صمم الشباب خلال خوضهم مسيرات التغيير على حمل صور الشهداء وأبطال الثورة الذين صنعوا بالأمس تاريخ الجزائر وخلصوها من قيود المستعمر الغاشم، معلنين سيرهم على نهج أجدادهم وتمسكهم بميثاق وعهد الشهداء ورافقت الصور كتابات ورسائل وجهوها للنظام الذي حاد عن الخط الذي رسمه الثوار للبلاد وأعادوها لقيود الاحتلال مرة أخرى. حضرت أرواح الشهداء بقوة في المسيرات التي تشهدها الجزائر منذ 22 فيفري الماضي، فقد رفع المتظاهرون صور رموز الثورة وهتفوا مطولا باسم شهدائها، معتبرين أن النظام الراهن قد خان العهد وأمانة الشهداء وحاد عن جادة الصواب لما عاث رموزه في البلاد الفساد، وأعادوا الوطن الذي ضحى من أجل استقلاله وحرية شعبه رجال ونساء قدموا أرواحهم فداء له لحضن المستعمر الفرنسي في سبيل فقط الاحتفاظ بالسلطة والبقاء في الحكم. ابتسامة بن مهيدي دافع للصمود وتحدي الجيل الراهن ومن بين الشهداء الذين انتشرت صورهم بكثرة خلال المظاهرات صورة الشهيد العربي بن مهيدي، وهو مكبل اليدين أمام جنود المستعمر الغاشم وهو يبتسم ابتسامة النصر والتحدي، حيث وجه أحفاد بن مهيدي الذي قهر بالأمس جنرالات فرنسا من خلال هذه الصورة رسالة للنظام وكذا للدول الأجنبية المساندة له بأن أفراد الشعب الجزائري في وقت الشدة سيصبحون جميعا بن مهيدي، وهم مستعدون لخوض ثورة الأجداد التي أبهرت العالم بأسره في الماضي ويكررونها اليوم وغدا ضد كل من يقترب من الوطن، حيث كتب أحد المتظاهرين الذي حمل صور الشهداء عبارة “فرنسا إن كنت تريدين مباراة العودة فنحن مستعدون لذلك”. شباب يهتفون: ليس من أجل هذا مات أجدادنا كما كان مالك بن نبي أحد رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين حاضرا في المظاهرات، أين رفع أحد المتظاهرين صورة غلاف أحد مؤلفاته الشهيرة وهو كتاب “ميلاد مجتمع”، في إشارة لمطلب الشعب بضرورة التغيير وميلاد نظام جديد يواكب متطلبات المجتمع الحالي الجديد والذي مازال الحكام بعيدون عنه جدا ولا يدركون ماهية انشغالاته أو حتى سبل تلبيتها. تصدرت صور عبان رمضان، مصطفى بن بولعيد، عمار ياسف، علي لابوانت المظاهرات الشعبية في صور جماعية أو منفردة، مستلهمين من الشهداء الرموز صبرهم وقوتهم وتأهبهم للموت من أجل الوطن حيث كتب أحد الشباب “ليس من أجل هذا مات أجدادي”، تعبيرا عن الشهداء فالظروف السيئة التي يعيش فيها الجزائريون من جوع و فقر لا تعكس تطلعهم الكبير وتعطشهم للحرية. أطفال يرفعون صور الشهداء في المظاهرات وحتى الأطفال الذين تربوا على حب الوطن وتعلقوا برموز الثورة رفعوا صورهم أيضا في المسيرات واحتضنوها بقوة، حيث فضل طفل رفع لافتة تحتوي على صورة المجاهد وممثل الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان كريم بلقاسم، وبجانبه أشهر مقولات ميكيافيلي “ليست الألقاب من تشرف الرجال ولكن الرجال هم من يشرفونها”، وصورة ثانية للعقيد عميروش آيت حمودة وأمامها عبارة شهيرة للثوري الكوبي تشي غيفارا “الذي باع بلاده وخان وطنه مثل الذي سرق أباه ليطعم اللصوص فلا سامحه أبوه ولا اللصوص كافأوه”. المرأة الجزائرية حاضرة بشهيداتها ومجاهداتها ولم ينس المتظاهرون لبؤات الجزائر اللواتي قدمن دروسا وعبرا في حب الوطن، فكانت حسيبة بن بوعلي حاضرة بصورتها ووريدة مداد ومريم بوعتورة وفضيلة سعدان وفاطمة نسومر وغيرهن كثيرات علت صورهن خلال المظاهرات، في الوقت الذي فضلت فيه بعض المجاهدات اللواتي صنعن مجد الجزائر وجلبن حريتها بالأمس، الخروج أيضا وسط الشباب في سبيل تحرير الوطن مرة أخرى وتسليم المشعل للجيل الجديد، فخرجت البطلة الرمز جميلة بوحيرد والمجاهدة لويزة إيغيل أحريز وزهرة ظريف بيطاط، بالإضافة لخديجة آيت أحمد زوجة الزعيم الثوري الراحل حسين آيت أحمد وظريفة بن مهيدي شقيقة العربي بن مهيدي، فجميعهن مثلن حافزا للجيل الجديد للصمود والتمسك بمطالبهم. مختصة في علم الاجتماع: جيل الاستقلال أثبت ارتباطه وتمسكه بالثورة والشهداء وفي هذا الصددّ، فسرت المختصة في علم الاجتماع نبيلة عثماني، رفع الشباب والأطفال لصور المجاهدين بإعلان جيل الشباب الذي كان يطلق عليه جيل “الكيراتين والفايسبوك” تمسكهم بتاريخهم والثورة التحريرية التي صنعها خلال تلك الحقبة شباب أيضا في مثل سنهم، وكأنهم يقولون للنظام ولفرنسا وأمريكا بأنهم مستعدون لبعث الثورة من جديد فشباب اليوم يرفع التحدي لاستعادة الاستقلال الذي سرق من الجزائر مرة أخرى بوجوه وتسميات مختلفة. ومرر الشباب المتحمس، بحسب المختصة، خلال المظاهرات رسائل عديدة للنظام وللحزب الحاكم الذي تخلى عن قيم ثورة نوفمبر المجيدة، بأنهم لن ينسوا الشهداء الذين لقوا حتفهم في ميدان الشرف عكس ما يزعمه بعض أوجه النظام ممن يدعون الجهاد ولكنهم خانوا رفاقهم ولم يحافظوا على الجزائر، وتواصل الاجتماعية تحليلها بالقول إن الجيل الراهن الذي كان متهما بنسيان تاريخهم الثوري قد أثبت هذه المرة تمسكه بقيم ومبادئ ثورة التحرير ومدى ارتباط جيل الاستقلال بجيل الثورة المجيدة الذين قدموا أرواحا من أجل حرية الجزائر.