أضحت محطة النقل الحضري "بومعطي" بالعاصمة، نقطة سوداء في أجندة مديرية النقل في ظل العجز عن إيجاد حل لاحتواء مشاكلها المتزايدة يوما بعد يوم، فغياب الرقابة واستفحال مظاهر الجريمة وانعدام أدنى شروط المحطة من أمن وتهيئة.. ، فتح المجال لممارسات غير شرعية، انتحل أصحابها صفة أعوان الأمن أو كما يعرفون "شاف دو كي"لكنّهم في حقيقة الأمر عصابات زرعت الرعب بين الناقلين، و لا تزال. محطة بومعطي للنقل الحضري التي تتوسط الأحياء الشعبية بالحراش و مستغلة منذ2002، تتربع على مساحة تقدر ب18000متر مربع ،هي واحدة من بين أهم وأنشط المحطّات على مستوى العاصمة، بالنظر للعدد الهائل الذي تستقطبه يوميا،و الذي يفوق1800 راكب يوميا،تعمل على خدمتهم أكثر من 700 حافلة نقل موزعة على 14 خطا،و تسهر على تسييرها مؤسسة التسييرو النقل الحضري باستخدام 8أعوان أمن. ويذكرأن هذه المحطة التي تعدت بمشاكلها الحدود الوطنية واستقطبت عدسات كاميرات عربية ك "الجزيرة"،قد ارتبطت أيضا في السنوات الأخيرة بجملة من المصطلحات الرهيبة والخطيرة التي تعبر عن واقع أخطر، بحكم الفوضى التي تميزها وعدد الاعتداءات الصارخة. كل هذه المُعطيات دفعتنا للتوغل في هذا الجحيم وتسليط الضوء على ما يحدث بالضبط في هذه البؤرة، رغم أن الأمر لم يكن سهلا، فلقد واجهتنا عقبات عديدة، بداية بصعوبة العمل في منطقة تنتشر فيها جماعات أشرار هي محور استطلاعنا، بعد علمها بوجود صحافة اتخذت إجراءات وقائية تحت غطاء المساعدة للتمويه،ونفي التهمة عنها، ثانيا صعوبة الوصول إلى المؤسسة المسيرة التي حاولنا الاتصال بها لأكثر من مرة ،إلاّ أنّها تحجّجت بأعذار نجهل الهدف من ورائها،وإن كان حال المحطة الذي لم يعرف التفاتة منذ ميلادها، فقد شهد بعض الترميمات و الإصلاحات في الفترة التي كنا ننتظر رخصة منهم للقيام بعملنا الميداني. محطّة مفتوحة على كل الاحتمالات..واهتراء لا يتناسب مع شهرة المحطة الساعة تشير إلى الثامنة والنصف صباحا و هو وقت عمل وإن كان متأخرا بعض الشيء،إلا أن طبيعة العمل لدى بعض الشباب في بومعطي مختلفة تماما وتأخذ طابعا خاصا،فهو وقت العمل اللاقانوني ،إلا أنه استمد شرعيته من منطق القوة والإنحراف والانتماء، حيث لاحظنا مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15و28 سنة على أكثر تقدير يتوجهون بوجوه متجهّمة وخطوات مترجّلة إلى مختلف الخطوط. يتمركزون في مداخل المحطة، اختاروا لأنفسهم صفة أعوان أمن، لكن ليس لضمان الأمن بل لضمان ربح سريع جدا يغني عن أي عمل..فمع دخول كل حافلة إلى المحطة، يتوجه هؤلاء إلى صاحبها يبتزونه ويجبرونه في كثير من الأحيان على دفع مبلغ مالي يتراوح بين20و 100دج حسب مزاجهم و نوعية المركبة.. التي كلما كبرت ،كلما ارتفعت معها الجباية، وربما أصبح هذا الإجراء لدى بعض الناقلين "روتينيّا" وحتى تلقائيا ، مع الإشارة إلى أن فرص الرفض أو التعنت غير واردة إلا في أحايين قليلة، ذلك لأن أي امتناع أو رفض قد يجر صاحبه إلى ما لا يحمد عقباه..ويجد نفسه عرضة للإعتداء، وإن سلم جسمه من ضربة سكين، فإن مركبته لن تسلم من التكسير. ولأن هذا الوضع لا يعرف وقتا ولا يحدده قانون ولا تقيده أية عوائق، فقد وجد فيه أصحاب الحي المجاور للمحطّة - الذين كونوا عصابات محترفة في هذا العمل باب رزق مفتوح يمطر عليهم خيرا، و كيف لا وهم بحكم أنهم يحملون سكاكين أو شامات على وجوههم ،أو أنّهم من مدمني المخدرات، يملكون كل الصلاحيات لافتكاك المال من الناقلين. وعلى مرأى أعين الكل. إن هذا الشكل الجديد من اللصوصية الذي يتخفّى تحت غطاء رؤساء الرصيف المزيّفين يجسد مقولة البقاء للأقوى وقانون الغاب، هو الذي يتحكم في زمام الأمور هناك في محطة بومعطي ،وهو الأمر الذي اتفق عليه مختلف الناقلين الذين التقيناهم وهم كل من السيد "سفيان" المشتغل على خط بومرداس و"أ.