بينما قدّم بلخادم إستقالة حكومته، أبقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على "مصير" التغيير الحكومي معلقا إلى إشعار آخر، وهي السابقة الأولى من نوعها، التي يتم فيها الإكتفاء ببيان رئاسي، وتغيب اللقطات البروتوكولية المصورة، التي كان يبثها التلفزيون الرسمي، حول تقديم رئيس الحكومة إستقالته إلى رئيس الجمهورية. حتى وإن جدّد لاحقا الرئيس بوتفليقة، الثقة، في الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، إلا أن أوساط مراقبة، سجلت بأنها المرة الأولى التي يقبل فيها رئيس الجمهورية إستقالة رئيس الحكومة، دون أن يتم بالمقابل الإعلان في الجزء الثاني من الخبر، عن تجديد الثقة أو تعيين شخصية أخرى، على رأس الجهاز التنفيذي، كما لم يعلن البيان الصادر مساء الجمعة المنصرم، عن إنطلاق مشاورات وإتصالات لتشكيل الحكومة الجديدة المجبرة دستوريا على عرض برنامجها على البرلمان. وهي المرة الأولى أيضا، التي يكلف فيها عدد من الوزراء "المستقيلين" وجوبا بإستقالة رئيس الحكومة، بمهمة تصريف شؤون وزارات بالنياية، كان يتبوّؤها وزراء نجحوا خلال الإنتخابات التشريعية بعضوية البرلمان، وكان المعمول به، أن الأمناء العامون للوزارات، يشرفون على ضمان السير العادي للوزارة، مباشرة بعد إستقالة الحكومة، وإلى غاية الإعلان عن تركيبة الطاقم الحكومي الجديد. إستقالة حكومة عبد العزيز بلخادم، حتى وإن كانت برأي مراقبين، حتمية "سياسية وأخلاقية" لتجاوز خرق الدستور في مادته ال 105، التي تمنع الجمع بين مهمة النائب ومهام ووظائف أخرى، فإن هذه الإستقالة أو ما يصفها البعض ب "الإنسحاب بشرف"، جاءت في وقت مميز، فديبلوماسيا حلّ أمس الرئيس المجري بالجزائر، وإقتصاديا إفتتح أمس كذلك معرض الجزائر الدولي، وتربويا يعرف قطاع التربية الوطنية إمتحانات نهاية السنة، خاصة ما تعلق منها بشهادات التعليم الأساسي والمتوسط والباكالوريا. وبعد قبول إستقالة حكومة بلخادم، قرّر الرئيس بوتفليقة، إسناد تسيير القطاعات التي إنتخب وزراؤها بالمجلس الشعبي الوطني، وعددهم 18 وزيرا، إلى عدد من وزراء حكومة بلخادم المستقيلة، وعليه، يتضح حسب متابعين، بأن الإبقاء على هؤلاء الوزراء من عدمه خلال الحكومة القادمة، يبقى غامضا ومبهما، فهل سيقترحهم رئيس الحكومة "الجديدة" سواء كان بلخادم أو غيره، على رئيس الجمهورية، مثلما ينص عليه الدستور، وهل سيعينهم بوتفليقة كوزراء أم سيتركهم يجرّبون حظهم كنواب في البرلمان؟، وتتساءل أوساط مراقبة، عن أسباب وخلفيات، تأجيل وتأخير عملية تجديد الثقة في بلخادم من عدمها، وتكليف رئيس الحكومة "الجديد" بالشروع في مشاورات سياسية لتشكيل حكومة جديدة؟. بالعودة إلى قرار تكليف 12 وزيرا ضمن "حكومة بلخادم المستقيلة"، بتسيير وزارات "إضافية" بالنيابة، وعددها 18 وزارة، أصبح وزراؤها-إلى أن يثبت العكس-نوابا في المجلس الشعبي الوطني، بالعودة إلى هذا القرار، الأول من نوعه، في مجال التغييرات والإستقالات الحكومية، تعتقد أوساط متابعة، بأن الإعلان عن "الحكومة الجديدة" لن يكون بالسرعة التي تعوّد عليها الرأي العام، والسؤال المطروح في ظل هذه المؤشرات: هل باشر أم سيباشر بلخادم أو غيره، كرئيس للحكومة، إتصالاته لتشكيل الجهاز التنفيذي؟، أم أن ذلك، لا يمكنه أن يحصل، طالما إكتفى بيان الرئاسة بالإعلان عن قبول الإستقالة، ولم يعلن عن تجديد الثقة أو تعيين رجل آخر على رأس حكومة ما بعد 17 ماي 2007، وبالتالي، هل سيصدر بيان ثان عن الرئاسة لوضع النقاط على الحروف؟. ترى، ماذا وراء قبول إستقالة حكومة بلخادم دون تجديد الثقة فيه في ذات اليوم وفي نفس البيان، مثلما كان معمولا به، حيث جدّد مثلا بوتفليقة الثقة في علي بن فليس بعد تشريعيات 2002، وبعده في أحمد أويحيى عقب رئاسيات 2004، وكلفهما على المباشر بتشكيل حكومة جديدة، وهو ما حدث مع عبد العزيز بلخادم، حين خلف أويحيى في ماي 2006، لكن هذه المرة، الرئيس قبل الإستقالة وأبقى الأبواب مفتوحة على مختلف التأويلات والتخمينات و"المخاوف" السياسية !. إستقالة عبد العزيز بلخادم، جاءت بعد ما أثير حول "خرق الدستور"، أولا: من طرف الهيئة التشريعية، التي تأجلت عملية تنصيبها من الأحد إلى الخميس، وثانيا: من قبل الحكومة التي لم تقدم إستقالتها مباشرة بعد الإعلان عن نتائج التشريعيات، وأخّرتها إلى ما بعد تنصيب البرلمان الجديد، وهو ما ورّط 18 وزيرا في خرق المادة 105 من الدستور، ليومين كاملين، بعدما جمعوا بين مهمة النيابة البرلمانية والإستوزار. الحكومة المستقيلة، تحولت برأي متابعين، إلى ما يشبه "الحكومة المؤقتة أو الإنتقالية"، المكلفة بالنيابة أو بالوكالة بتصريف وضمان "الحد الأدنى" من الخدمات الحكومية، إلى أن ينهي الرئيس بوتفليقة ليلة الشك السياسي، وينتهي بذلك، السيسبانس و"الرعب" الذي سكن قلوب أغلب أعضاء الطاقم الحكومي، الذي وجد نفسه معلقا، لا هو بالواقف ولا بالجالس ! جمال لعلامي:[email protected]