صنعت أنفاق خراطة مرة أخرى الحدث وخطفت الأنظار ناحيتها، ليس لأهميتها الاقتصادية أو مكانتها بالحركة المرورية إنما بحصدها لأرواح إضافية في ظرف وجيز، ولم يعد إرهابها يكتفي بتكبيد الضحايا خسائر مادية فحسب، بل امتد لحصد أرواح بالجملة، وامتد جشعها لتكرار الوضع في فترات متقاربة دون أن تحرك السلطات ساكنا لوقف هذه المجازر المرورية، التي حولت "أنفاق خراطة" لكابوس حقيقي يطارد مستعملي هذا المحور الهام بولاية بجاية ومنطقة الوسط ككل. في ظرف وجيز اهتزت بجاية مجددا على وقع مجزرة مروية حصدت نهاية الأسبوع المنصرم 3 أرواح وإصابة 4 أخرين بجروح متفاوتة الخطورة، في حادث مروع إثر اصطدام سيارتين داخل النفق كانتا تسيران في اتجاهين متعاكسين، وقد تم إسعافهم لمستشفى خراطة والعيادة المتعددة الخدمات بأمريج، وقد لفظ اثنين منهما أنفاسهما بعين المكان، في حين التحق بهما الثالث صبيحة اليوم التالي متأثرا بجراحه الخطيرة. وجاء هذا الحادث المأساوي بعد ذلك الذي عرفه ذات النفق بتاريخ التاسع من شهر سبتمبر الجاري، حيث أنهت مجزرة مروية حياة 4 أشخاص على الفور وأرسلت3 أخرين في حالة خطيرة لأسرة المستشفيات، في اصطدام شاحنة ذات الوزن الثقيل بطابور من المركبات ذات الوزن الخفيف كانت في الاتجاه المعاكس. وجدير بالذكر أن نفق خراطة يفتقر لأدنى الضروريات المطلوبة في منشأت مماثلة، خاصة ما تعلق بالإنارة الداخلية وكذا قنوات التهوية المعطلة والمهترئة إذ لم يتم تجديدها حسب مصادر عليمة، منذ فتح هذا النفق سنة 1985 ليغزو دخان الآلاف من المركبات المارة عبره يوميا أرجاءه ما يجعل الرؤية ضعيفة حتى وإن أشعلت أنوار المركبات. ويبقى هذا المقطع النقطة السوداء، فيما تعلق باستكمال ازدواجية الطريق الوطني رقم 09 الرابط بين ولايتي بجاية وسطيف، نظرا لتضاريسه المعقدة، ما دفع بالمسؤولين للتخطيط لتوسيع كورنيش خراطة واستغلاله ضمن الطريق المزدوج بقيمة مالية تقارب 600 مليار سنتيم. وفي انتظار ذلك تبقى الحوادث الدموية التي لا تفاجئ أحيانا السامع بها لأن وقوعها أصبح متوقعا قبل حدوثها، رغم سعي السلطات المحلية مؤخرا لإدراج بعض الإصلاحات التي باشرتها بتزويد الأنفاق بالصفائح المعدنية العاكسة للأضواء، فيما تأخر التكفل بالغازات المتجمعة داخلها إذ يستحيل التنفس فيها أحيانا، دون نسيان معاناة العمال المكلفين بإصلاح الأضواء على مستواها. كما أصبح وضعها يزداد سوءا مع كل شتاء، نظرا للأوحال التي تتدفق عبر جدرانها التي توحي من أول وهلة عن الخطر الذي يحدق بمستعملي الطريق الذين لا يملكون سبيلا آخر غيرها. وبين تماطل السلطات في إصلاح ما يمكن ترقيعه، وتهور السائقين ومستعملي الأنفاق المعنية، يبقى إرهاب الطرقات الكاسب الأكبر من هذا الشد والجذب، إذ لا يضيّع أدنى فرصة تتاح لتحويل الأنفاق لمسارح مجازره المريعة، ما يجعلنا نتساءل من المسؤول عن هذا الوضع الدموي؟