وليد" الذي يشتغل على خط برج الكيفان،"ب.عبد الرحمان" الذي يعمل على خط عين طاية بود واو، و"أ.وليد"المشتغل على خط الكاليتوس، و"فاروق.خ" على خط براقي وكذا بعض القابضين من خط الأربعاء والدار البيضاء، حيث اعتبروا غياب الرقابة والتسيير الحسن السبب الذي فتح المجال لهؤلاء ليقوموا بمثل تلك الممارسات التي طالت أصحاب الحافلات الذين دفعوا مستحقاتهم مقابل استغلال المحطة، فما بالك بالذين لم يدفعوا.. وهذا ما اتخذته جماعة الأعوان المزيّفين ذريعة وفرصة استثمار جيدة،وإن كانوا يمنحون بعض الامتيازات لأهل الحراش، أو ذوي الشجاعة و البنية الجسمية الجيدة ، فهي الوحيدة الكفيلة بإيقاف غرورهم واستفزازهم. وعن السبب الذي يجعل الناقلين يتهربون من دفع مستحقاتهم للمؤسسة المسيرة بالرغم من أن ذلك يعد أحد أسباب الابتزاز التي تستغلها جماعة رؤساء الرصيف، فقد أكدوا لنا أنهم يمتنعون عن الدفع طالما أن المحطة لا تتوفر على أدنى الشروط التي يتم على أساسها الدفع، بداية بالأمن الذي يكاد ينعدم، رغم أن عناصر الأمن الحضري تبذل جهدا في المكافحة، لكن حضورها لساعات فقط لا يفي بضمان أمن في محطة مثل بومعطي، ويذكر في هذا السياق أن المحطة لا تتضمن مقرا للأمن الحضري وهذا ما عرّض العديد من الناقلين إلى سرقة حصيلة يومهم، على غرار ما حدث لأحد الناقلين المشتغل بخط "بوقرة" أين سُرق مساء الشهر المنصرم لكنه لم يرفع شكاية أو يُبلّغ خوفا من تعرضه لاعتداء. ولا حديث عن التهيئة، فالمحطة تشهد اهتراء ملحوظا، حيث تنتشر البِرك المائية خاصة بعد سقوط الأمطار، كما تكثر الأوحال، فضلا عن الأوساخ المتراكمة هنا وهناك،والباعة المنتشرة عرباتهم داخل المحطة ،مما يعرقل حركة المرور ويسهل عملية السرقة، ويجعل المشهد مثيرا للتساؤل عن من يتحمل مسؤولية كل هذا. وإن كان مثل هذا النشاط اللاشرعي ،لم يقتصر على أعوان أمن مزيّفين فقط، بل شمل حتى بعض المعتمدين الذين أثناء معاينتنا للمحطة لم نلمس لهم وجودا إلا ثلاثة أو أربعة فقط، منهم من كان يرتدي زي عون الأمن وتم التعرف عليه ومنهم من لم يتم لعدم ارتداء بدلة العمل فاضطررنا للتقصي عنهم،ولا ندري أين كان البقية، حيث أكد محدّثونا أن هؤلاء الأعوان وجدوا في هذا النوع من السرقة ،وعدم دفع المستحقات فرصة لهم لمطالبة الناقلين بدفع مبالغ مالية مقابل الدخول إلى المحطة ،وذهبوا إلى أخطر من ذلك حيث ذكروا أن هناك أعوانا مفصولين لكنهم يمارسون مهنتهم اللاقانونية بعيدا عن رقابة تحاسبهم، حتى أنّ الكثير منهم أصبحوا حسبهم من "أصحاب الشكارة"ويملكون سيارات فخمة لا يمكن لمرتب عون أمن أن يضمنها،وبذلك تحولوا من أعوان أمن إلى أعوان لصوص يتسترون عنهم طالما أنهم في مركب واحد،وغرق أي منهم يقود لغرق وهلاك المركب ككل. الناقلون بين مطرقة الشرطة وسندان من يسمون ب"أعوان الأمن" مع كل المعطيات السالفة الذكر، فإن الكثير من الناقلين خاصة المشتغلين على خط الكاليتوس و براقي يمتنعون عن الدخول إلى المحطة تهربا من الضريبة التي تنتظرهم وتجنبا لأي أضرار قد تلحق بهم، لذلك يقومون باختلاق محطات على طول الطريق الموصل للمحطة ،لكن هذا العمل الفوضوي وغير الشرعي قد يجد رجل قانون يوقفه عند حده من خلال سحب رخصة السياقة أو مصادرة المركبة مما ينجر عنه خسارة كبيرة قد يدفعها الناقل سواء أدخل المحطة أم لا. منظمة الناقلين تجتهد..