تشاء الأقدار أن تغرق الجزائر في قضايا الفساد المالي والصفقات المشبوهة، والجريمة هذه المرة من الرشاوي ونهب المال العام العابر للحدود، أبطالها جزائريون وإيطاليون، الجزائريون تلقوا عمولات ب 256 مليون دولار من الطرف الإيطالي مقابل منحه صفقات بترولية لا تقدّر بثمن، وبكلّ التسهيلات الممكنة وغير الممكنة. المتهمون في القضية من الجانب الجزائري، هم إطارات ومسؤولون كبار في أجهزة الدولة، كانوا يتحكمون يوما في عدّ وتحصيل عائدات الريع البترولي الذي تعتمد عليه الجزائر في ديمومة حياتها وتأمين بقاءها، ولسقطات وصفقات مشبوهة، تم إزاحتهم من مراتبهم، إلى أن فجّرت قبل أيام وسائل الإعلام الإيطالية فضيحة إطارات «إيني» و«سايبام» بفروعهما الإيطالية، وكوادر سوناطراك، هذه الأخيرة التي لم يقفل ملفّها القضائي بعد، رغم الفصل فيه قبل سنتين بمجلس قضاء وهران. الفضيحة هذه المرّة، كانت أكبر عيار تلقته الجزائر في تاريخها، مع الفساد الذي طالها واتّصل بأكبر المؤسسات المصرفية والاقتصادية ببلادنا وكلّنا يتذكّر فضائح بنك الخليفة التي سمّيت بقضية القرن وقضية «موبيلار» وكلا القضيتين هرب أبطالها إلى الخارج ونال بعض المتورطين الصغار عقابهم. التحقيقات بإيطاليا جارية على قدم وساق لكشف المتورطين والمتواطئين ووسطائهم، والتحريات الأولى تتحدّث عن بعض الأسماء وعن حسابات في البنوك السويسرية والإيطالية، يُخطىء القلم في كتابة أصفار ملاييرها بالدولارات. الجزائريون باشروا تحقيقاتهم، حسبما أعلنت عنه نيابة الجمهورية لدى مجلس قضاء الجزائر، وتقول أولى التحريات أنّ الفضيحة تتبع تلك المتابعة فيها مؤسسة سوناطراك بمحكمة سيدي محمّد بالعاصمة، والمحاكمة قد تكشف عن متورطين جدد يضافون إلى الوزير السابق للطاقة والمناجم وإطارات سوناطراك المتهمة، كما تشير إلى ذلك الوثائق المسرّبة التي تم اكتشافها بإيطاليا. ليس غريبا أن تحتلّ الجزائر، أولى المراتب في تصنيف الدول التي تعتمد العمولات والرشاوي في معاملاتها المالية والمصرفية والاقتصادية، حسبما أقرته منظمة «شفافية دولية» المختصة في محاربة الفساد واختلاس الأموال، رغم الهيئات والمنظمات التي أسّستها وأنشأتها السلطات لدحر هذه الظاهرة الخطيرة التي نخرت الاقتصاد الوطني وقسمت ظهره وركيزته، رغم وسائل الردع والقمع والعقاب. إنّ الرّشوة والفساد، وللأسف الشديد، مصطلحان يكادان يدخلان قاموس المعاملات اليومية لأصحاب المال والقرار والخوف كلّ الخوف أن تُعمّر هذه الفضائح والممارسات ألاّ أخلاقية (وإن كانت تبدو أنّها عمّرتْ) لأن الشيء إذ أطال وعمّر وتواصل واتصل يصبح من العادات التي يصعب محاربتها ومكافحتها والتخلص منها، وكذلك هو حال التلاعب بالمال العام بالجزائر الذي أصبح له متخصّصوه وباروناته والله يلطف.