مع الاحتفاظ بقرينة البراءة، وقاعدة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، يكاد الواحد وهو صائم أن يُفطر على “الجرانة” في عزّ الظهر، والعياذ بالله، عندما يعلم بأن 12 مسؤولا بينهم وزيران أوّلان و8 وزراء ووالان، متهمين في قضايا ذات صلة بالفساد، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، في هذه المصيبة التي ألمّت بالبلد ونهبت ثروته وخانت ثورته وخدعت شعبه وحطمت دولته! الآن، سندرك لماذا لم نتطوّر مثلما تطور غيرنا، ولم نتقدم، وبقينا لسنوات طويلة في حالة الركود والجمود والفرملة، وأحيانا في حالة اللاجلوس واللاوقوف، وفي كثير من الحالات في غرفة الانتظار، ننتظر الأحسن، وإذا بنا ننتقل من السيّئ إلى الأسوأ، ونتقدم من الأمام باتجاه الخلف ونصعد نحو الأسفل! اللهم حوالينا ولا علينا.. إنّا لا نسألك ردّ القضاء، وإنما نسألك اللطف فيه.. فالذي بدأ ينكشف، وإن كانت ملامحه واضحة للعيان منذ فترة طويلة، إلاّ أن التحقيقات والملاحقات القضائية والأمنية، واعترافات بعض المتهمين والموقوفين، واتساع قائمة المشتبه فيهم والمتورّطين والمتواطئين، في عدّة فضائح فساد ونهب واستغلال النفوذ وإبرام صفقات وعقود مخالفة للقانون، كلها قرائن تؤكد أن “الفضيحة بجلاجل” و”البازقة” لا تُطاق! ماذا بقي للبلاد والعباد، إن كان رئيس الحكومة والوزير والمدير والوالي والمير، وغيرهم من المسؤولين التنفيذيين، لا يخافون الله، ولا يخشون لومة الشعب، ولا يكترثون لقانون وقّعوه بأنفسهم وسوّقوا له في الميكروفونات؟ وها هي الطامة الكبرى تضرب الأخماس بالأسداس، عندما يتضح بأن ما نُهب وسُلب يكفي لبناء جزائر جديدة بمختلف المرافق والمنشآت، فاللهمّ لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منّا وبنا بلا رحمة ولا شفقة! يكاد الواحد من بقايا العقلاء، أن يشرع مضطرا في شنق نفسه بنفسه بشلاغم آخر صرصور يعثر عليه في زوايا بيته المهترئ، وهو يرى كيف شيّد غيرنا ممن كنا أحسن منهم، إلى وقت قريب، كيف شيّدوا ناطحات سحاب وأنجزوا مشاريع القرن، بينما غرقت مشاريعنا في “فضائح القرن”! الملايير التي سُرقت بالقانون والمناصب على مدار سنوات طويلة، في عدّة قطاعات، والقروض التي خرجت من البنوك دون أن تعود ودون أن تُنجز بها مشاريع التنمية، وتمّ دسّها في “الوسادات”، كانت بوسعها أن تساهم- ولا نقول تنهي- في حلّ مشكلة البطالة والسكن والطرقات والزحمة وتنعش الخزينة العمومية بمداخيل إضافية، لكنها للأسف “راحت في كيل الزيت”! من الصعب عندما يكون “حاميها حراميها”، أن تنجح التنمية وتنتهي المشاريع دون غشّ ولا تدليس، ولا يتمّ نفخ الأرقام والإحصائيات وتسمين “الإنجازات” بما هو كائن وغير موجود حتى في الأحلام الوردية فوق القمر.. فاللهم إني صائم!