المؤسسة المسيرة تتجاهل.. والناقل يدفع الثمن حسب القانون رقم01/13 الصادر عن وزارة النقل بتاريخ07 أوت 2001حول تنظيم الناقلين وتسيير المحطات، فإن المحطة يجب أن تتضمن على الأقل الشروط التالية: تحديد رصيف وقوف المسافرين، مكتب للتسيير والاستعلام،مراحيض، أضواء كاشفة،أغطية حديدية لحماية المسافرين، فضلا عن اعتماد جهات أمنية وأعوان أمن لضمان راحة وأمن المسافرين والناقلين على حد سواء، زيادة على ضرورة التهيئة والنظافة...،كل هذه الشروط من المفترض أن تتكفل بضمانها الجهة المسؤولة عن المحطة، ولان الوضع الكارثي الذي تشهده محطة بومعطي لا يخفى على أي جهة ، فإنه كان من واجب منظمة الناقلين بصفتها الحامي والممثل الشرعي للناقلين التدخلَ لحماية هؤلاء المستعملين الذين يدفعون ثمن استغلالهم المحطة غاليا. وعلى هذا الأساس، تنقلنا إلى هذه المنظّمة للوقوف على مدى نقل انشغالات العاملين تحت لوائها، ومدى قيامها بالمهمة الموكلة إليها. وجدير بالذكر أننا تلقينا ترحابا وتعاونا كبيرين من طرفهم أين أكد السيد "أحمد بوكراع" رئيس المكتب الولائي لولاية الجزائر لمنظمة الناقلين أن هذه الجهة تبذل جهودا كبيرة للتقليل من حدة الوضع ومعالجة مشاكل المحطة من خلال رفعها إلى المؤسسة المسيرة منذ عدة سنوات وذلك بناء على محاضر إثبات حالة،أو من خلال اللقاءات والندوات التي تجمعهم بالجهة المسؤولة ، ناهيك عن الرسائل المرفوعة و تم فيها أكثر من مرة تناول وضعية المحطة المزرية من نقص فادح في التهيئة والنظافة،وعدم وجود رقابة،فضلا عن عمليات التعدي على الركاب بسبب غياب الأمن والرقابة،والخلط في تسيير شؤون المحطة... غير أن هذه الاجتماعات لم تسفر إلا عن قرارات جافة ظلت حبيسة الورق والدرج، مع استمرار تكرار السيناريوهات نفسها في كل اجتماع ، وللإشارة فإنه وفق قانون الاستفادة من المحطة وفي إطار عملية تنظيم إيداع الملفات وإمضاء العقود وكذا دفع حقوق استعمال أرصفة بومعطي، تم بتاريخ 16 أفريل 2006 الاتفاق على الدفع شهرين بشهر بين منظمة الناقلين ومؤسسة النقل والتسيير الحضري، والتي بلغت حسب لغة الأرقام 8.35692,00 دج وذلك منذ شهر جانفي إلى غاية 31 ديسمبر2006 ذهبت لصالح المؤسسة المسيرة، و قد تمخّض عن آخر اجتماع كان بتاريخ 07 نوفمبر 2006، قرار من طرف الرئيس المدير العام لمؤسسة التسيير يقضي بأن هذه الجهة ستقوم في غضون 10أيام بحل المشاكل المطروحة حول إعادة تهيئة المحطة وتنظيفها، وكذا النظر في قضية الأمن،إلا أن هذا القرار لم يسفرعن أي نتائج ملموسة. أما عن مشكل أعوان الأمن المفبركين، فقد ذكر محدثنا أن المنظّمة لم تتلق أية شكوى رسمية من أي ناقل إلا هذا لم يمنع أن تكون على علم بما يحدث بالنظر لتنقل الخبر من هنا وهناك، وبناء على هذا فإنّه لا يمكنها التحرك،أو إدراج هذا المشكل ضمن جملة المشاكل المطروحة، ويذكر في هذا السياق أننا لم نتمكن من سماع الرأي الآخر "مؤسسة النقل الحضري" لمعرفة رأي هذه الأخيرة حول كل ما يحدث، وتجدر الإشارة إلى أن المعلومات الواردة في هذا المقام كانت بناءا على وقوف ميداني لأيام بالمحطة و على وثائق رسمية. وإن كان حال محطة بومعطي هو نموذج لكثير من المحطات على غرار محطة 02 ماي، وبراقي...التي تشهد مشاكل لا تقل عما يحدث في بومعطي، وإن اختلفت مقرات وخصوصيات هذه المحطات ،إلا أنها تشترك في واقع يعج بالمشاكل والفوضى، ليبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو؛ من يتحمل مسؤولية ما يحدث وما السبيل لرفع الضرر، ووضع حد لهذه التجاوزات؟. زهية.ر