تتسارع هذه الأيام الأحداث بطريقة لا يمكن مسايرتها بمشية السلحفاة ولا الأرنب، ولا بعقول العصافير، وبطبيعة الحال، وما لا يختلف حوله اثنان، بأن “فخامة الشعب” حقق في 60 يوما، ما لم يحقّقه الرئيس المستقيل خلال 20 سنة، ولم تجنه الطبقة السياسية بموالاتها ومعارضتها، لمدة تبدأ تأريخيا من بداية التسعينيات وميلاد التعددية والديمقراطية! الأخبار العاجلة، أصبحت متزاحمة، ولا تكاد تجد لنفسها مكانا، نتيجة تزاحم المعطيات والمتغيرات والقرارات المتوالية، التي حرّكها الحراك الشعبي، وها هو الآن يحصد ثمارها، ولو كان ذلك بطريقة تدريجية، وأحيانا بطيئة، منتظرا المزيد في سياق “يروحو قاع” و”يتحاسبو قاع”، وتوفير المناخ السياسي الملائم للشروع في بناء جمهورية جديدة! السلطة السياسية نفسها، دوّختها الأخبار العاجلة، وأصبح الوزراء والولاة والمديرون والمسؤولون التنفيذيون المحسوبون من “نظام بوتفليقة”، ومعهم قيادات أحزاب موالية ورجال أعمال، ينتظرون دورهم، ويترقبون خبرا عاجلا، قد يحمل اسمهم، سواء من المعزولين، أو المحالين على التحقيق، أو الممنوعين من مغادرة التراب الوطني إلى غاية انتهاء التحريات في فضائح الفساد! المتورطون والمتواطئون والمشبوهون والفاسدون و”الغمّاسون” والمزوّرون والمتآمرون، ينتظرون أكثر من غيرهم الأخبار العاجلة، وكلما شاهدوا الشريط الأحمر عبر القنوات التلفزيونية، تملكهم الهلع والسوسبانس، ينتظرون ما سيُكتب، ومن الاسم والقرار الذي سيصدر، بنفس الطريقة التي يتابعون بها استمرار الحراك الشعبي الذي تحوّل إلى بوصلة لكل التطورات! نعم، الحراك أضحى صانع كلّ شيء، فمنذ 22 فيفري، تتساقط القرارات الهامة والإجراءات المهمّة، والأهمّ من هذا وذاك، أن لا السلطة ولا الأحزاب أصبحت قادرة على تجاوز الشعب، بعد ما تمّ تجاوزه بطرق عديدة لعدّة سنوات، خاصة عندما انسحبت الأغلبية المسحوقة من أداء حقها وواجبها في العمليات الانتخابية، كنتيجة حتمية للتلاعب والاحتيال اللذان كانا سيّدا الموقف! “فخامة الشعب” استرجع الآن كلمته وسيادته، ولذلك استسلمت الطبقة السياسية له عن بكرة أبيها وأمّها، وأصبحت لا تردّد سوى ما طالب به الشعب، ولم يعد السياسيون والمسؤولون يتجرّأون لاستفزازه أو معاداته أو التغريد خارج سربه، باستثناء حفنة “مطاردة” لا تجيد فنّ الكلام، والظاهر أنها لم تسمع بالمثل الشعبي الشهير القائل: “اللسان الحلو يرضع اللبّة”! لقد سحب الحراك الشعبي، والمسيرات المليونية الشعبية، البساط من تحت أقدام طبقة سياسية “متعوّدة دايما” على النصب والكذب والعبث، وعرّى قياداتها في أحزاب الموالاة والمعارضة، والتي لم تعد تجد ما تحمي نفسها به، سوى مساندة الحراك ودعم الجيش، القوّتان الوحيدتان، اللتان بإمكانهما ومن خلال انسجامهما وتوافقهما، تحقيق التغيير الآمن وتشييد الجمهورية الجديدة!