلتنا الأقدار بتدشين أول مسجد في العام 1996" وتسترسل داليا "عندما كنا نقصد الكنيسة مع الجد كنت أتساءل في نفسي ما الذي يفعله هؤلاء الناس ، يعبدون صنما يصفونه بالرب عاري الجسد، كما تساءلت عن برودة العلاقات بين الناس، كنت أشعر بأن راسي سينفجر ، و لم أهنأ إلا عندما عدنا إلى الجزائر، فحينما حطت بنا الطائرة سجدت وقبلت الأرض وحمدت الله على عودتي إلى الديار،وكانت تلك آخر مرة، قررت حينها ألاّ أغادر فيها وطني الجزائر الذي عرفني أهلهُ على حقيقة الإسلام. فيصل هارون